أُنجزت الانتخابات.. الأزمات عادت الى الواجهة: فتّش عن واشنطن
فاطمة سلامة
حين نقرأ في الأزمة الاقتصادية الأعمق والأكبر في تاريخ لبنان، يحضر العديد من الأسباب: غياب الخطط المفيدة، الاقتصاد الريعي والسياسات العشوائية وغيرها من العناوين. ومن خارج السياق المحلي، تحضر الولايات المتحدة الأميركية. للأخيرة اليد الطولى في كرة ثلج الأزمات التي كبُرت وتدحرجت حتى طالت كل شيء. اتهام واشنطن ليس تجنيًا، أو من منطلق حسابات أخرى. اتهامها مبني على وقائع وأدلة ملموسة لا تقبل الشك. ثمّة محاضر موثّقة تشهد عليها سفارة عوكر واجتماعات السفراء الأميركيين في لبنان. وعلى قاعدة "وشهد شاهد من أهله" جاءت تصريحات مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى السابق ديفيد شينكر الذي أقرّ قبل أيام عن مسؤولية بلاده في تأجيج الأزمات وتسريع الانهيار المالي في لبنان.
واللافت للانتباه أنّ أميركا التي تأخذ لبنان الى الهاوية اقتصاديًا واجتماعيًا، تواصل لعبتها في تأجيج الانهيار المالي بعد انتهاء الانتخابات النيابية. ورغم أنّ فترة الانتخابات شهدت هدوءًا نسبيًا على الساحة المعيشية، إلا أنّ الأزمات عادت الى الواجهة ليتبين أنّ الهدوء لم يكن سوى إبرة "مورفين" لتمرير الاستحقاق الانتخابي. الدولار عاد ليُحلّق مجددًا، أزمة قمح وطوابير خبز، أسعار المحروقات وصلت الى مستويات قياسية، أزمة الكهرباء تشتد ومعمل دير عمار توقّف عن العمل، وغيرها الكثير من الأزمات التي فُرضت كأمر واقع أمام المواطن الذي بات يعيش من "قلّة الموت".
ناصر الدين: المشروع الأميركي في لبنان لا يزال يسير بأقصى درجاته
هذا الواقع يفرض العديد من الأسئلة حول الدور الأميركي المدمّر في لبنان، تمامًا كما يفرض الأسئلة حول الخطوات المطلوبة من المجلس الجديد ولاحقًا الحكومة الجديدة للخروج من نفق الأزمة المدمّرة. الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين يعتبر في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ المشروع الأميركي لا يزال يسير بأقصى درجاته في الضغط على لبنان. وفق حسابات المتحدّث، نحن في المرحلة الثالثة المتصلة بتثبيت الإفلاس وصولًا الى المجاعة بعدما شهدت المرحلة الأولى الحصار والثانية الانهيار، وعليه فإنّ القادم مخيف اذا لم نتدارك الأوضاع.
كان ثمّة اتفاق لتمرير الاستحقاق الانتخابي
ويتطرّق ناصر الدين الى الهدوء الذي شهدته الساحة المعيشية قبل العاصفة الحالية. كان ثمّة اتفاق سياسي واضح ومفاجئ لتمرير الاستحقاق الانتخابي. كنا في مرحلة انهيار شامل اقتصادي واجتماعي واداري لكن محاولات سياسية محلية وخارجية بُذلت لانسحاب فريق سياسي من الانتخابات من جهة وتهدئة الأوضاع المعيشية من جهة ثانية تمهيدًا لدخول مجموعة سُمّيت بـ"الإصلاحيين" و"التغييريين" وجماعة ديفيد شينكر. وعليه، كان المطلوب تمرير استحقاق الانتخابات، وبطبيعة الحال لا يمر هذا الاستحقاق اذا ما كان الدولار مستمرًا بالارتفاع ما يجعل الأمور تحتاج الى تهدئة.
ويلفت ناصر الدين الى أنّ تهدئة الأزمة آنيًا تطلّبت بعدين؛ استعمال أموال من حقوق السحب الخاصة التي وصلت الى لبنان والبالغة مليارا و135 مليون دولار. وهنا ينوّه ناصر الدين الى أنّ هذا المبلغ من حق لبنان لا مصرف لبنان، وكان من المفروض أن يستعمل في إطار إنتاجي. كما أعطي الضوء الأخضر لاستعمال الاحتياطي الإلزامي لغياب الشفافية المطلقة، وعملت منصة صيرفة لدعم الدولار بأرقام لا تقل عن 60 الى 90 مليون دولار يوميًا، لنعود اليوم -عقب انجاز الاستحقاق- الى الدوامة ذاتها حيث يبلغ الضغط الاجتماعي أوجه، ويرتفع التوتر السياسي جراء وصول بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة الى الحكم.
وهنا يلفت ناصر الدين الى أنّ المفاجأة تكمن في أنه لا يوجد فريق في لبنان يمتلك رؤية اقتصادية كاملة ما عدا البرنامج الذي وضعته كتلة الوفاء للمقاومة. برأيه، لا بد أن يكون هناك برامج انتخابية إصلاحية، لكن للأسف فإنّ معظم من وصلوا الى المجلس النيابي لديهم تجربة سابقة لم يتمكنوا خلالها من فعل أي شيء، والمجموعة الجديدة من النواب تطرح أفكارًا لا تمثل برنامجًا انتخابيًا يعوّل عليه، اذ لم نسمع منهم أي تصريح اقتصادي يعبّر عن برامج مفيدة للاقتصاد.
نحن في مرحلة دقيقة
هذا في الاقتصاد السياسي، أما في الاقتصاد الواقعي، فيلفت ناصر الدين الى أننا نعيش الأزمة قبل الانتخابات حيث ترتفع البطالة وتغيب الاستثمارات ويغيب أي دور اقتصادي للبنان. وهنا يشدّد ناصر الدين على أننا في مرحلة دقيقة تتقاطع مع ترسيم الحدود البحرية، ومحاولات لتدمير مرافق لبنان ربطًا بالحصول على مكاسب النفط والغاز، بموازاة عقوبات أميركية، وحصار مفروض على لبنان لمنع أي إصلاح تحت شروط سياسية ترتبط بالنازحين السوريين، وتوطين الفلسطينيين ونشر "اليونيفيل" على الحدود الشرقية، خوفًا من الدور الذي سيلعبه لبنان بملف النفط والغاز لأنه المكان الوحيد الذي من الممكن أن يكون مكان التقاء للجميع والذي من الممكن أن يؤثر سلبًا على منتدى الشرق المتوسط الذي يتّخذ من "اسرائيل" مقرًا له.
واشنطن تعمل على إلهاء لبنان بمشاكله لتمرير مشروع "اسرائيل" الكبرى في الغاز
لذلك، يرى ناصر الدين أنّ ما يحصل ليس مفاجئًا ونتيجة الانتخابات اللبنانية أثبتت أن الفريق الآخر الذي ادعى أنه انتصر يعمل على إحداث نوع من التشتنج في الداخل يستفيد منه العامل الخارجي للضغط على لبنان أكثر. وما نخشاه -يقول الكاتب والباحث الاقتصادي- أن "الحفّار" سيصل الأسبوع القادم الى حقل "كاريش"، وبالتالي فإنّ ما يحصل من ضغوط لا ينفك عن السيناريو الأميركي لإلهاء المواطن اللبناني وفرض أمر واقع. وفق حسابات ناصر الدين، تعمل الولايات المتحدة الأميركية على إلهاء لبنان بمشاكله الاجتماعية والاقتصادية لتمرير مشروع "اسرائيل" الكبرى في الغاز.
أما عن خارطة الحلول، فيشدّد ناصر الدين على ضرورة أن تكون الحلول متسارعة لانتخاب رئيس مجلس نواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس لتوجيه السؤال فيما بعد بشكل أكبر للفئة التي كانت تبدي اعتراضها بشكل كبير على عمل حاكم مصرف لبنان، بعدما باتت الساحة مفتوحة لها للتغير. كما يشدّد ناصر الدين على ضرورة الانفتاح على عروض الشرق التي تنقذنا.
وفي الختام، يعرب ناصر الدين عن خشيته من أن تستمر الضغوطات لتمرير مشاريع خارجية كبرى في النفط والغاز، لأخذ لبنان للمفاوضات مع البنك الدولي مستسلمًا.