بصراحة هل لديك صديق سني؟ وأنت الآخر: بصراحة هل لديك صديق شيعي؟.
التطبيع بين السنة والشيعة في السعودية
وكالة أنباء التقريب (تنا)
راصد الاخبارية , 1 Dec 2010 ساعة 7:38
بصراحة هل لديك صديق سني؟ وأنت الآخر: بصراحة هل لديك صديق شيعي؟.
بقلم الدكتور عبد الستار بوحسن
بالرغم من مؤتمرات التقريب بين المذاهب الاسلامية ومثلها جميع الكتب والمقالات والخطب والمجهودات المخلصة والعظيمة المتنوعة من قبل الحريصين على الوحدة الاسلامية و التي تستهدف فيما تستهدفه ازالة الحواجز بين أبناء المذاهب الاسلامية المختلفة الا أن ما يتحقق على الأرض وما يجد صدى في دنيا الواقع الاجتماعي يبقى القليل القليل، وبالخصوص ان لم يكن بالانفراد لساحتنا المحلية السعودية ولا أدري هل ذلك ثمرة أخرى من ثمار خصوصيتنا السعودية "المقدسة".
ربما الخطوة العملية الأولى التي من شأنها أن تترجم تلك الجهود وتبلورها على أرض الواقع هي أن يسأل كل شخص منا نفسه ذات مساء: بصراحة هل لدي صديق سني؟ والعكس صحيح في الجانب الآخر. بالطبع ليس المقصود هنا مجرد زميل تنتهي كل علاقة به بانتهاء وقت الدوام الوظيفي. فبالرغم من أهمية أن تكون تلك العلاقة ايجابية، الا أنها تبقى علاقة جبرية ومحدودة بظرف زماني ومكاني معين ولا تستطيع أن تصل لعمق الصداقة، بل المقصود صديق نلتقي به خارج وقت الدوام وبشكل دوري وندعوا بعضنا بعضاً ونحرص على الحضور في مناسباتنا الاجتماعية المختلفة.
فاذا كان الجواب بالنفي فلماذا؟ وما المانع من ذلك؟ والسؤال الأهم من هذا وذاك: ألا أستطيع تغيير هذا الواقع وصنع واقعاً جديداً؟!.
نعم لا تخفى على أحد اشكالية القطيعة الاجتماعية والانفصال النفسي المزروع في مجتمعنا والذي خلقته وغذته وتغذيه عوامل كثيرة لسنا بصدد التطرق لها ولكن هل معنى ذلك أن يستسلم الناس سنة وشيعة لهذا الواقع المريض والمأزوم والذي لا أشك أن أحداً يشك في مصادمته لجميع السنن الكونية والقوانين الاجتماعية فضلاً عن الشرائع الدينية السماوية منها وغير السماوية وفضلاً في المقام الأول عن تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف.
جميلة حقاً هي عبارات المجاملة التي نتبادلها في اللقاءات الرسمية ولكن هناك ما هو أجمل وهو أن نبدأ بتطبيع العلاقات بيننا كأفراد وعوائل «عفواً لاستخدام كلمة "تطبيع" ولكني أراها مناسبة هنا».
قد تكون أوجه الانفتاح كثيرة ولكن الصداقة علاقة انسانية عميقة تنتج عنها محبة وحميمية، ولو كانت هناك شبكة واسعة من الصداقة بين أفراد وأسر الطرفين فهل ستكون هناك امكانية لبث الاشاعات وتشويه سمعة الطرف الآخر واستعدائه وشيطنته وسوء الظن به؟!. لا شك أن أياً من ذلك غير قابل للحياة والتنفس الا في بيئة مشبعة بأجواء القطيعة والتجافي.
و نحن اذ نفعل ذلك سنة وشيعة فذلك لا يدل على رقينا أو ثقافتنا أو ذكائنا «لا سمح الله» ولكنه قدر محتوم علينا شئنا أم أبينا. وهذا ليس كلاماً رومنسياً ومعسولاً نستهلكه في أوقات تأملاتنا العميقة ونكتبه في الجرائد والمجلات ثم نركله اذا نزلنا للشارع، بل املاء العقل والمنطق السليم يحتمه علينا هذا اذا أغمضنا العين لوهلة عن تعاليم ديننا وقيمنا الأخلاقية التي تفرض علينا ذلك قبل كل شيء واستطعنا حرفها عن معانيها. فهل يملك شخص أن يقاطع شقيقه الذي يرتبط معه برباط الدم ويسكن معه في نفس البيت حتى لو لم تعجبه أفكاره أو توجهاته واعتبره " زاحف العقل".
و هناك اشكالية تتفرع من هذه الاشكالية الرئيسة، وهي أنه حتى مع وجود عدد من الصداقات «ربما عددها ليس بالقليل ولكنها دون المستوى المطلوب بكثير» فانها لا تنفك عن اثارة الجدالات العقائدية بين الفينة والأخرى بمناسبة وبدونها مما يشكل عامل توتير ربما يقضي على تلك الصداقة. فهل انتهت جميع "سوالف" الدنيا ولم تبقى الا هذه السالفة حتى يتجادلوا فيها.
نعم ان الانفتاح الكامل يستلزم تجريم أي سلوك ينم عن عنصرية بكافة أشكالها وتمظهاراتها من طائفية أو مناطقية أو قبلية أو عرقية وهي مسؤولية القانون في المقام الأول، وبحاجة الى قرار قانوني صارم وواضح، وهذا هو المعمول به في كافة الدول المتقدمة ومن دونه تبقى هناك ثغرة في أي منظومة تشريعية، بالامكان أن يستغلها المستغلون لاهدار حقوق غيرهم وبالتالي تغذية حالة القطيعة والتشاحن بين فئات المجتمع، الا أنه ما ليس بحاجة الى هكذا قرار وما باستطاعتنا فعله كأفراد هو أن نبادر باقامة صداقات بيننا سنة وشيعة وأن نحافظ على هذه الصداقات، بدلاً من أن نقف مكتوفي الأيدي حتى يصدر مثل هذا القرار الضروري لاستقرار وتقدم أي مجتمع.
أتذكر يوم كنا ندرس في الجامعة وذكرت مسألة السنة والشيعة، فأخبرنا زميل سعودي لكنه يقيم في دولة الكويت وأتى للدراسة الجامعية، أن لديه كثير من الأصدقاء الشيعة في الكويت مما أثار سيل من التهكم عليه وعدوه "مهايطي" أو مبالغ فقد كان من الممكن أن يصدقوا ويبلعوا أن لديه صديق شيعي واحد أما "كثير" فمن الصعب ابتلاعها. وكنت من القليلين الذين صدقوه «و ربما الوحيد»، وربما لم أكن لأصدقه أنا أيضاً لولا زيارة سابقة لبعض الأقارب في الكويت ورؤية ذلك بالعين المجردة.
غني عن القول أن المتشددين من الجانبين سوف ينظرون الى أي علاقة من هذا النوع على أنها تهديد عقائدي ومحاولة اختراق فكري وربما مؤامرة صهيونية من تخطيط الموساد، وقد يقولون بأنه ليس هناك من ضير في التعايش «طبعاً كلمة التعايش هنا مهمة لأنهم يرتعشون خوفاً من كلمة التقارب» ولكن ذلك يبقى على مستوى الشعار وفقط الشعار، أما على مستوى الفعل والتطبيق فهم قادرون على وضع حواجز وعراقيل تجعل ذلك مستحيلاً. ولكن ألا يستطيع أبناء المجتمع أن يتجاوزا هذه التهاويل وأن يعيشوا حياتهم دون عقد وحواجز، وأن يوجهوا بوصلة القيم الى الاتجاه الصحيح فبدلاً من أن يكون الدين عامل قطيعة وخصام وعداء، يصبح عامل حب وتواصل وتسامح. وبدلاً من قراءة الدين كلائحة اتهام وصك ادانة للطرف المذهبي الآخر، تصبح قراءة للتآخي والاختلاف بمودة.
هل سنرى ذلك اليوم الذي يوجد فيه شيخين أو مطوعين شيعي وسني "فاليينها" في جلسة واحدة في الدمام أو جدة أو الرياض. واذا لم نرى ذلك اليوم فعلينا ألا ننتظره وأن نترك هذين الشيخين ليحلوا قضية فلسطين بجدالهما، ونفتح جلسة أخرى و" نفلها.
رقم: 32741