العالم وامريكا .. مِنْ نشر الديمقراطية الى نشر المِثليّة
شَهِدَ وعاش وواجه العالم، وخاصة العربي والاسلامي، لاكثر من عقديّن من الزمن، مرحلة نشر و فرض الديمقراطية، حتى بالوسائل القسريّة او بالقوى الغليظة و الناعمة (احتلال، عقوبات، تغيير انظمة حكم)، وقادت امريكا هذه المرحلة، مِنْ الاعداد والتخطيط والتنظيم والتنفيذ. حَصلَ ما حصل من عنف وارهاب وفوضى وسرقة لثروات الشعوب وتقويض لمقومات الدولة.
صاحبَت جهود ومساعي نشر الديمقراطية، ظاهرة اخرى تستحقُ الدراسة والتحليل، وهي التعّدي والتجاوز على القوانين والشرعيّة الدوليّة والمواثيق والاتفاقيات الدولية والامميّة.
الاتفاق النووي الايراني الدولي، كان ايضاً اتفاقاً أُممياً، تنصّلت عنه ادارة الرئيس الامريكي السابق ترامب، تواجد القوات الامريكية في سوريّة، شرق الفرات، واستغلالها لحقول النفط، حصِلَ من اجل نشر الديمقراطية، وهو امرٌ، بكل تأكيد مخالف للقوانين الدولية ولميثاق الامم المتحدة؛ الشواهد عديدة مِن فلسطين الى فنزويلا. نجحت المساعي الامريكية ليس في نشر الديمقراطية، و انما في نشر ثقافة انتهاك سيادة الدول والتدخل الغليظ في شؤونها و التجاوز على القوانين و الاتفاقات الدولية.
وماذا عن نتائج سياسة نشر الديمقراطية، وبالتعدّي والتجاوز على الشرعية والقوانين والمواثيق الدولية وانتهاك سيادة الشعوب؟
بالتأكيد تضرّرت كثيراً دول وشعوب، ويُعدْ ضررهم تضحيات وانتصار لمستقبلهم ودفاعاً عن كرامتهم وسيادتهم، ولكن خسرت امريكا كثيراً من مكانتها وهيبتها ونفوذها في العالم وفي منطقة الشرق الاوسط، بل وفقدت امريكا الآن قدرتها في ممارسة سياسة الاملاءات والابتزاز مع الحلفاء و الاصدقاء، وفشلت في سياسة المواجه و التحدي مع الخصوم والاعداء (طالبان، ايران، سوريا، فنزويلا).
تدخلُ امريكا الآن رسمياً وتسعى لجّرِ العالم معها، في مرحلة نشر المثّلية، حيث اعلن َ الرئيس بايدن، وفي احتفال كبير، في البيت الابيض، بأنَّ امريكا “أمّة المثليين” او مجتمع الميم. والقيم التي تؤمن بها وتتبناها امريكا يجب، وفق المنظور الامريكي، ان تسود العالم.
تمهّدُ امريكا ومعها بعض الدول والمنظمات والمؤسسات الى نشر المثلية و الدفاع عن الظاهرة، ليس فقط في مجتمعاتها، وانما في العالم، وخاصة العربي و الاسلامي لسببّين؛ الاول هو الموقف الرافض لهذه الدول ومجتمعاتها لتقبّل هذه الظاهرة.
وقد تستفحل، في الثلاث سنوات القادمة، حالة صدام حضارات بين غرب، شعاره وديدنه بناء مجتمع مثلي، وحضارة شرق قائمة على منع و مكافحة المثليّة واعتبارها ظاهرة شاذة وهدّامة للاسرة والمجمتع و القيم و الاخلاق، ومنافيّة للفطرة البشرية؛ والسبب الثاني الذي يجعل دول مجتمع “الميم” تستهدف المجتمعات العربية الاسلامية هو استخدام الظاهرة كوسيلة اخرى من الوسائل الصّادة و المضّادة للتمدد الاسلامي الذي تشهده المجتمعات، ولما تتميّز به المجتمعات العربية والاسلامية من قدرة و رغبة على الانجاب، والتمسّك بمفهوم واصول الاسرة، حيث من بين اهداف التشجيع على ممارسة المثليّة، وعلى المدى الطويل، هو تحديد النسل وتقليص عدد السكان في العالم.
وتوظّف امريكا وبعض دول الغرب وسائل مختلفة لترويج ونشر ثقافة المثلية كرفع رايات قوس قزح، والتي تعبّر عن مجتمع الميم، وتوزيع منشورات، وتبني شعارات، دالة على المثليّة، وتضمين مواضيع تشجّع على ثقافة المثليّة في المناهج الدراسية لمختلف المراحل. رفع رايات المثليّة على سفارات امريكا في لبنان وفي تركيا ودول اخرى، امرٌ له دلالات عديدة، اهمها هو تبني رسمي وسيادي امريكي لهذه الظاهرة، ورسالة الى الدول المعنيّة بمدى اهمية و استراتيجية الموضوع لدى الادارة الامريكية.
امريكا لم تترّدد بالتصريح بنيتها بفرض عقوبات اقتصادية وقانونية على اوغندا بسبب مصادقة الرئيس الاوغندي على مشروع قانون بفرض عقوبة الاعدام على مَنْ يمارس المثليّة في أوغندا. وتتداول معلومات عن قيام امريكا بتخصيص ١٢ مليون دولار كمساعدات لثلاث جامعات عراقية وافقت على تضمين مناهجها و برامجها الدراسية على معلومات عن المثليّة، في اطار الحريات و حقوق الانسان (حول الموضوع، انظر صحيفة رأي اليوم، بتاريخ ٢٠٢٣/٦/١٦، تحت عنوان اكبر احتفال في البيت الابيض …).
شهدنا في مرحلة فرض الديمقراطية، والتي قادتها الولايات المتحدة الامريكية، تجاوز واعتداء على سيادة الدول و على القوانين والاتفاقات الدولية، ولمْ تكْ نتائج المرحلة في صالح الولايات المتحدة الامريكية، حيث انعكست سلباً على مكانتها ونفوذها، و تسعى اليوم امريكا في نشر وفرض المثليّة وعلى حساب القيم الاجتماعية والانسانية، وسترتد نتائج المرحلة والمسعى، سلباً على مصالح ومكانة امريكا وستصبح الهّوة اكبر بين العالم العربي والاسلامي وأمريكا.
نهاية المقال
*كاتب عراقي