تشهد الأوساط الإعلامية والاجتماعية هذه الأيام جدلا واسعاً حول الإسلام السياسي، بين مهاجم ومدافع، ووسط هذه الضجّة ضاع معنى السياسة، واختلطت المفاهيم، وفي ظلّ هذا الجوّ الغائم شُنّت أقسى الحملات على دعاة الإسلام وعلى من يريد عودة الإسلام إلى الحياة.
حديث التقريب للأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الإسلام السياسي يجمع أو يفرّق
تنا
10 Jun 2020 ساعة 21:50
تشهد الأوساط الإعلامية والاجتماعية هذه الأيام جدلا واسعاً حول الإسلام السياسي، بين مهاجم ومدافع، ووسط هذه الضجّة ضاع معنى السياسة، واختلطت المفاهيم، وفي ظلّ هذا الجوّ الغائم شُنّت أقسى الحملات على دعاة الإسلام وعلى من يريد عودة الإسلام إلى الحياة.
من أوضح الواضحات أن السياسة تعنى رعاية شؤون الأمة وصيانة مصالحها والدفاع عن عزّتها وكرامتها. لكنّ هذا المعنى تحوّل عن جهل أو عمد أو بسبب سوء تصرف بعض دعاة الإسلام إلى أن السياسة تعني السعي إلى الوصول إلى السلطة والحكم باعتبار أنه الهدف النهائي للسياسة، وبذلك صار المدافعون عن عودة الإسلام إلى الحياة وكأنهم الساعون إلى المناصب والكراسي وسدّة الحكم لا غير. وصار الإسلام السياسي وكأنه منهج لوصول أصحابه إلى السلطة وما فيها من امتيازات دنيوية.
هذه إساءة ما بعدها من إساءة إلى أهم المفاهيم الإسلامية التي تقضي بأن الله أرسل نبيه الكريم وسائر الأنبياء العظام "لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ " فهدف الرسالات السماوية هو إقامة المجتمع العادل السائر على طريق الكامل المطلق سبحانه، وعلى طريق تحقيق مسؤولية «خلافة» الله على ظهر الأرض، وعلى طريق إزالة الطواغيت والظَلَمة والمستبدين الذين يصدون هذه المسيرة التكاملية الإنسانية.
والإسلام السياسي هو الساعي نحو هذا الهدف الإنساني الكبير. أما الحرص على استلام المناصب والكراسي فهو تكريسٌ للذات واتباعٌ للهوى وابتعاد عن الأهداف السامية للإسلام ولرسالات السماء.
من هنا فإننا نخاطب أطهر الناس، وهم أئمة أهل البيت رسول الله بأنهم «ساسة العباد» ومن هنا فإن كبار الثائرين بوجه الظلم والاستعباد والاستبداد في إيران من أمثال الشهيد مدرس والامام الخميني ردّدوا «أن سياستنا عين ديانتنا».
إنّ إجماع الأمة من سنّة وشيعة، بل واتباع الديانات الأخرى، بل أيضاً أصحاب التيارات غير الدينية على عظمة نهضة الحسين بن علي(ع) يعود إلى أنها رفعت الشعارات الحقيقية لرسالات السماء ورفض الظلم والانتصار للمظلومين، والتوجه نحو الأمر بكل ما ينفع الناس (بالمعروف) والنهي عن كل ما يضرّ بمصالح الناس (المنكر) وهكذا كانت نهضة حفيده الإمام الخميني التي حظيت أيضاً بنفس ذلك الإجماع إذ إنها ثارت ضد الظلم والاستعباد وسيطرة طواغيت الأرض وثارت لنصرة المستضعفين والمقهورين لا في إيران فحسب، بل في كل أرجاء العالم – كما جاء في دستورها - .
هذا هو الإسلام السياسي الحق. وهذا هو النهج الذي يجب أن يسير عليه المطالبون بعودة الإسلام إلى الحياة.
من هنا فإن المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية يرى أن الإسلام السياسي بمعناه الصحيح يجمع الأمة بمختلف مذاهبها بل وأديانها وتياراتها، وهذا ما يجب التأكيد عليه في الاعلام وفي المواقف الرسمية، وما يجب أن يُثبته عملياً دعاة الإسلام، كي لا يفسحوا المجال أمام من يريد الطعن بكل المفاهيم الحياتية للإسلام، وبكل الساعين إلى عودة الإسلام ليمارس دوره في بناء مقومات عزّة الأمة وكرامتها وتقدمها ونموّها وإقامة حضارتها الإسلامية الحديثة.
كما أننا نتحمل مسؤولية إزالة الغبار أمام جميع المفاهيم التي تستطيع أن تجمع الأمة على نهج واحد وتوجهها نحو هدف بنّاء تكاملي واحد. والله ولي التوفيق.
الدكتورحميد شهرياري
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
رقم: 465542