يوم هو خير من ألف شهر لأنه من ليالي القدر التي تتنزل فيها الملائكة والروح، يوم القدس في آخر جمعة من شهر رمضان الفضيل يبرهن القوة الكامنة في هذه المدينة، قوة سيف يومض كالبرق هزمت به الإفرنج «الصليبيين» وجعلت طريقهم معبّداً بالموت والفناء، القدس منحت الثوار فن الجود بالنفس، وهبتهم قدرة اختراق الحواجز التي يشيدها عباد الوثن المتاجرون بدماء الإنسانية والحالمون باكتساح الربيع.
إعلان يوم القدس يعني صرخة في وجه الغاصبين وشذاذ الآفاق ليؤكد أن المشاعر تجاه القضية الفلسطينية مازالت مندفعة حية لم تنضب ولن تنضب، وأن الهدف من إعلان آخر جمعة من رمضان المبارك يوماً للقدس ليس الوقوف عند حد الشعارات والهتافات والاكتفاء بالشكليات بل التعبئة المستمرة من أجل إزالة هذه البقعة السوداء من خريطة العالم الإسلامي والقضاء على هذا الكيان اللقيط الذي لا يفهم غير منطق القوة.
ويترافق إحياء يوم القدس مع الذكرى السنوية لانطلاق شرارة الانتفاضة الفلسطينية التي جسدت الوعي الثوري واختزلت كل الفلسفات والنظريات المستوردة لتبرهن بعفويتها وروحانيتها بأن للباطل جولة وللحق جولات.
ومازالت الانتفاضة هي الصرخة المدوية في سماء فلسطين غير آبهة بكل التنازلات المذلة والاتفاقات المخزية، وإن يوم القدس هو ليلة القدر وجاء في العشر الأواخر من الشهر الفضيل ليكون منطلقاً للوعي واليقظة ويمهد الطريق لاستئصال هذه الغدة السرطانية التي تخطط لاحتلال المنطقة بأسرها وتمضي لتحقيق هذه المآرب خطوة خطوة.
إن ما تنفذه أوكار الإرهاب في بعض الدول الإسلامية يجب ألا يشغلنا عن أهلنا في الداخل الفلسطيني ويبقي هاجسنا الوحيد إنقاذ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من دنس الصهاينة واجتثاث جذورها من هذه الأرض المباركة.
إن الشتلة التي زرعها الإمام الخميني في قلوب الفلسطينيين لن تنحسر ولم تتلاش بعد رحيله إلى الرفيق الأعلى بل ربما حصل العكس فيوم القدس العالمي أضحى مظهراً من مظاهر الرفض للكيان اللقيط والقوى المساندة له حيث يقول: «إن يوم القدس يوم إحياء الإسلام ويجب أن يعي المسلمون ويفهموا بأن لهم طاقات وقدرات مادية ومعنوية هائلة ويتجاوز عددهم البليون ويتمتعون بالحماية الإلهية ويدعمهم الدين الحنيف فلماذا الخوف ومم الوجل؟».
ويكتسي الاحتفال بيوم القدس هذا العام بأهمية أكبر حيث شهدنا الاندحار الصهيوني من قطاع غزة ومؤامرة التطبيع التي تحيكها الأوساط الصهيونية في البيت الأبيض للتعويض عن هذه الهزيمة النكراء. وقد ندد آية اللـه الخامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية في خطبة صلاة الجمعة بطهران بالخطوات التي بدأتها بعض الدول الإسلامية للتطبيع مع إسرائيل واصفاً ذلك بالعمل الشنيع داعياً هذه الدول لعدم الخضوع لهذه الضغوط باعتبار أن هذا النظام الظالم يشكل تهديداً لكل شعوب المنطقة.
وهكذا يتناغم التنظير مع التطبيق ليبرهن بأن هؤلاء الأوغاد لن يقضموا ريحان الخليل، ولن يسرقوا أريج زعتر حيفا ويافا لأن فلسطين تنتعش بأنفاس الشهادة وتكتمل بريح مسك الفدائيين، رأسها مرفوع مثل خيول الفاتحين ما برحت بندقية عز الدين القسام ساخنة تهلل للغضب القادم من أنفاس الاستشهاديين الذين يحطمون الأصفاد وبتضحياتهم تكتمل الصحوة ويعود الإسراء من أم القرى إلى قدس الأنبياء يشع باللون البنفسجي ليعلن اندحار عشاق التيه في الصحارى وسكان أوكار الخوف والظلام.
سمير ارشدي
عضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب