إيران تصفع إسرائيل.. ونتنياهو يقرع طبول الحرب
فعلتها إيران، وضربت ناقلتي نفط صهيوني قرب جزر المالديف مثلما جرى استِهداف سفن إسرائيلية أُخرى قُبالة السواحل اليمنيّة والسعودية جرى التكتّم عليها، في أول رد لها على عملية ” اغتيال القيادي صالح العاروري ” البارز في حركة حماس، ففاجأت الجميع، وغيّرت بسرعة فائقة خطاب عدم الجرأة والخوف إلى خطاب القوة والإنتقام، رافضة بذلك تكريس معادلة تقول أن الضربات الإسرائيلية يمكن أن تمرّ مرور الكرام دون ردّ، فارضة في المقابل معادلة من نوع آخر، معادلة عنوانها “من يعتدي على المقاومة سنحرقه ونجعل منه عبرة للعالم”.
ي إطار ذلك، إن العملية النوعية التي نفذتها ايران تدل على أن العدو ضعيف وهش ودليل آخر على قدرة المقاومة على تلقينه الدروس القاسية.
قرعت ايران وحزب الله طبول الحرب مع إسرائيل بعد أن نفذت غارة على مكتب تابع لحركة “حماس” في الضاحية الجنوبية لبيروت، والصراع بين الجانبين طفا على السطح من جديد، وبدأ يكشر عن أنيابه، وبعد توعد إيران وحزب الله بالإنتقام، أعلن حزب الله مسؤوليته عن إطلاق صواريخ مضادة للدبابات على مركبات عسكرية إسرائيلية، إذ قتل وأصاب عددا من الجنود الإسرائيليين في هجوم إستهدف دوريتهم بمزارع شبعا اللبنانية المحتلة؛ هذا مما دفع الإسرائيليين إلى العيش في حالة خوف ورعب وتوترٍ، كونهم يخشون من أن تؤدّي هذه العملية إلى حرب شاملة ومفتوحة تندلع مع حزب الله وحتى مع إيران وسورية وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية.
اليوم باتت المواجهة بين الكيان الإسرائيلي وايران وحلفائها قاب قوسين أو أدنى، فالردود الأخيرة المتبادلة بين الطرفين كانت عبارة عن رسائل أولية محسوبة بينهما، قد تتدحرج الكرة وتنزلق إلى معركة كبيرة كما حدث في العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة الصيف الماضي.
إيران نفذت عمليتها الأخيرة بين حدي رفض القبول بأي إعتداء عليها وعلى المقاومة، مؤكدة على أنها لن تكون الأخيرة وقد يتبعها عمليات معقدة للجم الأقاويل عنها في ظل سخونة الجبهة الشمالية.
في هذا الإطار ومنذ الإعلان عن جريمة الاغتيال الإسرائيلي لقادة المقاومة، تعيش إسرائيل وذيولها حالة متنامية من القلق والخشية غير المسبوقين، فالكيان الصهيوني متيقن من أن الرد آت لا محالة، ومفتقر في الوقت نفسه إلى معلومات حسية تقوده إلى تحديد مكان الرد وزمانه وحجمه وأسلوبه، الأمر الذي يطلق العنان لتقديرات وتنبؤات استخبارات واسعة، وهي في أغلبها تقديرات تشاؤمية مقلقة.
وهنا يمكنني القول : إن إنجاز ايران هذه العملية تحمل رسائل متعدّدة، وموجهة للكيان الصهيوني وحلفائه القدامى والجدد في الوطن العربي؛ الرسالة الأولى كرّست مقولة أنّ طهران لن تسكت على دماء مجاهديها ورجال المقاومة الفلسطينية، وأنّ ثأرها لهم آتٍ لا محالة، مهما طال الزمن، وإنها على جهوزية كاملة لردع الاحتلال.
أما الرسالة الثانية، فتنطلق من تأكّيدها أنّه من يحدّد قواعد اللعبة ليست إسرائيل وإنما ايران ومقاومتها من حيث تحديد المكان والزمان المناسبين، أما الهدف من تلك العملية هي رغبة إيرانية بمشاركة حزب الله اللبناني في خوض حرب إستنزاف تنهك الإقتصاد الإسرائيلي. ويبدو أن إسرائيل أصبحت تلفظ أنفاسها الأخيرة، بهمة المقاومة وبهمة من لا يريدون أن تدنس أرض الانبياء والأولياء بأقدام أقزام الارهاب .. إسرائيل سوف لن تبقى منها الا ذكريات القتل والتدمير التي خلفتها طوال السنين العجاف، ذكريات مزينة بلون الدم ورائحة الموت.
هذا الرّد لم يُفاجئنا نحن الذين كتبنا في هذا السياق، لذلك نحن أمام انقلاب خطير في قواعد الاشتباك في المنطقة، عنوانه الأبرز انتقال الإيرانيين من ضبط النفس إلى الرّد الفوري على الاعتداءات الإسرائيلية، ومن هنا ليست السفن الإسرائيلية لم تَعد آمنة فقط، وإنما الموانئ والمطارات ومحطات الكهرباء في العمق الإسرائيلي أيضاً في المرحلة القادمة، ويتحمل نتنياهو المسؤولية الأكبر عن حالة التصعيد وسيدفع الإسرائيليون جميعاً ثمن هذا الاستفزاز من أمنهم واستقرارهم وراحتهم.
في هذا السياق ستنجلي الأيام والأسابيع القادمة عن تداعيات هامة وكبيرة لهذه الحرب أهمها انحسار الهيمنة العسكرية الإسرائيلية على المنطقة لصالح توازن قوى جديد يفرضه محور المقاومة، فهناك شرق أوسط جديد سيظهر، لكنه ليس وفق رغبات تل أبيب، وإنما وفق توازن القوى الجديد، كل هذه التطورات المتوقعة تشكل مفصلاً تاريخياً يؤثر بصورة كبيرة على كل المخططات والسياسات الإسرائيلية- الغربية في المنطقة، وستدخل المنطقة في مرحلة تاريخية جديدة تهدد بقاء إسرائيل وقدرتها على الاستمرار في السيطرة على ثروات المنطقة، ولهذا فإنه نظرا للقوّة الصاروخية التي يمتلكها الجيش الإيراني وحزب الله والقادرة على ضرب أي مكان في إسرائيل، فضلاً عن قدراتهم الهجومية التي لا تزال في إرتفاع مستمر، ليس لمصلحة إسرائيل في فتح جبهة مع طهران، ليصل الأمر بالمقابل إلى إعتبار أن سيناريو الحرب القادمة مع إيران سيكون الأخطر في تاريخ إسرائيل.
وبإختصار شديد، إن العملية التي نفذتها إيران والمقاومة أكدت على مصداقيتهم وقدرتهم في رد الصاع صاعين لإسرائيل، وعلى أهمية الثقة بالنفس وإمتلاك الإرادة والشجاعة لقوى المقاومة في التعامل مع العدو ووجوده الغاصب على أرض فلسطين وأي بقعة في الأراضي العربية، فالعملية رد طبيعي على جرائم الاحتلال، لذلك لا بد من تشكيل جبهة مقاومة وغرفة عمليات موحدة لوضع إستراتيجية جديدة للمقاومة في الأراضي الفلسطينية، واللبنانية، والعربية المحتلة.
_____________________________________
*كاتب سوري