وسط تفاعلات الأيام العصيبة من هذا العدوان، لا تزال كاميرا الحقيقة تلتقط صورا سريعة وكثيرة لايمكن المرور عنها مرور الكرام، واحدة من تلك الصور وهي تظهر وزير خارجية الكيان وهو يحقر ويهاجم (غوتيرتيش) أمين عام الأمم المتحدة ويتصرف وكأن العالم مُلكٌ له في عدة مناسبات، لقطة أخرى تكشف نبرة متعالية لنتانياهو وهو يخاطب القمة العربية على الرغم من ضآلة مخرجاتها : عليكم أن تصمتوا وتدينوا حماس!، اخرى تظهر سائحا قذرا صهيونيا يتحرش ببعض الصبايا المصريات وهو يقول لهن بأن هذه أرض اسرائيل ! ، لقطة أخرى تظهر مسؤولا منهم أدنى أو اعلى في سلم الانحطاط يتكلم عبر ميكروفون الفضائيات وهو يهدد ويتوعد بأنه لا مكان في الشرق الأوسط بمنأى عن الطيران الاسرائيلي ! لقطة أخرى تظهر القذر ابن زفير وهو يطالب بقتل حتى من يدعمون المقاومة بالكلمة أو حتى توزيع الحلوى ، لقطات أخرى تبثها شبكات الصرف الصحي الإعلامي وهي تظهر مستوطنين زبالة يعتدون ويذلون ويهاجمون ويتسلون بالمواطنين الفلسطينين العزل والأبرياء ضمن موجة الجنون الصهيوني التي تجتاح العالم كله.
هنالك مصطلح خاص ودقيق في اللغة العربية يمكنه أن يعالج ويمنح هذه اللقطات معناها الحقيقي وهو مصطلح العربدة، والعربدة في اللغة العربية تعني بالنقل الحرفي : "سيِّئ الخُلُق"، "يتشاجر مع النَّاس بغير سبب"، أو "يُكثر من الضَّجيج بسبب السُّكر"، العربدة السياسية والعسكرية التي نتكلم عنها لا تختلف كثيرا عن روح المعنى السابق فهي تضم في تركيبها الكيميائي بضع مكونات أساسية تسمح بحدوثها وهي : الاستقواء وسط الضعف – وجود داعم أو راعي كبير لهذه الظاهرة – غياب القوة الرادعة أو تواضعها حيال المعربد – الثمالة والسٌكْر بسبب وجود فشل كبير في تحقيق الغايات الكبرى أو تلقي صفعات قوية، آخر مظاهر العربدة الصهيونية نشاهدها كلنا معا ضمن مسلسل العدوان على المشافي الفلسطينية داخل غزة، هجمات واعتداءات ومنع للدواء والوقود وحتى حليب الأطفال الذي يسمح بحياة الأطفال حديثي الولادة، كل ذلك يقع ضمن فئة العربدة والزعرنة الانحطاطية التي تقيم فوق جبل من أكوام الفشل والخيبات والتي كان آخرها فضيحة وخذلان الاكتشاف الاستخباري داخل مشفى الشفاء البطولي وتسجيل هدف جديد للمقاومة في المرمى الصهيوني.
نحن العرب العجزة والعالم بأكمله شاهدون وشهود على أكبر حالة عربدة وزعرنة صهيونية تفوقت على زعرنة الولايات المتحدة عقب ادعاءات أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ أداء تكبري وتجبري انفجر بوجه العالم كله ويحظى بتغطية وغَضِّ بصر من عصابة غربية عالمية، في ظل هذا الفجور الاسرائيلي ومحاولة الدفع بالعالم لحالة عقابية جماعية تطل فكرة (شعب الله المختار ) وكأنها ستُفرَض على العالم عنوة وقسرا، وفي ظل هذه الفكرة يحق للعالم كله أن يسأل أسئلة كثيرة حرجة : ما هو مصيرما يعرف بالشرعيات والقوانين العالمية والدولية في ظل هده العربدة؟ هل بقي من معنى للمؤسسات الأممية والمنظمات الإنسانية وحقوق الإنسان؟ هل تَكَسَّر كل ذلك وتغولت دويلة الكيان بإيعاز من الولايات المتحدة لتكون حربتها الضاربة في الخطة القادمة؟ نعم يبدو أن ذلك صحيح وماض في الطالع المشؤوم لهذا العالم الذي يرفض الصحو من غفلته والاستنفار لوضع حد لسياسات وإجرام الولايات المتحدة الإرهابية ، إن رسالة الزعرنة المفتوحة التي يطلع بها الكيان الصهيوني تحمل في طياتها رسائل متعدة الاتجاهات بعضها يذهب أولا إلى ايران وكذلك روسيا بأن شيئا لن يحميك ولن يقف في وجهنا حيال هزيمتك و ثانيا إلى الصين بأن كل الاتفاقيات الدولية والقوانين والأعراف انقعوها واشربوا ماءها ، وثالثا إلى ملوك الطوائف الغرب والعرب حتى يفهموا أن سيدهم بخير وعافية بعيد ضربة 7 أكتوبر وسيفعل ما يشاء دون قيد أو شرط او مانع!
لفترة طويلة ظللنا نبحث عن معنى الإرهاب والإجرام والانحطاط وفقا لكتيب الكذب الأمريكي العالمي الذي تم فرضه علينا جميعا في كل مسامات حياتنا، ظنَّنا بداية بأن بعض الملتحين والمتشددين كما يسمونهم، هم الإرهابيون كما قالوا لنا وتم ابتكار القاعدة بداية لتملأ حجرة الرؤية وتطابقها، فلما جَنَّ علينا الليل جاؤوا لنا بـ (داعش ) فقلنا هذا هو الإرهاب ! وعندما أفلت (داعش) قلنا بأننا لا نفهم الآفلين، عقب ذلك شاهدنا ما فعله الأمريكان في شعب اليمن وسوريا وليبيا والسودان وحتى في أوكرانيا فقلنا هذا إرهاب أكبر! ولما جاءت غـزة والكارثة الكبرى قلنا لأن لم يهدنا ربنا لنكونن من الضالين فشاهدنا الإرهاب الحقيقي ومُصدِّروه ومُصَنعوه، شاهدنا وشاهد معنا كل العالم هؤلاء اللابشر، شاهدنا كائنات لها مظاهر فسيولوجية بشرية ولكن في داخلها تقيم روح الشيطان وروح الوحوش الضارية المجرمة والشاذة عن الإنسانية منذ خلق الله الإنسانية، وبمعية التحليل السيكولوجي والسياسي لمفهومي العربدة والإرهاب المتكاملين هنالك أيضا عمق جيني يقدمه العلم المحايد ليسمح بأن تشهد عليهم أيديهم وأرجلهم وأعضاؤهم بما اقترفوا من الجريمة القصوى، لا شك أن هنالك خيوطا من الكروموسومات المنحرفة في الجينوم البشري ساقت إلى خلق هؤلاء المجرمين الحثالة الذين جمعوا في جيانتهم خليطا مُندسا من جينات القردة والخنازير والذئاب مع جينات التيرانوسورس و ذكاء عصبي متقدم في الشر والأذى والوضاعة والنذالة ، هؤلاء هم المسوخ وهؤلاء هم من اكتشفهم العالم أخيرا ووضع يده على كل إجابات الإرهاب الخفية والسرية والمجهولة الهوية وحتى إجابات المؤامرة والقتل والدموية التي أقامت في التاريخ وستقيم في المستقبل، هدا ما كان يفتش عنه هتلر عندما كان يقيس نسب الوجه ويفتش عنهم في الخفايا.
بموازاة حقائق العربدة والإرهاب الذي تطلع به الولايات المتحدة مع ذراعها الصهيوني الضارب وحياد العالم المتفرج على مسرح الموت والقتل والاستشهاد اليومي في غزة البطولة، تقف حقائق من نوع آخر لتضاد وتقف في وجه كل هذا الارتفاع الافرسيتي من الجبروت والباطل، حقائق تقول بأن استهداف المشافي الفلسطينية هو محاولة فاشلة لضرب صمود من نوع آخر لمقاتلين غير اعتياديين لا يقلّون قوةً وصمودا وبطولة عن أولئك الذين يطاردون خلف الميركافا للفتك بها؛ أسطورة بطولية لن ينساها التاريخ من التخصصات الطبية الابداعية والعقول العربية المتفوقة التي تعمل في ظروف لا تصدق ويجب تحطيمها وإزالتها لتحقيق مزيد من الحصار والضغط على أولئك المقاتلين في الشوارع ، حقائق مكوناتها وعنوانها شعب مؤمن بهويته وعروبته وإسلامه استولد هكذا مقاتلين استحاليين تسمح لهم عقيدتهم بالوقوف في وجه أعتى قوة عرفتها الأرض بأداوت لا تكاد تصدق ، مقاتلون يحملون أرواحهم ويتسابقون للموت في سبيل قضية وعقيدة وكرامة يرفضون التنازل عنها وينوبون عن كل الأمة في الوقوف ضد ابتلاع الأمة، حقائق مكوناتها محور مقاومة متكامل بنسيج من روح واحدة هي ذاتها من اليمن البطل إلى لبنان البطولة إلى الضفة الغربية والداخل الفلسطيني الذي يتحضر للانفجار، نسيج من شعوب عربية وفية لعروبتها، نسيج مستعد للموت والفناء في سبيل رفعة وكرامة هذه الأمة العربية.
على الرغم من مأساوية المشهد وفداحة الألم إلا أنني أبشركم بأن الفجر يلوح باقترانه مع اشتداد العتمة، أبشركم بأن مع العسر يسرا حتى مع الأكاذيب بحجم الجبال، أبشركم بأن هنالك اقتران عضوي تاريخي بين عظم التضحيات ولذة النصر ولحظات الفرج، أبشركم بأن هؤلاء الأبطال حققوا النصر مهما كانت نتيجة هذا العدوان الإرهابي العربدي على غزة فلسطين، أبشركم بأن حجم المكتسبات يفوق بكثير تضحيات عشرين ألف شهيد، أبشركم بأن هذا المقاوم الذي داس على رأس العربدة الأمريكية – الصهيونية عندما سحب الجندي الاسرائيلي ذليلا من دبابته سيدوس مرة أخرى على وجه هذه العربدة والاستعلاء الأمريكي الذي طال عليه الأمد ويعيد لنا البصر الذي فقدناه من شدة الألم، أبشركم بأن أجيالنا القادمة لن تسامح ولن تغفر ولن تنسى وستجهز لكم الصاروخ المناسب والإعلام المناسب والاستعداد المناسب والقذيفة الأشد عتيا في المكان الصحيح والزمان الصحيح، أبشركم بأن النصر لنا لأن الله معنا والتاريخ معنا والبشرية الإنسانية معنا، وإن غدا لناظره لقريب!
نهاية المقال
____________________________________
كاتب عربي فلسطيني*