باتت التحركات الشعبية في عدة دول عربية مثل عود الثقاب إذ ما ان تشتعل احداها حتى تنقل العدوى مباشرة الى أخرى الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة عن خلفيات تزامن هذه التحركات، وأسباب اندلاعها بهذه القوة، وعن عناوين التغيير التي تحملها، وعن قدرة الأنظمة على مواجهتها خاصة وأنها تبدأ تحت شعارات مطلبية معيشية ومن ثم تتطور الى دعوات لإسقاط حكام او لإستقالات حكومات.
هذه الأمور جديدة في القاموس السياسي العربي إذ لم يسبق ان حصلت انتفاضات شعبية كان من نتيجتها ازاحة انظمة، بل ما كنا نسمعه دائمأ كان عن حركات انقلابية تتم غالباً على ايدي عسكريين يتولون الإمساك بزمام السلطة لفترة زمنية تمهيداً لإنتخابات "حرة " من اجل حياة اكثر " ديمقراطية " ومن ثم تتحول الفترة الإنتقالية الى فترة دائمة تمتلك كل مقومات التمديد لنفسها تحت شعار انها "مطلب شعبي" او " إستجابة لنداءات وطنية " او نزولاً عند رغبات " ٩٩.٩ في المائة " من كافة الشرائح الإجتماعية.
ولكن اليوم لم تعد تحركات العسكريين تنفع، وما عادت موضة دارجة إلا في بعض نواحي افريقيا، أما في العالم العربي فقد بات اللجوء الى الشارع من جيل الشباب هو القوة الفعلية التي تمتلك ادوات التغيير، ولغة التعبير، وتصور واضح عن تقرير المصير. والسبب ان جيل الشباب باتت نسبته مرتفعة في تعداد السكان، إضافة الى ان جيل الشباب هو من المتعلمين والمثقفين وخريجي الجامعات من الذين لا يستكينوا بسهولة لنداءات قد يطلقها زعيم او لقرارات قد يتخذها مسؤول ما لم تكن هذه النداءات او القرارات مقنعة وقادرة على الإنسياب الى العقل، وذات منفعة من حيث انعكاساتها الإقتصادية والإجتماعية والنفسية.
جيل الشباب اليوم بات متابعاً بشكل دقيق لما يحصل في العالم من متغيرات وتحولات، ومراقباً بشكل حثيث لكل التحديات التي تستهدفه أنياً على المدى القصير او استراتيجياً على المدى البعيد وذلك بفضل ثورة الإتصالات والمواصلات التي اتاحت لكل شعوب العالم تحصيل نفس القدر من المعرفة والطموح ومتطلبات الحياة الكريمة. ويبدو ان هذه المسائل كانت غائبة عن بال بعض الرؤساء العرب ممن وصل الى السلطة وبقي فكره اسير هذا التاريخ متناسياً او غافلاً عن ان الزمن في حال تغير دائم وأن العالم قد تجاوز العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
اليست هذه هي حال " الثورة الطبية " التي قام بها زين العابدين بن علي ضد الحبيب بورقيبة منذ ٢٣ سنة، " وثورة الكتاب الأخضر " التي قام بها معمر القذافي منذ العام ١٩٦٩ في ليبيا، " وثورة العسكر " التي قام بها الرئيس علي عبدالله صالح في اليمن عام ١٩٧٨، " وثورة التحرير " التي ورثها عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر عام ١٩٩٩، ووراثة السلطة من الرئيس انور السادت التي الت الى الرئيس حسني مبارك منذ العام ١٩٨١.
والنتيجة كانت شيوع البطالة، وإستشراء الفساد، وغلاء المعيشة، ومحدودية الرواتب، وإرتفاع المديونية، وقلة الإنجازات، وضعف النمو، وكثرة المتسلقين جدران السلطة التي لم تبخل عليهم بالمراكز والعطاءات والمناصب والتسهيلات. ولذا ليس مستغرباً ان نشهد اليوم ما نشهده في تونس والجزائر وليبيا واليمن ومصر. ألم يقل الصحابي ابو ذر الغفاري منذ اكثر من الف سنة : عجبت ممن لا يجد في بيته رغيف خبز كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه ..!!
د. صالح بكر الطيار / رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي