في الاول من فبراير حلّت الذكرى الخامسة والاربعون لعودة الامام الخميني (رض)، الى أرض الوطن عائداً من منفاه، وبعد عودته بعشرة أيام أي في الحادي عشر من فبراير عام 1979 انتصرت الثورة الاسلامية في إيران؛ وهذه الايام العشرة سميت في إيران بـ "عشرة الفجر" استلهاماً من الآية الكريمة : ﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾.
لقد كان حقاً فجراً جديداً في ايران؛ التي عادت الى دائرة الحضارة الاسلامية بقوّة بعد أن أُريد لها لعقود سبقت أن تنفصل عن هذه الدائرة، وعن القضايا التي تهمّ هذه الدائرة ثقافياً وسياسياً واجتماعياً.
لقد أُريد لإيران أن تكون قاعدة (المكر الاستكباري)، وشاء الله أن تكون قاعدة مواجهة جبهة الاستكبار ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
أُريد لإيران ان تكون شرطي المنطقة للدفاع عن المصالح الاستعمارية واصبحت المدافع الأكبر عن شعوب المنطقة أمام الأطماع الأجنبية.
وأريد لها أن تكون حليفة للعدوّ الصهيوني وراعية لمصالح هذا العدوّ، وتحوّلت الى المدافع الاول عن حقّ الشعب الفلسطيني والمطالب بتحرير فلسطين من البحر الى النهر.
لا يمكن في مقال حتى تعداد معطيات عشرة الفجر في المواقف الداخلية والخارجية لصالح التحرر من سيطرة معسكر الهيمنة العالمية، ووقوفها الى جانب مصالح الأمة عامة والساحة العربية بشكل خاص.
كل هذا تحقق بفضل الله ومنّه وبصمود هذا البلد شعباً وقيادة أمام جبال من التحديات.
لم يقتصر الأمر على إيران، بل امتد وهج هذا التحوّل الى أصقاع الأرض، فكان لأعداء الأمة زلزالاً (كما صرّح العدو الصهيوني بذلك) وكان لأبناء الأمة، التواقين الى فجر جديد، نوراً وهدى وإحياءً.
لقد أحيا النفوس التي كادت أن تموت في ظلمات طواغيت الأرض، واعاد الأمل الى الشعوب التي كاد اليأس أن يخيّم عليها من أي مستقبل واعد. وتصاعدت روح المقاومة لدى من أُريد لهم أن يستسلموا ويخضعوا لاتفاقيات المهانة والاذلال.
ومع انبثاق هذا الفجر الجديد توجهت الانظار الى غدٍ تمتلئ فيه الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً؛ الى غدٍ يتحقق فيه قوله سبحانه: ﴿وَنُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَی الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِینَ﴾.
البشرية في تكامل متواصل رغم كل العقبات. وإنها تطوي مراحل تكاملها مرحلة بعد مرحلة، حتى تصل الى المرحلة الأخيرة التي سُميّت في تراثنا بأنها مرحلة (آخر الزمان).
وهذا ما تجمع عليه المدارس الفكرية. فالمدرسة الماركسية ترى أن ذلك يتحقق بزوال الصراع الطبقي في مرحلة سيادة (الشيوعية). والمدرسة الغربية ترى أن ذلك يتحقق بسيادة الليبرالية الديمقراطية في العالم كما ذهب الى ذلك فوكوياما في اطروحته: (نهاية التاريخ والانسان الاخير).
والدين الألهي الخاتم يرى أن آخر الزمان أو المرحلة الاخيرة من تكامل البشرية يتحقق لدى سيادة الرسالة السماوية على ظهر المعمورة، وذلك لدى ظهور المهدي المنتظر عليه السلام. كما تمجمع عليه المذاهب الاسلامية بأجمعها من سنّة وشيعة. ألا يحق لنا أن نقول إن عشرة الفجر هي بداية طلوع فجر جديد على العالم؟!
عطش البشرية الى سيادة القسط والعدل في ظل مشروع يحقق لها آمالها وأشواقها الروحية رصيد ضخم لانتظار المهدي المنتظر (عج). والتحولات الضخمة التي تشهدها الساحة البشرية، تبشّر بالتوجه نحو هذا الظهور. وعسى ان تكون عشرة الفجر مناسبة لاستذكار هذا المستقبل الواعد، ولحثّ الخطى نحو بزوغ الفجر المرتقب. بإذن الله تعالى.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية /
العلاقات الدولية
انتهى