كل تشاريع الله وسننه وقوانينه التي فرضها علينا في القرآن الكريم هي لأجلنا ولأجل عافيتنا وشفاء أسقامنا وأستقرار حياتنا ويتنافى الشقاء مع إتباع القرآن في وقت أن الأبتعاد والإعراض عنه يجلب الشقاء والبلاء والأمراض القلبية والنفسية ، لذا يجب ان ننظر إلى كل أمر من الله لنا بأنه يندرج ضمن قوله (يريد الله بكم اليسر) فننطلق فيها بكل ثقة وحب وشكر لله الذي يريد لنا اليسر في الدنيا والنعيم في الآخرة.
بقلم د.يوسف الحاضري
كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية
أول ايام رمضان ينقضي وفيه يجب علينا ان نقف مع انفسنا كثيرا ونراجع حساباتنا فيه من أرباح وخسارة وذلك بمقاييس الله عز وجل وفق القران الكريم ومحددات هذا القياس ، فكيف كانت صلاتنا هل كانت اداء أم كانت اقامة وهناك فارق بين الأمرين ، وهل عندما فتحنا القرآن لنقرأه تعمقنا فيه وتدبرنا آياته وغيرت فينا وفي خصائصنا السلبية شيئا وقرأنا مثلا توجيه إلهي فقلنا (سمعنا وأطعنا) وكم تفقدنا قريبا لنا او جارا او اسرة معروفة بفقرها وعوزها وساعدناهم بقدر الحال والإمكانية ، وهل أنعكس الصيام على زكاء نفوسنا ام ان الحالة الشيطانية الغاضبة تحكمت بنا خاصة من بعد العصر فأستمرينا نخاطب الاخرين بقولنا (أسم انا صايم أبتعد عني مانا طايق احد) وغيرها من مصطلحات لا ترتبط بالصيام لا من قريب ولا من بعيد ، وهل طبقنا البرنامج اليومي الليلي من قراءة الملزمة ودعاء الأفتتاح ثم الإنصات الى محاضرة السيد القائد عبدالملك الحوثي في تمام الساعة 9والنصف مساء ام كنا غارقين في مسلسلات مضحكة وملهية وناسفة لزكاء الأنفس ام كنا نتوه في المجابرة مع اصدقاء السوء في جلسات القات فتمضي 3 و5 ساعات دون أن نستفيد منها بل نخوض في الحديث عن هذا وذاك وتلك ووووو !!! مقاييس يجب علينا ان نضعها ضمن مراجعتنا لأول ايام صيامنا لنقوم بتعديل ما أختل منها وتعميق ما توفقنا به لنبدأ يومنا الثاني وهكذا .
وأنا اطالع في ملزمة الشهيد القائد السيد حسين الحوثي سلام الله عليه والمعنونة ب (معرفة الله – وعده ووعيده الدرس الحادي عشر) فقد أستوقفتني بعض النقاط الهامة التي ذكرها الشهيد في أولى صفحات الملزمة سأسردها لكم كالتالي :-
1.( رحمة الله الواسعة تتجلى في أن يهدي عباده الى ما ينقذهم من عذابه الشديد ) ،،،، بالفعل كما تطرق السيد لهذا الأمر فالله يريد بنا اليسر والنجاة في الدنيا والآخرة وهذه من مظاهر رحمته ورأفته وفضله علينا عز وجل ، لذا يجب ان ننصت بتدبر لكل أوامر الله وننظر اليها بنظرة الراحم لنا فعندما يفرض الصيام فعلينا ان نستشف من هذه الفريضة الرحمة بنا وعندها سنجد أهدافها الكثيرة ، وعندما يطلب مننا ان ننفق من اموالنا فعلينا ان ندرك يقينا ان هذا الإنفاق هو ما يجلب الرحمة لنا والبركة في اموالنا وأنفسنا ، وعندما يأمرنا بالجهاد في سبيله فلندرك مباشرة انها رحمة منه وفضل وليست عسرا وشقاء وغيرها ، وكل الشواهد دالة على ذلك .
2. (ما يبعد الإنسان عن رحمة الله هي الذنوب ) نعم بالفعل فالذنوب التي يقترفها الإنسان تجعله يبتعد عن الله اكثر ويقترب من الشيطان أكثر حتى يصل إلى مرحلة القنوط من رحمة الله فيزداد انغماسا في الذنوب مادام وصل الى يقين أنه اصبح خارج رحمة الله وهكذا لذا يجب علينا ان نعود الى الله بأن نتوقف عن المعاصي (التوبة ) ثم نعود إلى الله مخلصين عابدين (الإنابة) فأظهر مظاهر رحمة الله أنه خاطبنا بأن لا نيأس من رحمته ثم وضح لنا كيف نعمل ثم حذرنا ثم أرشدنا ثم بين لنا ما يمكن ان نحصل عليه من جزاء عظيم في حالة إتباعه والرجوع إليه ، فهل هناك مظهر رحمة أعظم من هذا المظهر وهل هناك من هو أرحم من الرحمن الرحيم !!
3. وضح الشهيد القائد أن المعاصي جزئان ، منها ما كانت عبارة عن ذنوب تقترف ومنها ما كان بشكل تقصير وتفريط في واجبات علينا ، وهذه رؤية هامة جدا جاء بها السيد لكي لا نظن ان ابتعادنا عن الزناء والسرقة وقتل النفس المحرمة مثلا
اننا هنا في السليم بل علينا ان نهتم بعدم التقصير في الصلاة والانفاق والصيام والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأعتصام بحبل الله وأن نكون أمة واحدة ، فهذه جميعا مرتبطة ببعضها البعض فالإسلام دين مترابط ومتكامل فلا يقبل منك هذا العمل وانت تارك لعمل آخر فلا يقبل الله منا شيئا منقوصا وهو الذي جاء لنا بدين كامل (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).
فهل أدركنا كمية اليسر الذي جاء به الله للإنسان في حياته وفي كل تفاصيلها وكل خطواته ، حتى وان جاءت نظرتنا القاصرة السطحية على انها مشقة او عسر فعلينا ان نثق بالله حق الثقة وندرك ان فيه خيرا كثيرا (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم ) .
أما ما جاء في محاضرة السيد القائد عبدالملك الحوثي سلام الله عليه ففيه الطرح العميق والعظيم في يسر يسره الله لنا ووضحه وذلك في جانب الهداية والتي هي أعظم نعمة قد ينعمها الله على الإنسان في إطار حديثه على قوله تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) فالفقر الى الله لا يعني فقط الحاجة للأموال او للصحة والعافية بل هناك ما هو أهم من كل ذلك وهو الفقر الى الهداية لذا هي اعظم النعم من الله ومنها تأتي بقية النعم على الإنسان ، وتطرق السيد عليه السلام الى اصناف الناس في تعاملهم مع الهدى حيث صنفهم الى التالي (تصنيفا قرآنيا واثبته الواقع) :-
1.الصنف المستحمر أي الذي عندما يدعى الى درس او هداية او محاضرة يفر فرار الحمير من الأسد (فمالهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة) وهؤلاء نجدهم في حياتنا بالاعداد الهائلة فتاره يستهزأ بالأمر وتاره يصنع لنفسه عددا من المبررات ليعتذر وتاره لا يلتفت إليك وانت تنصحه ، لذا من يجد نفسه في هذا الصنف عليه ان يراجع نفسه فمن المعيب ان يضع نفسه كالحمار توصيفا من الله واي كارثة أن يصفك الله بالحمار !!!
2.الصنف الثاني وهم الذين يحضرون الدروس ويستمعون للتذكير ولكن قلوبهم عمياء ولا تؤثر فيهم هذه الدروس القرآنية التي وصفها الله بأنها لو أنزلت على شيء أقسى منه وأضخم حجما وأشد بأسا ولا يمتلك حياة اساسا لتصدع من خشية الله (لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) فكيف بهذه القلوب التي وصفها الله بقوله ( وَمَنْ أَظْلَـمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ) هؤلاء أصبحت على قلوبهم أكنة وآذانهم ممتلأة وقرا فلا يتفاعلون مع الهدى أبدا ، بل يسعون لخلق الجدال العقيم والنقاش الجانبي ليتهرب من مسئولية إتباع الحق والذي يجد فيه متعبا له ومرهقا ومخسرا له من الأموال وغير ذلك من موانع نفسية كالكبر والإستعلاء .
3.النوع الثالث هم الذين يحضرون مجالس الذكر ويستمعون للهدى ولكن هناك البرود في الأستجابة والتفاعل بل احيانا تكون قلوبهم منتظرة انتهاء الدروس وهذه قلوب تتجه لتصبح قاسية وقسوة القلوب يعني عدم التفاعل الجاد والعملي مع هدى الله ( أَلَـمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) وهنا يتحدث الله عن مؤمنين ويضرب مثال لهم بمن شابههم ممن سبقهم من الاقوام السابقة والذي تكون نهاية القسوة فسق والفسق نهايته خزي في الدنيا وعذاب في الآخرة (كون الفاسق هو الذي يعرف الحق وأهله ويرفض إتباعه والتحرك فيه ومعه) .
فأي نعمة نعيشها نحن ابناء اليمن ان نمتلك علمين من أعلام الهدى يغدقان علينا مما علمهما الله فالأول وإن كان الآن عند ربه يرزق ولكن آثاره من الملازم والدروس هي أساس الهدى وتحرير العقول وتصحيح ثقافات باطلة جعلتنا وجعلت أمم كثير تزيغ عن الحق ، ومحاضرات السيد القائد عبدالملك الحوثي تتمه وتوسع لما بدأه السيد حسين سلام الله عليهما ، فعلينا ان نشكر هذه النعمة بالعمل والإتباع والولاء والمعاداة لأعداء الله وأعداءنا وهم معروفون تماما وان تكون قلوبنا خاشعة لله لينة لذكره متحركة في طاعته على أساس من هدايته .
#د_يوسف_الحاضري
/110