وفي ظل الأجواء الإيجابية السائدة اليوم داخل العالم الإسلامي، ندعو إلى عقد ندوة علمة بشأن هذه الاستراتيجية، وسائر ما قدّم من استراتيجيات في هذا المجال، لإنعاش الذاكرة ولدراسة عطائها العملي.
وفي حديثنا اليوم ننقل ما يرتبط بأهداف التقريب كما جاء في الاستراتيجية المذكورة، ومن خلال استعراض أهمية التقريب بين المذاهب الإسلامية وضرورة العمل من أجله، يتبين أن من أهدافه ما يلي :
1. السعي الجاد المبرمج لتضييق المسافة الخلافية القائمة بين المدارس الاجتهادية الإسلامية، التي تكونت في شكل قضايا ومسائل استنبطت أحكامها من مصادر تشريعية، وترعرعت خلال الحقبة التاريخية التالية لعهدَيْ صحابة رسول الله صلى الله عليه واله سلم والتابعين، وهي في حقيقة الأمر وواقع الحال، ليست اختلافات بكل ما تحمله كلمة الاختلاف من مقاصد ومعان، استمدت وجودها من مفاهيم احتمالية اجتهادية، كانت لها مبرراتها الحياتية، مع التأكيد بأنها كانت اجتهادات ظنية في شكليات أمور الدين، ولذلك تم وصفها بأنها اختلافات رحمة، لمطابقة قوله صلى الله عليه واله وسلم : «اختلاف أمتي رحمة».
2. إثبات أن الاختلافات بين المذاهب والفرق الاسلامية لا يعني اختلافًا في جوهر النصوص التشريعية الثابتة في كتاب الله والصحيح من سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما هي مجرد اجتهادات، وخلاصة آراء علمية توصل إليها الفقهاء والأئمة والمجتهدون من بعدهم، لذلك فما هو قائم حاليًا بين المذاهب، ليس إلا تعددًا في المصادر الظنية، وتوسعًا فكريًا في فهم نصوص الأحكام، وتنوعًا في القضايا والمسائل الخلافية، التي اقتضتها مستجدات ذلك التاريخ، ومجملها مستخرجة أحكامها من نصوص ظنية، على مستوى مدارك ومفاهيم إنسانية فردية أو جماعية، وقد تم انتشارها لسماحة الإسلام ورحابته، دون خروج عن ثوابته أو تجاوز لحدوده.
3. التعريف بأن المقصود بالتقريب ليس دمجًا للمذاهب الإسلامية الحية في إطار مذهب أو مذاهب أخرى، كما أنه ليس لغرض الدعوة للاكتفاء بالجوامع والمشتركات ورفض مسائل الاختلاف، أو التخلي عن كل أو بعض المذاهب وتركها، والرجوع إلى رأي إسلامي جديد، كما يدعو إلى ذلك بعض الفقهاء، وإنما الغرض منه ــ كما سبقت الإشارة إليه ــ إبراز عناصر التقارب بين المذاهب كلها، وتعميق الصلة التشريعية، والعلم بأن كل أحكام التشريعات الاسلامية تعود إلى مصدرها الأساس، وهو القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وأن بقية مصادر التشريع مستمد ثبوتها من مراجعها ومن أصول التشريع، أما الدمج أو الاحتواء أو التذويب فذلك أمر غير وارد، وغير مستساغ، لاستحالة وقوعه وصعوبة التفكير فيه، ويرفضه العقل الإسلامي، ولا يقبله منطق الحكمة. وحول هذا الأمر يقول الإمام مالك رضي الله عنه : «قال ابن حاتم، قال مالك : ثم قال لي أبو جعفر المنصور : قد أردت أن أجعل هذا العلم واحدًا، فاكتبه إلى الأمراء وإلى القضاة فيعملون به، فمن خالف ضربت عنقه، فقلت يا أمير المومنين : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في هذه الأمة، وإن اختلاف العلماء رحمة من الله على هذه الأمة، كل يتبع ما صحَّ عنده وكل على هدي وكل يريد الله»، مما يدل أن تذويب الأفكار الاجتهادية أو تهميش أي مذهب، أمر غير مطلوب.
4. التعريف والتذكير بأن جميع المسائل الخلافية وأحكام المذاهب الفقهية والآراء الاجتهادية، لم ينفرد بأي منها مذهب معين، وأن جل المسائل الاجتهادية كان قد اشترك في القول بها والأخذ عن أكثر من إمام وفقيه مذهب، وربما التزم بها أكثر من مجتهد، وبالتالي ليست مختلفة اختلافًا كليًا مع كل المذاهب، كما نجد أن بعضًا من هذه المذاهب كانت قد التقت مع مذهب أو مذاهب أخرى في قواعد فروعية خلافية، وفي أكثر من قاعدة أصولية اجتهادية، ولكثرتها في فروع الفقه الإسلامي، فقد أشرنا إلى كتبها في هذا المشروع.
5. جعل التأليف بين قلوب أتباع المدارس الإسلامية والتقريب بين وجهات النظر هدفًا أساسًا تسعى المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة لتحقيقه، من خلال اتخاذ إجراءاتها التنظيمية والعملية، ومنها إقرار هذه الإستراتيجية، ورسم الخطط العملية لتحقيقها، وتنفيذ برامجها وفق إمكاناتها المتاحة، وفي ظل ما يتاح لها من تسهيلات علمية ومادية، وما تسهم به الدول الإسلامية من فرص لبلوغ مقاصدها وتحقيق غاياتها.
6. التأكيد على أن الجوامع والمشتركات من المسائل والقضايا الفقهية بين المذاهب، أكثر بكثير من مسائل الاختلاف، ولذلك فإنها من عوامل التقريب وأسٌّ من أسسه، كما هي معيار وحدة الأمة. والاحتفاظ بقواعد المذاهب كمنطلقات فكرية وفقهية توجبها المصلحة الإسلامية، دون إخلال بثوابتها العليا، أو الخروج عنها، ويأتي التأكيد على وجوب الالتزام بمبدإ الاحترام المتبادل بين المذاهب واعتبار ذلك من المستلزمات المهمة، اقتداءًا بما كان عليه أئمتها الأعلام، وفي السبيل نفسه الذي سلكه العلماء، والنهج نفسه الذي سار عليه المجتهدون منذ نشأة المذاهب.
7. الوقوف علميًا وتاريخيًا على أسباب الاختلافات الفقهية ودوافعها، ونشوء بعض الفرق الإسلامية واندثارها، لتقف الناشئة المسلمة وعامة الأمة الإسلامية، على معرفة كوامِن تلك المعطيات من الأمور المثيرة للاختلافات، ليسهل ردم براكينها وإخماد منابتها، وتيسير تقطيع شوائبها، وصولاً إلى حلول عملية لمشكلاتها التي شملت مناحي حياة المسلمين كافة» انتهى ماجاء في مشروع الايسيسكو.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية