أساس النظام الإسلاميّ مبنيّ على طاعة الله عزّوجل: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» ولطاعة الله تعالى مراتب عدة: الأولى الطاعة المصداقية. في أحوال ومصاديق معينة يقول الله تعالى: افعلوا هذا؛ يقول مثلاً: أقيموا الصلاة، هذا أحد أنماط الطاعة أن يطيع الإنسان الأمر الإلهي وينتهي بالنهي الإلهي. والأهم من هذه أن يطيع الناس المنهج والطريق والمشروع الذي يرسمه الله تعالى للحياة لكي تتحقق هذه الخطّة. وهذه الخطّة لا تحصل بالأعمال الفردية، إنها قضية أعلى وأسمى وتحتاج إلى عمل جماعي حتى يتحقّق المشروع الإلهيّ والهندسة الإلهية بخصوص وضع المجتمع الإسلامي.
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي خلال أيّام شهر رمضان المبارك بشكل يومي مجموعة من الدروس القرآنية للإمام الخامنئي التي فسّرها سماحته وشرحها ضمن خطاباته. وقد تمّ إعداد هذه الدّروس تحت عنوان "ربيع القرآن" بشكل تراتبيّ من الجزء الأوّل حتّى الجزء الثلاثين من القرآن الكريم حيث سوف يُنشر في كلّ يومٍ من أيّام الشهر الفضيل درسٌ من هذه الدروس على الموقع الرّسمي وحسابات شبكات التواصل الاجتماعي.
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
سورة النّور المباركة ﴿٥٤﴾
الاعتقاد بالله عزّ وجل لا يتحقّق دون الاعتقاد بالرّسول الأكرم (ص)
لقد أمرنا الله عزّوجل نحن المسلمين أن نتّبع الرّسول الأكرم (ص). وهذه التبعيّة تتعلّق بجميع شؤون الحياة. وذلك العظيم، ليس أسوة وقدوة في كلامه فقط، بل أيضاً في سلوكه ونمط عيشه، وكيفيّة معاشرته للعائلة والناس، وكيفية معاملته للأصدقاء، وكيفية معاملته للأعداء والأجانب وكيفية معاملته للضعفاء والأقوياء، هو أسوة وقدوة في كلّ شيء. والمجتمع الإسلامي يصبح مجتمعاً إسلاميّاً كاملاً بالمعنى الحقيقي للكلمة عندما يطابق بين سلوكه وسلوك الرسول الأكرم (ص).(١)
قد يؤمن أحدهم بالله عزّوجل، دون أن يؤمن بالوحي، لكن هذا ليس كافياً، لذلك تمّت الإشارة في القرآن في حالات عديدة إلى إطاعة الرّسول الأكرم (ص) بعد طاعة الله عزّ وجل: «اطیعواالله و اطیعوا الرسول» (۲) بينما قد تقولون أنتم أتباع الرّسول (ص): من الواضح أنّني أطعت الرّسول الأكرم (ص) عندما أطيع الله عزّ وجل. نعم أنتم كذلك، لأنّكم تعتقدون بالنّبي (ص) -أي بالوحي-، لكن ذاك الذي لا يعتقد بالوحي فسوف لن يطيع رسول الله.
كيف تتحقّق طاعة الله عزّ وجلّ؟ هناك مئة احتمال وتصوّر باطل؛ ولو كان أحدهم معتقداً بالله عزّ وجل -أي كان عقله خاضعاً أمام حقيقة وجود الله- فلن يُخدع وسوف يعجز عن إنكار وجود الله. هب إنّ هذه الخلقة وهذا النظام الكوني المدهش والمعقّد جاء دون قدرة خالق ومهندس له؟ حسناً، عندما يؤمن بالله عزّ وجل، ولم يؤمن بالوحي وأنّ الله سيجعل بينه وبين البشر صلة وصل، سوف يظنّ حينها كلّ ما يخطر على باله وحياً إلهيّا وحكماً إلهيّاً! بينما ليس الأمر دائماً على هذا النّحو بأن يخطو عقل الإنسان في جادّة الصواب، بل قد يخطئ في أحيانٍ كثيرة أيضاً. والعقل يحتاج إلى مرشدٍ ومن يرشده ويعلّمه كي يحدّد كيفيّة الفهم وكيفيّة الرؤية والتمييز بين الحقّ والحقيقة والباطل.(٣)
مستويات الطاعة الإلهيّة
الف) الطّاعة في شؤون الحياة الفرديّة
أساس النظام الإسلاميّ مبنيّ على طاعة الله عزّوجل: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ»، «إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ». (٤)
أساس النظام الإسلامي هو إطاعة الله تعالى. ولطاعة الله تعالى مراتب عدة: الأولى الطاعة المصداقية. في أحوال ومصاديق معينة يقول الله تعالى: افعلوا هذا - حتى لو كان هذا الفعل فعلاً شخصياً - يقول مثلاً: أقيموا الصلاة، أو صوموا، أو زكوا، أو سائر الأمور. هذا أحد أنماط الطاعة أن يطيع الإنسان الأمر الإلهي وينتهي بالنهي الإلهي.
ب) إطاعة وتنفيذ المشروع الإلهي للحياة الاجتماعيّة
والأهم من هذه الطاعة هي الطاعة المنهجية ومعناها أن يطيع الناس المنهج والطريق والمشروع الذي يرسمه الله تعالى للحياة. لكي تتحقق هذه الخطّة. هذه الخطّة لا تحصل بالأعمال الفردية، إنما هي حالة أخرى وقضية أخرى. إنها قضية أعلى وأسمى وتحتاج إلى عمل جماعي حتى يتحقّق المشروع الإلهيّ والهندسة الإلهية بخصوص وضع المجتمع الإسلامي. من باب الفرض، كان المسلمون في مكة يؤدّون أعمالهم، لكن المجتمع الإسلامي في مكة يختلف عنه في المدينة حيث تأسست هناك حكومة إسلامية. لقد ظهرت هناك إنجازات جديدة وحركة أرقى من الحركات الفردية وهي حركة ضرورية لو تحققت «لأکلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم»؛ (٥).(٦)
تأثير النظام الإسلامي على الأعمال الفرديّة
النظام الإسلامي يمنح البشر السعادة. والنظام الإسلامي هو النظام المبنيّ على الهندسة الإلهية للمجتمع وعلى الخطة التي رسمها الخالق للمجتمع. إذا تحققت هذه الخطة لأمكن غض الطرف عن كثير من المخالفات وحالات الزيغ والزلل الفردية والشخصية والجزئية. ثمة رواية تروي حديثاً قدسياً يقول:«لأعذّبنّ كل رعية أطاعت إماماً جائراً ليس من الله ولو كانت الرعية في أعمالها برّة تقية». و في المقابل: «لأعفونّ عن كلّ رعية أطاعت إماماً عادلاً من الله وإن كانت الرعية في أعمالها ظالمة مسيئة».(٧)
بمعنى أن العمل الفردي والإساءة أو المخالفة الفردية في النظام الاجتماعي الكبير السائر عموماً بالاتجاه الصحيح، يمكن التجاوز عنها وغض النظر عنها، أو هي بتعبير أدق ممكنة الإصلاح والتصحيح، أي إن المجتمع سيستطيع على كل حال الأخذ بأيدي هؤلاء الأفراد إلى الغاية المطلوبة.
وذلك خلافاً لما لو كانت الأعمال الفردية صحيحة لكن العلاقات والنظم الاجتماعية خاطئة جائرة غير مشرّعة من قبل الله تعالى، بل مملاة من قبل الشيطان والنفس وأهوائها، عندئذ لن تستطيع الأعمال الفردية الأخذ بيد ذلك المجتمع إلى الغاية المنشودة وما تريده الشرائع الإلهية من سعادة للبشرية. إذن، قضية الطاعة العامة وأن ينشد الإنسان المنهج الإلهي فيجده ويسير عليه، قضية على جانب كبير من الأهمية. يقوم النّظام الإسلامي على أساس التوحيد. (٨)
الهوامش:
1) كلمته في خطبتي صلاة الجمعة ٢٧/٩/١٩٩١
2) سورة النّور؛ الآية ٥٤
3) كلمته في جلسة تفسير سورة البقرة ٢٣/١٠/١٩٩١
4) سورة آل عمران؛ الآية ٣١
5) سورة المائدة؛ الآية ٦٦
6) كلمته في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادة ٢٥/٢/٢٠١٠
7) الكافي، ثقة الإسلام الكليني، ج١، ص٣٧٦
8) كلمته في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادة ٢٥/٢/٢٠١٠
/110