بثت إذاعة "ريشت بيت" الإسرائيلية، مؤخرا، تصريحات رئيس غرفة العمليات السابق في هيئة الأركان التابعة للجيش الإسرائيلي، الجنرال يسرائيل زيف، حيث أكد أن "حركة حماس قد حققت نجاحًا في الحرب ضد القطاع"، وفسر الجنرال زيف أن "إسرائيل لا تستطيع حل مشكلة الصراع في غزة بمفردها"، مشيرًا إلى أن مغادرة القطاع تشكل "روح الدولة"، وأضاف، ان مليون ونصف المليون لاجئ سيعودون إلى مناطقهم، وفي الوقت نفسه، أشار إلى أن تل أبيب ستناقش مستقبل مرحلة ما بعد الحرب على غزة في الأيام القادمة.
وفي وقت سابق، أدلى الجنرال زيف بتصريح يقول فيه "ينبغي على إسرائيل إعادة تعريف أهدافها في الحروب"، وأضاف إنه "بالتأكيد، لا يمكننا تدمير حركة حماس"، في وقت تواجه فيه "إسرائيل" أزمة استراتيجية ناتجة عن الهجوم الذي يجتاح قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
تورط إسرائيلي خطير
في الوقت الذي تورطت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي باقتحام غزة وقتل مواطنيها وتشريدهم بعد تدمير منازلهم، أشار المحلل السياسي الإسرائيلي، عاموس هرئيل، إلى أن "إسرائيل تواجه وضعاً استراتيجياً صعباً في غزة، ليس فقط بسبب التحديات التي تواجهها من حركة حماس في القطاع وحزب الله في الشمال، ولكن أيضاً بسبب تأثير آراء الجمهور الإسرائيلي"، حيث إن تكلفة الحرب في غزة قد تجاوزت 18 مليار دولار حتى الآن، ورغم ذلك فإن الصراع ما زال مستمرًا، مع إمكانية مواجهة الكيان "حرب استنزاف"، وخاصةً مع تزايد القلق لدى المستوطن الإسرائيلي العادي حيال أمانه ومستقبله في فلسطين.
وهذا القلق يتزايد مع جهود بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، لتقويض الديمقراطية في فلسطين، في حين يتأثر المواطن بفقدانات تسجل يوميًا في صفوف الجيش الإسرائيلي، وهذا الوضع يشكل تغييرًا جذريًا في الحياة اليومية للمجتمع الإسرائيلي، وقد حذر عاموس هرئيل من إمكانية نشوب حرب إقليمية نتيجة اشتعال الجبهة الشمالية مع حزب الله، ورأى أن هذا الاشتعال قد يتسع ليشمل مواجهة أكبر، ما يعني أن تل أبيب قد تدخل في "حرب استنزاف" حقيقية، وقريبة.
وتجدر الإشارة إلى أن الحرب اندلعت بين "إسرائيل" وحركة حماس الفلسطينية، التي تسيطر على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر الماضي، بعد سلسلة من الهجمات التي نفذتها الحركة على مناطق وبلدات في غلاف غزة نتيجة التمادي الإسرائيلي، وأسفرت تلك الهجمات عن وفاة نحو 1200 شخص واختطاف نحو 240 آخرين على يد الحركة الفلسطينية، حيث تم نقلهم إلى قطاع غزة، ووفقًا للسلطات الإسرائيلية، ردًا على ذلك، قادت تل أبيب حملة قصف متواصلة على القطاع، أسفرت عن وفاة أكثر من 21 ألف شخص، وكانت معظم الضحايا من النساء والأطفال، وفقًا لسلطات القطاع الصحية، كما تسببت الحملة في تدمير البنية التحتية للقطاع وفرض حصار كامل عليه.
وشهدت هذه الفترة هدنة استمرت لمدة 7 أيام، تم التوصل إليها بوساطة من مصر وقطر بالتعاون مع الولايات المتحدة، خلال هذه الهدنة، تم تبادل أسرى من بينهم نساء وأطفال، وتم إدخال كميات من المساعدات إلى قطاع غزة، وتتزايد قائمة أسماء الجنود الإسرائيليين القتلى بشكل مستمر، ما يؤكد على التحسن المستمر في مكانة حماس في نظر الجمهور، ليس فقط بسبب الهجوم المفاجئ الذي شنته هذه الحركة في السابع من أكتوبر، ولكن أيضًا لأنها تحقق نجاحًا في مواجهتها لهذا النظام، وفي حديث مع صحيفة وول ستريت جورنال، أكد ضابط إسرائيلي أن سيطرة الجيش الإسرائيلي على خان يونس في جنوب قطاع غزة، مثلما حدث في المناطق الشمالية، ستظل مستمرة لعدة أشهر، وأشار الضابط إلى أن عمليات حماس ضد الجنود الإسرائيليين في قطاع غزة تتم بشكل منظم على شكل فرق تتكون من شخصين إلى خمسة أفراد دفعة واحدة.
وفيما يتعلق بالتقارير الصادرة عن قوات القسام، إن المقاتلين دمروا بشكل كامل أو جزئي 35 مدرعة تابعة للجيش الإسرائيلي في مناطق متفرقة من قطاع غزة خلال الأيام الأربعة الأخيرة، وإن مقاتلي القسام قتلوا أكثر من 50 جنديًا إسرائيليًا وجرحوا عشرات آخرين، وإن الكتائب نفذت أكثر من 25 عملية أخرى استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي باستخدام الصواريخ المضادة للدروع والأفراد والتحصينات، ما يعني مواصلة المقاتلين للتصدي للقوات الإسرائيلية من مسافات قريبة وبعيدة، وأفاد أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام التابعة لحركة حماس، بأن مقاتلي القسام قد فجّروا أنفاقاً مفخخة بعد وصول قوات وحدة يالوم، وقاموا بتفجير حقل للألغام عند دخول قوات العدو، مستهدفين أسلحتهم، وأشار إلى أنه تم تنفيذ 6 عمليات إطلاق نار فردية، واستهداف مقاتلو القسام مقر القيادة الميدانية للعدو وقواته وأدواته الحربية بوسائل متنوعة مثل قذائف الهاون والصواريخ قصيرة المدى، كما هاجموا مدينة تل أبيب بالصواريخ.
تحديات كبيرة لجيش الاحتلال
مؤخراً، تم اعتقال عدد من جواسيس الكيان الصهيوني، حيث إن قادة المقاومة تمكنوا من التعرف على جواسيس تل أبيب في قطاع غزة واعتقالهم بعد مراجعة الوثائق الأمنية التي تم الحصول عليها خلال عملية اقتحام الأقصى، وهذه الوثائق تحتوي على معلومات حساسة حول طرق تواصل جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" مع جواسيسه في قطاع غزة وطرق عمل هؤلاء الجواسيس، وهذا يمثل تحديًا كبيرًا لجهاز المخابرات الإسرائيلي في غزة، وبالتالي إن انتهاء الحرب دون هزيمة حماس والقضاء عليها قد يؤدي إلى محاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم الشنيعة، بينما ستتعرض "إسرائيل" لضغط كبير وتأثير سلبي في الجبهات الأخرى.
وفي حال أرادت حكومة نتنياهو الغرق أكثر، فإن القتال في قطاع غزة قد يستمر لمدة شهرين إضافيين، ومن المتوقع أن يستمر التموضع والوضع العسكري داخل القطاع بعد ذلك الحين، ورغم المهلة التي وضعها الرئيس الأمريكي جو بايدن لإنهاء الحرب بحلول يناير، يشير التقدير الإسرائيلي إلى استمرار القتال وعدم وجود وقف لإطلاق النار في المستقبل القريب، وفي الوقت الحالي، يصعب استنساخ العمليات العسكرية التي نفذتها القوات الإسرائيلية في شمال قطاع غزة على جنوبه، نظرًا لارتفاع كثافة السكان في هذه المنطقة بسبب حركة النزوح إليها، وخاصة أن معظم الأسرى الإسرائيليين يتواجدون في تلك المنطقة، ما يجعل التنفيذ الفعّال للعمليات معقد أكثر، وعليهم النظر إلى أن تمديد مدة الحرب لفترة طويلة قد يواجه رفضًا أمريكيًا.
ولا شك أن حلم القضاء على حركة حماس يتطلب من جيش الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ استراتيجية مشابهة لتلك التي تم تنفيذها في الضفة الغربية خلال عملية "السور الواقي" في إبريل/نيسان 2002، واستمرت تلك العملية لعدة أشهر، تلتها عمليات عسكرية إسرائيلية في أرجاء الضفة الغربية لسنوات عدة، ويجدر بالذكر أن المقاومة الفلسطينية قد فجرت نحو 100 آلية للقوات الإسرائيلية، ويظهر صمود حركة حماس حتى الآن كرمز للصمود الذي يعتبر تحدياً لأي دولة، في هذا السياق، ويعكس استخدام تل أبيب للقوة الزائدة في مواجهة الشعب الفلسطيني الصامد، والتصاعد المستمر للهجمات الإسرائيلية، مأساة إنسانية تسببت في استشهاد أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء وأكثر من 21 ألف شخص، ناهيك عن 75 ألف جريح.
ويبقى الجيش الإسرائيلي في حالة من الارتباك، حيث يفتقر إلى القدرة على تحديد هوية من يقاتل، ويواجه تحديًا في التعامل مع خصوم يعتمدون على أساليب حرب غير تقليدية، تمثل هذه التحديات في الهجمات المفاجئة والاستخدام الفعال للأنفاق من قبل المقاومة الفلسطينية، وتجسد حوادث مثل مهاجمة عدة دبابات في كمين فجأة عند دخولها غزة وتفجيرها، وهذا النوع من الهجمات يفضح عجز الجيش الإسرائيلي عن تحديد هوية الخصوم بشكل فعال، والحوادث المتكررة كهذه تبرز وحشية العمليات العسكرية التي تشنها "إسرائيل" ومدى قوة المقاومة وشجاعتها، وتثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لتلك الهجمات، وخاصة أنها لم تحقق أهدافها المعلنة مثل إنهاء سيطرة حركة حماس أو تحرير الأسرى.
وتظهر الوقائع المقدمة في الميدان بعض الجوانب الرئيسية والتحديات التي تواجه الكيان خلال هجومه الحالي في قطاع غزة، ويُبرز فشل "إسرائيل" في تحقيق أهدافها المعلنة ضد المقاومة الفلسطينية، وخاصةً حماس وكتائب القسام، الصمود المستمر والمقاومة الفعّالة تعني أن الأهداف مثل القضاء على حماس وتحييد قطاع غزة تظل صعبة التحقيق، والتكلفة المالية والاستنزاف الكبير يضغطان على الميزانية الإسرائيلية، الحرب قد تكون غير مستدامة اقتصاديًا، وتسببت في ضغوط دولية واتهامات بارتكاب جرائم حرب، ما يزيد من التحديات، والضغوط الدولية تشكل تحديًا، وخاصةً بعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة فرض وقف فوري للحرب، كما أن الضغط الدولي يُظهر توتر العلاقات الدولية والتحديات الإعلامية والسياسية التي تواجهها تل أبيب.
أيضا، التحقيق في أهداف سياسية محددة مثل التسوية والتحكم في قطاع غزة يبدو صعبًا، وخاصةً في ظل الاستمرار في المقاومة، مع تحضيرات لتغييرات كبيرة في القيادة العسكرية، وهو ما يشير إلى أن الحملة البرية قد فشلت، وربما تستعد "إسرائيل" للتحول إلى استراتيجيات أخرى، ناهيك عن حالة من الهلع وقلة الكفاءة في صفوف الجنود الإسرائيليين بعد مقتل 3 أسرى إسرائيليين في غزة، وهذا يعكس ضعفًا في التحضيرات والتخطيط، ما يؤدي إلى انتقادات داخلية، وقد شاهدنا موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي انتقد غارات "إسرائيل" واصفًا إياها بأنها "عشوائية" و"ترقى لارتكاب جرائم حرب"، وهذا يُظهر تغيّرًا في الدعم الأمريكي للسياسات الإسرائيلية التقليدية.
في الختام، "إسرائيل" فشلت في حربها على غزة وقد تفقد الدعم الدولي نتيجة لارتفاع عدد الضحايا وتنامي الانتقادات، وهذا يجعل إدارة بايدن تواجه تحديات خارجية بسبب تصاعد الأزمة، وموقف الرأي العام الداخلي يُظهر دعمًا لوقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح المحتجزين، وتشير المعلومات إلى أن هناك توجهًا نحو تغيير في الحكومة الإسرائيلية، مع خطورة توسّع الحرب، وتظهر العواقب المتوقعة، بما في ذلك استمرار التكلفة المالية والفقدان الدولي للدعم، بالإضافة إلى تحديات محتملة مثل استهداف السفن الإسرائيلية وتحويل مسار السفن، إلى جانب تشكيل تحالف "عملية حارس الرخاء" الذي لم يجدِ نفعا.
انتهى