التطرف ... التشدد ... الغلو ... التعصب ... التنطع ... الشطط في العبادة هذه كلها أمراض تصاب بها العقول وتحتاج إلى العلاج.
التشدد: أسبابه – نتائجه – علاجه
وكالة أنباء التقريب (تنا)
جبهة العمل المقاوم , 10 Dec 2010 ساعة 22:59
التطرف ... التشدد ... الغلو ... التعصب ... التنطع ... الشطط في العبادة هذه كلها أمراض تصاب بها العقول وتحتاج إلى العلاج.
بقلم: الشيخ صهيب عثمان حبلي
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:
التطرف ... التشدد ... الغلو ... التعصب ... التنطع ... الشطط في العبادة هذه كلها أمراض تصاب بها العقول وتحتاج إلى العلاج.
وللأسف إن هذه الأمراض بدأت تتسلل إلى شبابنا وأبنائنا تحت شعار التدين والتمسك بالكتاب والسنة والسير على منهج السلف الصالح....
لا بد أن نسلط الضوء على أسباب ظهور التشدد في الأمّة، ثم نتحدث عن نتائجه وأثاره في الأمّة وما الذي يمكن أن يوصف لهذا المرض العضال.
تتلخص أسباب ظهور التطرف والتشدد والغلو بالأمور التالية :
١- الجهل بدين الله عز وجل :
يتصور البعض أنه يتقرب إلى الله سبحانه أكثر إذا تشدد في الأحكام الشرعية واختار القول الأشد من بين مذاهب العلماء وأقوالهم وأرائهم، وهذا خطأ فادح لأنّ الله تعالى أخبرنا أنَّ التقرب إليه يكون باتباع أوامره فنحل ما أحل الله ونحرم ما حرمه، قال تعالى (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قبل واضلّوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل) المائدة الآية ٧٧
ولمّا جاء النفر الثلاثة إلى بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألون عن عبادة النبي... وقالوا نصوم ولا نفطر نقوم ولا نرقد ولا نتزوج النساء...
فمنهج النبوة هو الاعتدال في الدين وعدم الشطط في العبادة فمن حاد عن هذا المنهج فهو المتطرف.
ولا يمكن أن نفهم منهج النبوة إلا من خلال صحبة العلماء الأخيار والأخذ عنهم، وعدم الاكتفاء بقراءة بعض الكتب ومتابعة بعض الدروس التي تعرض على الفضائيات من غير أن نعلم توجهات القائمين عليها والهدف من انشائها.
٢- نشأ التطرف في الإسلام بمخططات صهيونية أمريكية وكردّ فعل على التطرف الذي مارسه أعداء الدين في حربه على الإسلام وأهله :
لقد وجد المسلم نفسه مستهدفاً يُعتدى على حقه، وتهدر كرامته وعرضه، والغرب يساندون اليهود الذين يغتصبون بلاد المسلمين ويعتدون على مقدساتهم، وفي بلاد المسلمين أذناب للغرب وأبواق لنشر الفتنة والفساد وفي كل يوم يطالعنا الإعلام بأخبار تهز مشاعر المسلم، ففي الدنمارك صور مسيئة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي سويسرا يصوّت الشعب موافقاً على منع بناء مآذن المساجد، وفي فرنسا جدل حول وجود المسلمين وحجاب المرأة المسلمة، وفي أميركا إهانة للمسلم في المطارات والمؤسسات الحكومية، وفي نيجيريا تطهير عرقي يمارس ضد المسلمين، وقبلها في البوسنة والهرسك...
الشاب يقلب ناظريه في كل هذا وهو ضعيف لا يملك شيئاً ولا يجد في الحكومات الإسلامية من يدافع عن الإسلام وأهله فلا يجد لنفسه سبيلاً إلا أن ينتسب إلى تنظيم أو حزب جهاد (يرفع شعار) الدفاع عن حقوق الأمّة الإسلامية.
ويتبنى هذا الحزب أفكار تكفيرية وانتقامية فيحملها المنتسب إليه دون تفكير أو دراية بخطرها أو الجهة التي تدعمها وتسخرها من أجل مصالحها.
٣- الدعم السياسي والمالي :
قامت بعض الدول والحكومات باستخدام الدين للتحكم بعقول الشعوب وسوقهم وفق إرادتها، وقامت بتشجيع الفكر الذي يصب في مصالحها السياسية دون النظر إلى محتواه الديني وأنشأت في سبيل ذلك المؤسسات والفضائيات والصحف التي تنشر وتدعم هذا الفكر، مثلاً، في إحدى الفضائيات التي تبث من مصر وتموَّل من قبل إحدى دول المنطقة يُقدَّم برنامج يتصدر فيه أحد المشايخ المعروفين بتشددهم لينال من الشيعة وأئمتهم ويلتقط المآخذ من كتبهم ويتهم سوريا وإيران وحزب الله ومن يسير في هذا الخط الشريف بانتشار التشيع ودعمه...
وعند التأمل والتدقيق نجد أن هذا البرنامج يأتي في سياق تدهور العلاقات بين تلك الدول وإيران فلو هدأت الأجواء والتأم الصدع سيغيب ذلك الشيخ الذي يهاجم الشيعة عن الشاشة تلك الفضائية وسيأتينا شيخ آخر يحدثنا عن الاخوة الاسلامية ونبذ الطائفية والتعايش والحوار...
ولا يمكننا أيضاً أن نتجاهل أيضاً الملايين التي تبذل لنشر الفكر المتشدد (المعلّل) من خلال الكتب والفضائيات ومواقع الانترنيت تحت عناوين براقة (العقيدة الصحيحة – البدع والخرافات – العودة إلى الكتاب والسنة...).
كان من الممكن أن تُستثمر هذه الأموال في إنشاء جامعات ومؤسسات إسلامية تجمع ولا تفرّق وتصحح المفاهيم الخاطئة وتنشر العلم عن طريق العلماء الذين يُشهد بإمامتهم في كل مكان على وجه الأرض.
ولا شك أنَّ كل مال يُنفق لا يُبتغى به وجه الله ونصرة الإسلام فإنه سيكون وبالاً على صاحبه في الدنيا والآخرة...!
هذه هي أهم الأسباب التي تكمن وراء انتشار الفكر المتشدد الذي يدّعي انه يسير على نهج السلف الصالح وهو لا يأحذ من السلف إلا الإسم.
ولنا أن نسأل بعد ذلك : لماذا كل هذا الاهتمام بموضوع التشدد والتطرف؟
الجواب سيكون من خلال استعراض آثار التشدد ونتائجه على مستوى الفرد والأمة.
أولاً: على مستوى الفرد
١- المتعصب إنسان يفقد الانصاف والاتزان في اتخاذ القرار وتبني الأحكام والقناعات لأنه متبع للهوى لا للشرع، قد قال الله تعالى (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) ص الآية ٢٦ حتى وصل الأمر ببعض الشباب أن يكفّر أمه لأن مذهبها جعفري.
فتراه يترك قول كبار علماء الأمة وأئمتها من أجل قول يسمعه من أحد الشيوخ الذين ينتسب إليهم، أو يترك فتاوى علماء بلده الذين شُهد لهم بالعلم (والإستقامة) والمعرفة والتقوى ويعمل بفتوى يسمعها من إحدى المحطات الفضائية التي يستلهم منها فكره وتشدده... ولا يخفى على كل عاقل خطورة هذه المحطات.
٢- المتعصب ممقوت لدى الناس لا يحبون مجالسته ولا يحبون نصحه، فتراه منعزلاً عن أسرته وإخوته وجيرانه الذين باتوا يكرهون المتدينين بسبب سلوكه وأفكاره وفي الناس اليوم من لا يزوج ابنته لشاب متدين...!
وفي الناس من لا يحب معاملة المتدينيين ومجالستهم...!
مع أن المسلم يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.
ثانياً: على مستوى الأمة
١- لقد أدى ظهور الفكر المتشدد في الأمة إلى استباحة دماء الأبرياء من المسلمين بحجة تكفيرهم وتفجيرهم وفي كل يوم نرى كيف يستباح قتل المئات من المسلمين وفي الأسواق والمساجد والحسينيات بحجة قتل عميل أو جندي محتل كان ذلك في السوق أو الشارع، وهذا يعتبر خرقاً لقواعد الشريعة في الجهاد في سبيل الله.
وحسب الإحصاءات فإنه ما بين عام ٢٠٠٤ و ٢٠٠٦ كان نسبة المسلمين الذين قتلوا في مثل هذه العمليات ٨٥% من عدد ضحايا الانفجارات.
وما بين عام ٢٠٠٦ و ٢٠٠٨ كانت نسبة المسلمين ٩٨%
أين هذا كله من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لو أن أهل السماء والأرض إشتركوا في دم امرئ مسلم أكبهم الله في النار) (وأن حرمة دم المسلم عند الله أعظم من هدم الكعبة).
٢- إنقسام الأمة إلى تيارات وتكتلات تناحر بعضها بعضاً لأن الفكر المتشدد لا يقبل الآخر ويعتبر المخالف له مجرماً أو فاسقاً أو مشركاً، مع أن الإسلام فتح لنا باب الإجتهاد وجعل اختلاف الأمة رحمة والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا اجتهد الحاكم وأصاب فله أجران وإن اجتهد وأخطأ فله أجر)
والإسلام فتح باب الحوار مع جميع الأديان والملل والمذاهب وعاش المسلمون وغيرهم في بلادنا قروناً طويلة وضربوا لنا أعظم الأمثلة في التعايش والحوار.
علاج الفكر المتطرف:
يمكننا القول أن معالجة الفاسق من مجون والعاصي من انحراف أسهل بكثير من علاج فكر اصيب بالتشدد والتعصب، لأن الفاسق الماجن إذا ذكرته بالله تاب وأناب وعرف تقصيره في جنب الله، أما المتعصب فدواؤه أصعب وأبعد منالاً لأنه يظن أنه على حق.
إن التطرف والتشد لا يمكن أن يعالج بتطرف وتشدد مماثل، وإن السجن والاعتقال وحده لا يكفي في هؤلاء بل يزيده تطرفاً وعزلة عن المجتمع، فهؤلاء المتشددون إخوة لنا لكنهم مرضى ندعو لهم أن يرجعوا إلى جادة الصواب وننصحهم في كل مناسبة وفرصة ونحذر من اتباعهم لما لذلك من خطورة في ذبح الإسلام بسكينة (فجهل الأبناء يساهم في كيد الأعداء).
العلم والحوار هو الدواء وعلى أهل السياسة الذين يجندون الدين لمصالحهم أن يتوقفوا عن التلاعب بدين الله عز وجل لأن مصلحة الأمة تكمن في الاسلام الصحيح الذي يدعو المسلم إلى الإنضباط والإلتزام بأوامر أولياء الأمور (الذين يسرون على النهج الصحيح) ويمنعه من التمرد والشطط والتعصب والتطرف.
ونشر الإسلام الصحيح واجب على كل فرد في هذه الأمة سيسألنا الله عنه يوم القيامة، قال تعالى (وقفوهم إنهم مسؤولون). الصافات الآية ٢٤
رقم: 33574