العالم الإسلامي يمر حالياً بمرحلة صحوة واسعة وبخطوات متسارعة، ولن تستطيع المؤامرات والدسائس الأجنبية أو الجهل وغيره من عوامل الضعف الداخلي أن تعرقل حركة الأمة الإسلامية نحو الآفاق.
الصحوة الإسلامية الحديثة ماضية الی الامام
وكالة أنباء التقريب
24 May 2011 ساعة 7:41
العالم الإسلامي يمر حالياً بمرحلة صحوة واسعة وبخطوات متسارعة، ولن تستطيع المؤامرات والدسائس الأجنبية أو الجهل وغيره من عوامل الضعف الداخلي أن تعرقل حركة الأمة الإسلامية نحو الآفاق.
□ في الذكرى الثالثة والستين لاحتلال فلسطين على يد العصابات الصهيونية، انطلقت جموع حاشدة من اللاجئين الفلسطينيين في دول الجوار باتجاه الحدود الفلسطينية لإحياء هذه الذكرى، فواجهتها القوات الصهيونية بكل وحشية وهمجية، وسقط العشرات ما بين شهيد وجريح، في ظل صمت مطبق من حكام الأنظمة العربية وخاصة في المنطقة الخليجية، ناهيك عن مواقف الدول الأوروبية والغربية وأدعياء الديمقراطية وحقوق الإنسان، حتى أن البعض منها أدان هذا الحراك الجماهيري الطبيعي واعتبره خروجاً على القانون واعتداءً على حدود دولة جارة، أما أميركا فقد أعلنت دعمها لحق الكيان الصهيوني في الرد ودعت قادة الكيان إلى ضبط النفس، كيلا يطفح الكيل بنتانياهو فيجر المنطقة لما هو أسوأ مما هي عليه الآن.
وهكذا شيّع جثامين الشهداء، وتم نقل الجرحى إلى المستشفيات، من غير أن تحرك الأنظمة العربية والحكومات الغربية ساكناً، والمثير في الأمر أن ما تسمى بالمنظمات الدولية التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان وحريات الشعوب، لم تكتف بعدم إصدار أي بيان لشجب إرهاب الدولة المنظم الذي يمارسه الكيان الصهيوني، بل إنها دعت الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين عبر ممثليها في هذه الدول إلى الكف عن إثارة الجماهير ضد الصهاينة، باعتبار أنه ليس من مصلحة الحكومات العربية في ظل التهديدات التي تواجهها حالياً، نشوء أزمة جديدة بينها وبين "إسرائيل" وبالتالي تفاقم المشاكل التي تعاني منها هذه الحكومات في ظل الأوضاع الحرجة في الوقت الحاضر.
□ عشرات الألوف من اليمنيين يتدفقون إلى الشوارع في كل يوم مطالبين بإسقاط نظام جثم على صدور الشعب اليمني لأكثر من ۳۰ عاماً، وتمادى في الظلم والفساد والقهر والإستبداد، وكان نتيجة هذه الإحتجاجات سقوط العشرات من القتلى والجرحى، وتوقف عجلة الإقتصاد، وتعطيل المدارس والجامعات، وشل الحراك السياسي والإجتماعي والعلمي و... في هذا البلد، وبطبيعة الحال فإن الأحداث في اليمن لم تكن خافية عن عيون ومسامع وسائل الإعلام الخاضعة لإشراف قوى الهيمنة الغربية وأذنابها في العالم العربي، فاختار البعض الصمت القاتل إزاء ما يحصل، وحاول آخرون خداع الشعب اليمني، والسعي لفرض البدائل غير المناسبة عليهم، ولكنهم واجهوا يقظة الشعب اليمني، وفشلت أحابيلهم ومخططاتهم الماكرة الواحدة تلو الأخرى.
□ تحدثت الأنباء عن مقتل أسامة بن لادن على يد قوات كوماندوز أميركية في عملية خاصة استمرت ستة أشهر، وطلع علينا الرئيس الأميركي بمظهر الفاتحين الشجعان ليعلن هذا النبأ. والغريب أن أحداً لم يفاجأ بالنبأ، وكأن الجميع كان يتوقع هذا الحدث قبل وقوعه.
إن هذه القوى التي استباحت دماء الشعوب بذريعة مكافحة الإرهاب، وتسببت في مئات الألوف من القتلى والجرحى والمشردين في العراق وأفغانستان، وتدمير البنى التحتية في هذين البلدين، وكأنها كانت تستهدف تدمير دولة إسلامية مقابل كل برج، هذه القوى أعلنت في نهاية المطاف ضمن سيناريو مخطط ومدروس، طي صفحة من صفحات تأريخ مكافحة الإرهاب، وفتح صفحة أخرى في المجال نفسه ولكن بأساليب وحيل جديدة... أكذوبة أخرى لا تكاد تنطلي على الناس العاديين، فضلاً عن النخب السياسية.
ولنعد إلى الماضي القريب...حين ظهر على الساحة فجأة تنظيم مسلح باسم حركة طالبان، تلك الحركة التي تميزت بأفكارها التكفيرية المتطرفة وعلى الطريقة الوهابية، وتم دعمها مالياً من دول عربية، وإعلامياً من ثمة حكومات على الصعيد العربي والـ CNN غربياً، أما الدعم السياسي والإستراتيجي فقد تبنته الولايات المتحدة الأميركية، وبعد أن تمكنت حركة طالبان من إقصاء المنافسين على الساحة الأفغانية والإستيلاء على السلطة، استشعرت نوعاً من الإستقلالية وعدم الحاجة للغرب، أو بتعبير آخر تم إنماء هذا الشعور فيها بهدف إستدراجها إلى تحدي الغرب، وبالتالي ارتكاب حماقة لم تسفر عن سقوط ضحايا أبرياء فحسب، بل أثرت سلباً على حركة الإسلام المتنامية في الغرب، ومهدت للإنطلاق في مشروع التخويف من الإسلام بذريعة مكافحة الإرهاب، هذا بالإضافة إلى إلحاق الأضرار المادية الجسيمة ببلدين إسلاميين هامين.
وعلى أية حال، فإن النقطة الهامة في حادث مقتل بن لادن هي يقظة شعوب العالم سواء المسلمين أو غيرهم في التعامل مع الحادث، فالجميع اتفقوا على أنه جاء في إطار التسويق سياسياً وإعلامياً للإنتخابات الرئاسية القادمة في أميركا، وإلا فما المنفعة في قتل من هو ميت أساساً !! سوى كونه نوعاً من التمثيل بالجثة... هذا على فرض صحة الرواية الأميركية، لأن الكثير من الخبراء الأميركيين يعتقدون أن بن لادن قتل قبل شهور بل سنوات، والمثير هو أن أوباما لا يرغب بعرض أي صورة للقتيل في وسائل الإعلام، احتراماً لمشاعر الناس وأحاسيسهم !!
أجل، هكذا هم المستكبرون في الغرب، أناس وديعون طيبون يقدرون كل التقدير عواطف الآخرين ويحذرون من إيذاء أحاسيس الناس ومشاعرهم، حتى أنهم ومن شدة عواطفهم الجياشة تجاه الآخرين يرفضون إدانة الكيان الصهيوني على جرائمه الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، بل ويستخدمون حق النقض الفيتو بمجلس الأمن الدولي لمنع اي إدانة لهذا الكيان، لئلا يؤدي ذلك إلى جرح مشاعر الصهاينة وإيذاء عواطفهم وأحاسيسهم !!
□ (البحرين) يجب أن توضع بين قوسين، لأن حكامها في رخصة من ارتكاب كل ما يحلو لهم من مجازر وجرائم إنسانية، من ضرب وقتل ونهب وإعتداء على الأعراض والممتلكات والمقدسات وهدم للمساجد ودور العبادة وإحراق للمصاحف الشريفة ... لا تستغربوا أبداً، فهذا الترخيص لم يصدر من الساسة العرب والغرب فحسب، بل هناك أيضاً رخصة شرعية صادرة من وعاظ السلاطين بجواز فعل أي شيء في سبيل الحفاظ على الإسلام والدفاع عن الأمة الإسلامية، بذريعة أن حركة الشعب البحريني حركة طائفية تهدف لضرب وحدة الصف الإسلامي، وكأن العالم العربي والإسلامي بأكمله يقف الآن صفاً واحداً ضد الأميركيين والصهاينة !!
ألا فليعلم حكام البحرين الذين يسوقون لمثل هذه الأكاذيب والحيل ويسومون الشعب البحريني كل ألوان البطش والفتك والتنكيل بمساعدة آل سعود، أن "يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم"، وليكونوا على يقين بأن هذه المحاولات المستميتة قد تكون ناجعة بعض الوقت، ولكنها لن تحول أبداً دون تحقيق إرادة الشعب البحريني.
إن الشعب البحريني قد عقد العزم على نيل حريته وفرض إرادته، ولا يكاد يأبه بما يعانيه من ظلم واضطهاد، بل لا يزيده ذلك إلا إصراراً على المضي قدماً حتى النصر، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: أين هي المنظمات التي تزعم الدفاع عن حقوق الإنسان مما يجري في البحرين؟.. هل إن هذا البلد خارج دائرة مسؤولية هذه المنظمات؟! أم إن الإنسان في القواميس الغربية يطلق فقط على الإنسان الغربي، ومن يقوم بخدمة الإنسان الغربي بشكل أو بآخر؟!
□ الإنسان قد يقع ضحية نعمة لا يعرف طريقة الإستفادة الصحيحة منها كالعلم والثروة والجمال والمنصب و...، ولقد وقع الشعب الليبي ضحية ثروته النفطية الهائلة، فالقذافي الذي كان يعرّف نفسه يوماً ما كزعيم للحركات التحررية في العالم ويقوم بدعمهم وتمويلهم للإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية المستبدة، أصبح اليوم نموذجاً مميزاً لنفس هذه الأنظمة، وأضحى الشعب الليبي ضحية بطش النظام من جهة، وهدفاً للأطماع والأحقاد الغربية والخليجية من جهة اخرى.
لا شك في أن الثورة الليبية لو كانت قد سلكت مسارها الصحيح منذ البداية، لكانت قد حققت أهدافها في الوقت الحاضر، أو لا أقل من أنها كانت تمر حالياً بمراحل التحول، تماماً كما يحصل في تونس ومصر، ولكن الغرب يسعى لصنع عراق آخر في ليبيا والسيطرة على الثروات النفطية الغنية في هذا البلد، وفي نفس الوقت الإنتقام من عدو قديم واستبداله بنظام موال له وللكيان الصهيوني لاستعادة التوازن الأمني المتزعزع في هذا الكيان.
□ إن مسألة الإصلاح حق طبيعي ومطلب مشروع لكافة الشعوب، سواء في الشؤون السياسية أو الثقافية أو العلمية أو الإقتصادية أو...، وهذا أمر واضح لا غبار عليه، ولكن حينما اندلعت موجة الإنتفاضات الشعبية في البلدان العربية وعمت معظم أرجاء العالم العربي، لاحظنا أن بعض الأنظمة رفضت مطالب شعوبها، واستخدمت القوة والعنف ضدهم، أما البعض الآخر فقد استجاب لهذه المطالب وباشر بتحريك عجلة الإصلاح والتغيير، وهو ما شاهدناه في سوريا حيث استجابت الحكومة لمطالب الشعب، بدءا بتغيير الحكومة، ومن ثم وضع قوانين جديدة لضمان تنفيذ المطالب الشعبية، وإلغاء قانون الطوارئ و...، لكن الملفت للنظر أن كلا العنصرين اللذين كان لهما الدور الأساس في تحريف حركة الشعب الليبي، والإغماض عن حقوق الشعب البحريني المظلوم، والسعي لتفريغ الثورة اليمنية من مضمونها، والإبقاء على الأوضاع في تونس وربما مصر في بحر من الإبهام والغموض، والمقصود بهذين العنصرين الغرب وأتباعه في المنطقة الخليجية المتخمين بعوائد النفط، هذين العنصرين يحاولان هذه المرة الإطاحة بالحكومة السورية بكل ما أوتيا من قوة، ولا يدخران جهداً لتحقيق هذا الهدف، بدءا من تنظيم المظاهرات المزيفة بجانب المظاهرات السلمية الحقيقية، إلى إدخال الأسلحة لسوريا بواسطة الكيان الصهيوني، وإشاعة الأكاذيب والإفتراءات، والزج بعملائهم في المنطقة لزعزعة الأمن والإستقرار في سوريا و...
أما المنظمات الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان، فبعد أن كانت غارقة في سبات عميق في أحداث البحرين واليمن ومصر وتونس، ها هي الآن تستيقظ فجأة لتدافع عن حقوق المسلمين وحرياتهم، وتدين الديكتاتورية والإضطهاد !!
ليس هذا فحسب، بل يظهر السيد أوباما داعياً إلى ضرورة مراعاة الديمقراطية، وإلا فعلى الحكومة السورية التنحي عن السلطة، وكأن حلفاء أميركا في المنطقة حكومات ديمقراطية منتخبة تراعي حقوق الإنسان حق رعايتها.
لا شك في أن مطالب الشعب السوري مطالب مشروعة، وهو ما تراه أيضاً الحكومة السورية نفسها، ولكن البعض يحاول في ظل هذه الأوضاع أن يتصيد في الماء العكر، فسوريا كانت ولا تزال مأوى لفصائل المقاومة الفلسطينية، ولا تألوا وسعاً في دعمها سياسياً ولوجيستياً، وسوريا هي التي وقفت بجانب مقاومة الشعب اللبناني والفلسطيني ووقوفهما أمام الإعتداءات الصهيونية الهمجية، ولا شك في أن هذه المواقف وغيرها ظلت تؤرق الكيان الصهيوني طوال هذه الفترة، ويسعى هذا الكيان الآن وفي ظل الأوضاع الراهنة في سوريا إلى خلط الحق بالباطل لتحقيق أهدافه الخبيثة، والإستفادة من كل قواه السياسية والعسكرية والأمنية لخلق الفوضى وزعزعة الأمن والإستقرار في سوريا. وفي هذا السياق أيضاً يجب أن نشير إلى تصريحات رئيس الوزراء التركي حول سوريا مؤخراً، ما يكشف عن أن فترة الإنتخابات تستلزم ثمة مهارات خاصة في مجال التسويق السياسي والدعاية الإنتخابية.
وفي الختام ينبغي القول بأن العالم الإسلامي يمر حالياً بمرحلة صحوة واسعة وبخطوات متسارعة، ولن تستطيع المؤامرات والدسائس الأجنبية أو الجهل وغيره من عوامل الضعف الداخلي أن تعرقل حركة الأمة الإسلامية نحو الآفاق.
(إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)
الدكتور محمد مهدي التسخيري
رقم: 50924