حديث التقريب... ريان اختبار للوجدان الإنساني
نحن في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية إذ نتقدم بالتعازي إلى أسرة الفقيد ريّان وإلى الشعب المغربي الشقيق وإلى كل الشعوب التي تفاعلت مع هذه المأساة، نسأل الله سبحانه أن يكون هذا المصاب بداية صحوة إنسانية تنقذ الأطفال مما ينزل بهم من فجائع على يد وحوش الساحة البشرية وعلى رأسهم الصهاينة ومن لفّ لفهم وطبّع معهم وينفذ مشاريعهم. والله غالب على أمره.
حديث التقريب
ريان اختبار للوجدان الإنساني
الطفل ريان المغربي سقط في بئر وانسدّت عليه المنافذ وجرت محاولات مكثفة لإنقاذه، وبعد خمسة أيام من العمل المتواصل، أُخرج الطفل بعد أن فارق الحياة.
خلال هذه الأيام الخمسة انشدّت أنظار العالم إلى أخبار عمليات الإنقاذ، وعكفت شبكات البثّ المباشر على نقلها لحظة بلحظة، وحُبست الأنفاس في الصدور تنتظر النتيجة، ولكن العالم صُدم بخبر إخراج الطفل بجثة هامدة .
حزنٌ سادَ كل المتابعين في العالم من مسلمين وغير مسلمين ومن هذا المذهب وذاك المذهب، وتوالت رسائل المواساة من أعلى المستويات الدينية والسياسية إضافة إلى الشعبية.
هذا كله له دلالة على وجود وجدان إنساني يتفاعل مع كل ضحية بريئة، وخاصة إذا كانت على مستوى براءة الأطفال.
والذي استطاع أن يخلق هذا التفاعل الوجداني هو الإعلام بالدرجة الأولى، وحسنًا فعل.
وهنا نسجل ملاحظتين انطلاقًا من مسؤوليتنا في التقريب بين مذاهب الأمة الإسلامية.
الملاحظة الأولى: هي إن الإعلام في عالمنا المعاصر بما يمتلكه من تقنية متطورة قادر على مخاطبة الوجدان البشري وأن يستثير العواطف الإنسانية، وأن يوجّه هذه العواطف نحو وحدة وجدانية تجمع الشعوب بمختلف أدبائها ومذاهبها.
هذه مسؤولية إنسانية كبرى لو نهض بها الاعلام لأدى دورًا كبيرًا في توطيد أواصر الأخوة وجمع القلوب ودرء ما تعانية البشرية من حروب وسفك دماء وإزهاق أرواح وإحراق الأخضر واليابس.
قضية الطفل ريان أثبتت أن الوجدان الإنساني لا يزال – رغم عوامل تغطيته وتحجيمه – قادرًا على أن يمارس دوره في الوحدة والتقريب والتآلف.
كثيرة هي شبكات التواصل الاجتماعي والفضائيات التي نقلت لنا دهشة المعلقين على هذه الحادثة المؤسفة، تقول: إن هذا التعاطف العالمي مع قضية ريان ظاهرة إيجابية إنسانية رائعة جميلة، ولكن لماذا لا نشهد مثل ذلك مع أطفال آخرين تزهق أرواحهم ظلمًا وعدوانًا في غزّة وفي اليمن على سبيل المثال.
لم يعد خافيًا ما عاناه الأطفال الفلسطينيون في غزّة، ولا يخفى هذا الظلم اليومي الذي ينزل بأطفال اليمن، فيزهق أرواحهم ويتركهم أشلاء تحت الانقاض، أو ينزل بهم العاهات وقطع الأعضاء وأنواع التشويهات.
لماذا لا يحدث مثل هذا التفاعل الوجداني الواسع النطاق معهم؟!
ألا يعني ذلك أن الاعلام الذي أحاط بريان – وحسناً فعل – لم يهتم بأطفال غزّة واليمن وغيرهم من الأطفال الذين يتعرّضون إلى نقمة الصهاينة ووكلائهم؟!
هذا سؤال نطرحه اليوم ونعرف إجابته والعالم يعرف إجابته ولكن لماذا لا يتحرك وجدان البشرية عامة وضمير الأمة الإسلامية خاصة للوقوف بوجه هذه الجرائم التي تشكل وصمة عار في جبين البشرية.
إنه التخدير الإعلامي والتزييف الإعلامي الذي يخطط له الصهاينة وينفذه عملاؤهم هنا وهناك.
مادة التخدير الذي يمارسها الصهاينة هي المال الحرام ومستنقعات الرذيلة الجنسية. وهي المادة التي مارسها الصهاينة على مرّ التاريخ مع جميع شعوب العالم كي يفرضوا هيمنتهم عليها.
وها هم يبتزون المطبعين في منطقتنا ليمتصوا أموال نفطهم وينفقونها لتمرير أهدافهم التسلطية العنصرية، وليُمعنوا في قتل الأطفال والنساء والشيوخ بيدهم مباشرة أو بيد وكلائهم من الأَذلاء.
إنّ الوجدان العالمي لايزال فيه بقايا حياة تظهر بين الحين والآخر مثل بريق يملأ الافق كما ظهر في فاجعة الريان وظهر من قبل في مقتل الطفل الفلسطيني البريء محمد الدرّة، ولكن ماكنة الاعلام الصهيونية بأجهزتها المباشرة وغير المباشرة لا تلبث أن تغيّر هذه الأجواء الإنسانية وتغطي عليها بشتى الأساليب.
ولا يمكن إبقاء جذوة الوجدان الإنساني مشتعلة إلا بعمل ثقافي أصيل فاعل يتعاون عليه كلّ المهمتمين بإبقاء إنسانية الإنسان والساعين إلى سيادة الخطاب الإنساني في ربوع المعمورة.
نحن في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية إذ نتقدم بالتعازي إلى أسرة الفقيد ريّان وإلى الشعب المغربي الشقيق وإلى كل الشعوب التي تفاعلت مع هذه المأساة، نسأل الله سبحانه أن يكون هذا المصاب بداية صحوة إنسانية تنقذ الأطفال مما ينزل بهم من فجائع على يد وحوش الساحة البشرية وعلى رأسهم الصهاينة ومن لفّ لفهم وطبّع معهم وينفذ مشاريعهم. والله غالب على أمره.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الشؤون الدولية
/110