في الذكرى السنوية الثامنة لتأسيس قوات الحشد الشعبي، ما هي العوامل الثلاثة التي ساهمت في أن يضطلع الحشد بدور مهم وفاعل، وأن يتنامى حضوره الميداني؟
>>
عادل الجبوري
الحشد الشعبي بعد 8 أعوام.. بين ضرورة التأسيس وجدلية البقاء
تنا
16 Jun 2022 ساعة 14:00
في الذكرى السنوية الثامنة لتأسيس قوات الحشد الشعبي، ما هي العوامل الثلاثة التي ساهمت في أن يضطلع الحشد بدور مهم وفاعل، وأن يتنامى حضوره الميداني؟
"13 حزيران". هذه هي العبارة التي خطّت على عشرات أو مئات اللافتات واللوحات في مختلف شوارع العاصمة العراقية بغداد والعديد من المدن وأزقتها، في إطار الاستعدادات والتحضيرات الواسعة لإحياء الذكرى السنوية الثامنة لتأسيس قوات الحشد الشعبي في ضوء فتوى الجهاد الكفائي للمرجع الديني السيد علي السيستاني.
في مثل هذه الأيام قبل 8 أعوام، كان المشهد العراقي العام محتدماً بأحداث ووقائع متسارعة ومفاجئة ومربكة إلى حد كبير؛ ففي صبيحة 10 حزيران/يونيو 2014، استفاق العراقيون على أنباء اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي مدينة الموصل ومدناً ومناطق أخرى، حتى وصل إلى تخوم بغداد وكاد يستبيحها.
وبعد يومين، نفذت عصابات "داعش" جريمة بشعة ومروعة، تمثلت بقتل أكثر من 1700 شاب من طلبة كلية القوة الجوية في قاعدة "سبايكر" في مدينة تكريت، وإلقاء جثثهم في مياه نهر دجلة، لتتوالى الوقائع والأحداث بصورة دراماتيكية سريعة، وسط ارتباك وتخبط وفوضى في مختلف منظومات مؤسسات الدولة، ولا سيما العسكرية والأمنية والسياسية.
ثمة عوامل وظروف داخلية وخارجية ساهمت في إيجاد "داعش" وتمكينه من احتلال مدن ومناطق عديدة في غضون فترة زمنية قصيرة. ولأن المرجعية الدينية استشعرت خطورة تداعيات الأمور، فقد سارعت إلى إصدار فتوى الجهاد الكفائي بعد 3 أو 4 أيام من اجتياح الموصل. وفي الوقت ذاته، كان التوقيت المبكر جداً لجريمة "سبايكر" قد كشف عن النزعة الإجرامية والدموية لذلك التنظيم الإرهابي ومن كان يقف وراءه تمويلاً وتشجيعاً وتخطيطاً وتحريضاً.
ورغم أنَّ عصابات "داعش" ارتكبت فيما بعد الكثير من الجرائم ضد أبناء الشعب العراقي بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم وأديانهم وعقائدهم، فإنَّ مجزرة "سبايكر" كانت الأكثر دموية والأشد إجراماً ووحشية، ولا يختلف اثنان على أن الآثار النفسية والمعنوية التي خلفتها تلك الجريمة المروعة في نفوس ذوي الضحايا كانت كبيرة وعميقة جداً.
ولعل من الصعب جداً أن تمحَى هذه المجزرة خلال وقت قصير. وحسناً فعلت الجهات المعنية في ذلك الحين حين شكلت لجنة خاصة لمتابعة شؤون ذوي الشهداء الذين سقطوا، فضلاً عن الخطوات والمبادرات الأخرى التي قامت بها، وكذلك تلك التي قامت بها المؤسسات الدينية، لا سيما المرجعية الدينية والحوزة العلمية وهيئة الحشد الشعبي، لتخليد تلك الفاجعة من جانب، وتكريم ضحاياها ورعاية ذويهم من جانب آخر.
وارتباطاً بطبيعة ومستوى المخاطر والتحديات التي استدعت تأسيس الحشد الشعبي، من خلال فتوى الجهاد الكفائي، فقد لا يخفى على المراقب وعموم الرأي العام أن هناك 3 عوامل ساهمت في أن يضطلع الحشد بدور مهم وفاعل، وأن يتنامى حضوره الميداني من خلال إنجازات وانتصارات عسكرية كبيرة ومهمة، إلى جانب دوره في الجوانب الإنسانية والخدمية المتنوعة.
هذه العوامل الثلاثة تمثلت بفتوى المرجعية الدينية، ودعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتفاعل الجماهيري الواسع من مختلف فئات المجتمع العراقي وشرائحه، من دون اقتصارها على عنوان ديني أو مذهبي أو قومي أو مناطقي واحد.
ولعلَّ الإطار المرجعي الذي تأسس في ضوئه الحشد الشعبي، هو ذاته الذي حدد طبيعة سلوك الحشد ودوره ومكانته وموقعه بعد التخلّص من عصابات "داعش"، مع الأخذ بعين الاعتبار أن إقرار مجلس النواب العراقي قانون الحشد في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وضع النقاط على الحروف، وأجاب عن تساؤلات واستفهامات عديدة، وبدّد قدراً غير قليل من المخاوف والهواجس المثارة هنا وهناك.
وما كان لافتاً للانتباه أنه منذ البواكير الأولى لتأسيس الحشد وحتى الآن، وفيما واصل الأخير حضوره الفاعل والمؤثر في شتى الميادين والساحات، لم تتوقف حملات التشويه والإساءات ضده من بعض الدوائر السياسية والإعلامية والمخابراتية الخارجية الإقليمية والدولية مع جهات داخلية متماهية معها ومنساقة وراءها، والتي بدت أنها وجهٌ آخر للاستهداف العسكري المسلح طيلة مرحلة الحرب ضد "داعش".
وقد توجت حملات الاستهداف هذه باغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشهيد أبو مهدي المهندس، ومعه قائد "قوة القدس" الإيراني الشهيد قاسم سليماني، الَّذي كان قادماً إلى العراق بمهمة رسمية من قبل الحكومة الايرانية، عبر ضربة صاروخية أميركية قرب مطار بغداد الدولي في 3 كانون الثاني/يناير 2020، علماً أن طائرات أميركية ضربت مقرات للحشد في منطقة قرب الحدود العراقية السورية قبل أيام قلائل من ذلك التاريخ، وتسببت باستشهاد وإصابة العشرات من المنتسبين إلى الحشد، لتشكل تلك الأحداث حافزاً ودافعاً إضافياً لتصاعد المطالبات السياسية والشعبية بإنهاء الوجود الأجنبي في العراق.
من الطبيعي أن لا تحظى مثل تلك التطورات والتحولات بارتياح وقبول من أطراف عديدة، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، فالأخيرة، ومعها قوى داخلية وخارجية قريبة منها ومنسجمة معها، وضعت الكثير من العراقيل والمعوقات أمام الحشد الشعبي منذ اليوم الأول لتأسيسه. وأكثر من ذلك، كان الحشد -وما زال- موضع استهداف حقيقي، رغم الإقرار والاعتراف الصريح بدوره الفاعل والمحوري في الحرب على الإرهاب.
مرةً، تثار حملات إعلامية وسياسية منظمة حول تجاوزات فردية، ليتم تصويرها بأنها تمثل سياسات الحشد الشعبي ومنهجياته وتوجهاته، ومرة يصار إلى إثارة مخاوف وهواجس عن وضع الحشد ودوره في مرحلة ما بعد "داعش".
قد تكون بعض الحقائق المطروحة عن بعض التجاوزات والإساءات التي تمارسها عناصر حشدية، والمخاوف المثارة بشأن صورة المستقبل، واقعية ومبررة، ولكنْ حين تُقحم في أجندات سياسية معينة يراد منها ضرب هذا الطرف وإضعاف ذاك، لا بد من أن تأتي النتائج سلبية، ويغدو من الصعب بمكان التأسيس لمناخات وأرضيات مناسبة لإزالة الآثار والتبعات السياسية والأمنية والاجتماعية لمرحلة وجود تنظيم "داعش" الإرهابي.
في مقابل ذلك، لم يكن ممكناً تجاهل وتغافل الدور الكبير والمحوري للحشد الشعبي في تحقيق الانتصار الناجز على تنظيم "داعش" بعد 3 أعوام ونصف العام من الاجتياح، مثلما أعلن في حينه رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي بقوله في خطاب رسمي في 9 كانون الأول/ديسمبر 2017: "لقد أنجزنا المهمة الصعبة في الظروف الصعبة، وانتصرنا بعون الله. وبصمود شعبنا وبسالة قواتنا البطلة، وبدماء الشهداء والجرحى، أثمرت أرضنا نصراً تاريخياً مبيناً يفتخر به جميع العراقيين على مرّ الأجيال، ونعلن لأبناءِ شعبنا ولكل العالم أن الأبطال الغيارى وصلوا إلى آخرِ معاقل "داعش" وطهروها، ورفعوا علم العراق فوق مناطق غربي الأنبار التي كانت آخر أرض عراقية مغتصبة، وأن علم العراق يرفرف اليوم عالياً فوق جميع الأراضي العراقية، وعلى أبعد نقطة حدودية".
وبعد الانتصار العسكري الشامل على تنظيم "داعش"، راحت القيادات العليا للحشد الشعبي، وكذلك القيادات الميدانية، تتجه إلى توظيف إمكانيات الحشد وقدراته في الاتجاه الخدمي، من قبيل المساهمة في مشاريع إعادة إعمار المناطق المحررة والمحرومة، والمساهمة في إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، وإغاثة المتضررين من الفيضانات والسيول، وحماية المنشآت الاقتصادية الحيوية، فضلاً عن مهمة المحافظة على الانتصار والاستمرار في ملاحقة بقايا "داعش" وتعقبها للحؤول دون إعادة تنظيم صفوفها واستعادة حضورها.
لا شكّ في أن مأسسة الحشد، وتكييف أوضاعه القانونية والإدارية وفق سياقات الدولة، وإعطائه فسحة للعمل في الجوانب المتعلقة بالبناء والإعمار والخدمات، إلى جانب المهام والأدوار الأمنية والعسكرية الموكلة إليه، ارتباطاً بأولويات ما بعد الانتصار، تعد خطوات صحيحة وإجراءات سليمة تكفل عدم التفريط والزهد بما تحقق من انتصارات وتضحيات وتجارب، في وقت ما زالت التحديات والمخاطر كبيرة وكثيرة، ليس بالنسبة إلى العراق فحسب، إنما لعموم المنطقة أيضاً.
/110
رقم: 553696