الثلاثاء 19 أيلول سبتمر الجاري انتهت الفترة التي تم الاتفاق عليها بين ايران والعراق في الاتفاقية الأمنية التي توصل البلدان اليها في أيار الماضي؛ بمعنى آخر مضت أكثر من أربعة أشهر على الاتفاق الذي تضمن عدة بنود في مقدمتها، نزع أسلحة الأحزاب الايرانية المعارضة، وعدم السماح لها بالتسلل الى الاراضي الايرانية وتعريض أمنها للخطر، ونقل هذه الجماعات من المناطق القريبة من الحدود الايرانية الى مناطق بعيدة.
وعلى الرغم من اعلان المتحدث باسم الحكومة العراقية من أن بغداد نفذت جميع البنود التي وردت في الاتفاقية ألا أن المعلومات التي وردت من اقليم كردستان أكدت أن الحكومة العراقية لم تنتزع أسلحة هذه الجماعات كما انها لم تقم بنقلهم، ومما لاشك فيه انه من المفترض أن من يقوم بتنفيذ الاتفاق هي حكومة اقليم كردستان ولكن بما أن بغداد هي مسؤولة عن الاقليم لذلك فان طهران لا تخاطب أربيل وانما بغداد، غير أن الملفت في الأمر ان جماعات المعارضة الايرانية لا تنتشر في مناطق سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي فترت علاقته بايران في الآونة الأخيرة وحسب، وانما تنتشر أيضا في مناطق سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تربطه بايران علاقات وطيدة، ولعل هذا ما يفسر زيارة رئيس الاتحاد بافل الطالباني الى طهران الاحد الماضي.
عندما قصفت ايران مواقع المعارضة الكردية الايرانية في الاقليم العام الماضي، في الوهلة الأولى صدرت العديد من المواقف والتعليقات على الموضوع معظمها يدور حول أن الجماعات المعارضة الايرانية ليس لها وجود في كردستان واذا كان لها وجود فانها في الكهوف وادغال الجبال التي لا يمكن الوصول اليها وتعقبها ومطاردتها، ولكن عندما بثت قناة الحدث عدة تقارير حول مواقع وجودها ونوعية نشاطاتها أقر السياسيون الأكراد بذلك، مما يشير الى أن سلطات الاقليم تعلم بوجودها، ولكن لسبب أو لآخر لا تريد أو لا تقدر على تجريدها من سلاحها، ونقلها الى مناطق بعيدة عن الحدود الايرانية.
الملف الرئيس الذي يتناوله وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين خلال مباحثاته في طهران مع الجانب الايراني هو الاتفاقية الأمنية والسعي الى تمديدها ، وبالطبع فان المسؤولين الايرانيين الذين يلتقيهم وفي مقدمتهم نظيره الايراني حسين أمير عبداللهيان سيوعدوه بأنهم ينظرون في الطلب ولكن من المستبعد أن يتم تمديد الاتفاقية بشكل علني ورسمي، وانما من المتوقع أن يجري اتفاق ضمني شفهي على التمديد، وسيترك الايرانيون الأمر لما تشهده الساحة من مستجدات.
بمعنى آخر فان توقيت اثارة موضوع انتهاء مهلة الاتفاقية الأمنية يحظى بأهمية كبيرة لدى ايران، وذلك لأنه يتزامن مع الذكرى السنوية لوفاة مهسا أميني، ولا نكشف سرا اذا قلنا أن الجماعات الكردية الايرانية المسلحة في كردستان العراق لعبت دورا مؤثرا في التحريض على الاحتجاجات التي شهدتها ايران العام الماضي خاصة المناطق الكردية الايرانية، كما ان هذه الجماعات نفذت عشرات العمليات المسلحة في تلك المناطق، ووصل بها الأمر الى تحديد ساعة الصفر للانطلاق من كردستان العراق ودخول الاراضي الايرانية واسقاط المناطق الكردية، غير أن ايران استبقت ساعة الصفر تلك بقصف مواقع الجماعات المسلحة فاحبطت الهجوم المرتقب، وكان للقصف الايراني تأثير كبير الى درجة أننا منذ عدة اشهر لم نشهد هجمات نوعية لهذه الجماعات، بينما كانت تقوم بمعدل عمليتين في الاسبوع قبل القصف.
اصرار ايران على تنفيذ العراق للاتفاقية الأمنية يعود الى سببين:
الأول: وصلت معلومات للأجهزة الأمنية الايرانية ومن بينها جهاز معلومات حرس الثورة الاسلامية تفيد بأنه جرت لقاءات بين معارضين ايرانيين أكراد وأجهزة مخابرات في دول غربية متعددة للتحرك من جديد واشعال المناطق الكردية تزامنا مع الذكرى السنوية لوفاة مهسا أميني، والانطلاقة الأولى تكون من كردستان العراق.
الثاني: يجري الحديث حاليا حول استئناف المفاوضات النووية، وقد أبدت بعض الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة بشكل علني رغبتها في العودة الى طاولة المفاوضات بينما كانت في السابق تعلن انها لا تعتزم اجراء مفاوضات نووية مع ايران، طبعا واشنطن أولويتها في الوقت الراهن هو انتزاع تنازلات من طهران وارغامها على القبول بما تريده مقابل عودتها للاتفاق النووي، وتعتقد أن السبيل لتحقيق ذلك هو اضعاف الموقف الايراني، وترى ان اندلاع الاحتجاجات من جديد سيضعف الموقف الايراني ويرغمه على القبول بالشروط الأميركية.
من هنا فان طهران تحرص كل الحرص على عدم وقوع أي حدث يضعف موقفها ويؤثر عليه فيما لو تم استئناف المفاوضات النووية، لذلك تصر على القيادة العراقية بضرورة ضبط الجماعات المسلحة المعارضة.
وبكلمة، اذا اندلعت الاحتجاجات وأعمال الشغب من جديد في ايران وخاصة في المناطق الكردية فستقوم ايران بقصف مواقع الجماعات الكردية الايرانية في كردستان العراق، وسيكون القصف هذه المرة مدمرا ولن يقف عند حد معين، واذا لم تندلع الاحتجاجات أو اندلعت ولكن كانت طفيفة ولا تؤثر على الوضع العام، فان طهران ستصر على تنفيذ الاتفاقية ولكن لن تلجأ للخيار العسكري.
نهاية المقال
______________________
* باحث في الشأن الايراني