لذا فإن النهضة الحسينية في عاشوراء إلهية بكل تفاصيلها، وإنسانية بمحض شمول مفاعيلها وتأثيراتها لكل حرّ. وعن ذلك يقول الإمام قدس سره: "ينبغي لنا أن ندرك أبعاد هذه الشهادة ونعي عمقها وتأثيرها في العالم ونلتفت إلى أن تأثيرها ما زال مشهوداً اليوم أيضاً ".
وبحسب قول الإمام الخميني قدس سره فبالإضافة إلى كون النهضة الحسينية قياماً لله وأداء للتكليف الإلهي لكنها أيضاً حركة سياسية كبرى بكل تفاصيلها من أول خطوة فيها حتى الشهادة وعن ذلك تحدث قدس سره: "إن مجيء سيد الشهداء عليه السلام إلى مكة وخروجه منها بتلك الحال يعد حركة سياسية كبيرة ففي الوقت الذي كان فيه الحجيج يدخلون مكة كان الحسين عليه السلام يغادرها وهي حركة سياسية، فكل سلوكيات الحسين عليه السلام وأعماله كانت سياسية إسلامية وهي التي قضت على بني أمية ولو لا تلك الدم لكان سحق الإسلام وانتهى".
ويقول عن كون نهضة سيد الشهداء قياماً لله: "والرسول الأكرم هو الوسيط. ليست أكثر من موعظة واحدة هو ﴿إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله﴾ قوموا لله عندما تشاهدون الخطر يحدق بدين الله. قام أمير المؤمنين لله عندما شاهد دين الله في خطر وان معاوية يحرّف دين الله ونفس الشيء بالنسبة لسيد الشهداء فقد قام لله وهذا أمر لا يختص بزمن معين إن موعظة الله دائمية...".
وهي تكليف إلهي يقول قدس سره: "عندما يرى سيد الشهداء عليه السلام أن حاكماً ظالماً جائراً يحكم الناس فإنه يصرّح ويقول إن من يشاهد حاكماً جائراً يحكم بين الناس ويظلمهم فيجب عليه أن يقف بوجهه ويمنعه بقدر استطاعته. إن بضعة اشخاص لم يكونوا شيئاً يذكر امام ذلك الجيش، ولكنها المسؤولية والتكليف إذ كان يجب عليه أن ينتفض، ويقدم دمه حتى يصلح هذه الأمة وحتى يقضي على راية يزيد، وهذا ما قام به فعلاً فقد قدم دمه ودم أولاده وأنفسهم، وكل ما يملك من أجل الإسلام".
بعد هذا العرض دعنا نتلمّس رؤية الإمام الخميني قدس سره لأسباب هذه النهضة بحسب الوارد في كلماته وخطاباته.
ويقول قدس سره عن يزيد وبني أمية: "... فهم لم يكونوا يؤمنون بالإسلام منذ البداية وكانوا يكنون الحسد والحقد لأولياء الإسلام".
ويقول الإمام قدس سره: "وأنقذ (أي الإسلام) من تآمر العناصر الفاسدة وحكم بني أمية الذين أوصلوا الإسلام إلى حافة الهاوية".
العمل على محو الإسلام وإضاعة جهود النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"لقد أوشكت حكومة يزيد وجلاوزته الجائرة أن تمحو الإسلام وتضيّع جهود النبي صلى الله عليه وآله وسلم المضنية وجهود مسلمي صدر الإسلام ودماء الشهداء وتلقي بها في زاوية النسيان، وتعمل ما من شأنه أن يضيع كل ذلك سدى".
"لقد رأى سيد الشهداء عليه السلام أن معاوية وابنه يعملان على هدم الدين وتقويض أركانه وتشويه الإسلام وطمس معالمه...".
"لقد أوشك حكم بني أمية المنحط أن يظهر الإسلام بمظهر الحكم الطاغوتي ويشوه سمعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وقد فعل معاوية وأبنه الظالم الأفاعيل ضد الإسلام وارتكب ما لم يرتكبه جنكيز خان فقد بدلا أساس عقيدة الوحي ومعالمها إلى نظام شيطاني".
"إن الخطر الذي كان يمثله معاوية ويزيد ضد الإسلام لم ينحصر في كونهما غاصبين للخلافة فهو أهون من الخطر الأكبر الآخر وهو أنهما حاولا جعل الإسلام عبارة عن سلطنة وملكية وأرادا أن يحولا الأمور المعنوية إلى طاغوت".
يقول قدس سره: "عندما رأى سيد الشهداء عليه السلام أن هؤلاء يسيؤون باعمالهم سمعة الإسلام ويشوّهون صورته باسم خلافة الرسول ويرتكبون المعاصي ويحكمون بالظلم والجور وأن انعكاس ذلك على الصعيد العالمي هو أن خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمارس هذه الأعمال، فرأى من واجبه أن ينهض ويثور حتى لو أدى الأمر إلى مقتله، المهم هو إزالة ما تركه معاوية وابنه من آثار على الإسلام".
ويقول قدس سره كذلك: "عندما يرى سيد الشهداء عليه السلام أن حاكماً ظالماً يحكم في الناس بالجور والعدوان فإنه يقول: من رأى حاكماً جائراً يحكم في الناس بالظلم والجور فعليه أن يقوم بوجهه ويمنعه من الظلم بمقدار ما يستطيع ولو كان معه بضعة أنصار فقط يقفون معه بوجه ذلك الحاكم ذي الجيش العظيم الجرار".
يقول قدس سره: "... إنه (أي يزيد) يقترف المعاصي ويخالف سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... فهو يسفك الدماء ويهدر الأموال ويبذرها وهي ذات الأفعال التي كان يقوم بها أبوه معاوية أتى أمير المؤمنين علياً عليه السلام إلى معارضته".
من خلال ما تقدم يمكن القول بإجمال أن أسباب النهضة الحسينية بحسب رؤية الإمام الخميني قدس سره تتلخص بوجود حكومة طاغوتية آثمة جائرة وغاشمة تستغل الحرمات وتشوه الدين ومفاهيمه وسمعة النبي الأعظم (ص) لذلك فإن حركة الإمام الحسين بحسب ما يراه الإمام (قدس سره) هي إزالة كل هذا الواقع وقلعه واستنقاذ الإسلام وصورة نبيّه وتطهير سمعة الإسلام والنبي من التشوه والتلوث الذي ألحقته بهما ممارسات بني أمية .