السابع من اكتوبر جاء ليترك علامة فارقة في تاريخ "الصراع العربي الصهيوني"، ويحطم كل الطموحات والآمال، ولترسل حركة المقاومة الإسلامية في غزة، وعلى رأسها "حماس"، رسالة مفادها "ان الاقليم لن يهدأ على حساب الفلسطينيين وحقوقهم في إنشاء دولتهم".
د. معن علي المقابلة*
طوفان الأقصى وبداية تحطيم الحلم الصهيوني
تنـا
راي اليوم , 15 Mar 2024 ساعة 3:23
السابع من اكتوبر جاء ليترك علامة فارقة في تاريخ "الصراع العربي الصهيوني"، ويحطم كل الطموحات والآمال، ولترسل حركة المقاومة الإسلامية في غزة، وعلى رأسها "حماس"، رسالة مفادها "ان الاقليم لن يهدأ على حساب الفلسطينيين وحقوقهم في إنشاء دولتهم".
لم يكن أكثر المتشائمين في الكيان الصهيوني او دول التطبيع العربي يتصور لبرهة من الزمن ان القضية الفلسطينية ستعود لمربعها الاول غضة يانعة كزيتون جنين وأزهار برتقال يافا وسنابل سهل مرج عامر، وهذا الحضور الطاغي على الساحتين الإقليميّة والدولية.
رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو هذا الزعيم التاريخيّ للحركة الصهيونية وللكيان او هكذا يُفترض ان يكون لولا السابع من تشرين الاول(اكتوبر)، وكان من الممكن ان يبز ويتقدم على مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هيرتزل، وكذلك مؤسس الكيان وأول رئيس له ديفيد بن غوريون، نتنياهو الذي أمضى معظم العقد الاخير من القرن الماضي والربع الاول من القرن الحالي(١٩٩٦-إلى الان) رئيساً لوزراء الكيان مصمماً على تحقيق وعد بلفور ورؤيته الشخصية في بناء الكيان الصهيوني على ارض فلسطين كل فلسطين ضارباً بعرض الحائط كل القرارات الدولية التي تعطي للشعب الفلسطيني دولته المستقلة على ارضه المحتلة(الضفة الغربية) وعاصمتها القدس.
ففي خطابه الذي ألقاه امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والسبعين والتي تمحورت حول آفاق وآثار التطبيع مع الدول العربية ودوره الشخصي في تغيير الشرق الأوسط، فقد رفع اثناء خطابه خارطة ضمت مناطق مضللة باللون الأخضر الداكن للدول التي تربطها اتفاقات سلام مع الكيان الصهيونى او تخوض مفاوضات لابرام اتفاقات سلام معه، كما ضمت الخريطة المناطق المضللة باللون الأخضر دول مصر والسودان والإمارات والسعودية والبحرين والأردن ولم تشمل الخريطة اي ذكر لوجود دولة فلسطينية، اذ طغى اللون الأزرق الذي يحمل كلمة(إسرائيل) على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملة بما فيها قطاع غزة.
الحق يقال ان نتنياهو وبجهوده الذاتية مدعوماً من واشنطن بصرف النظر عمن يجلس في البيت الأبيض استطاع ان يمرر فكرة السلام مع الدول العربية مقابل السلام والازدهار في المنطقة وهي رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيما عرف بصفقة القرن، ويبدو ان العرب ومن خلال الاتفاقات الإبراهيمية التي تقودها ابو ظبي مررت هذا الأمر واصبحت فكرة ادماج الكيان الصهيوني في المنطقة دون إقامة دولة فلسطينية حقيقة شبه ماثلة امام الجميع وبدعم من واشنطن التي كانت تتحضر لترك المنطقة بيد الكيان الصهيوني لتتفرغ لصراعها مع الصين وروسيا، وهذا ما جعل نتنياهو يقول لماذا احفل باثنين بالمائة وهم الفلسطينيين واترك ٩٨٪ من العرب.
فجاء السابع من اكتوبر هذا التاريخ الذي سيترك علامة فارقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، ليحطم كل هذه الطموحات والآمال ولترسل حركة المقاومة الإسلامية في غزة وعلى رأسها حماس رسالة مفادها ان الاقليم لن يهدأ على حساب الفلسطينيين وحقوقهم في إنشاء دولتهم.
فقد جاء حجم الرد عل طوفان الأقصى من قِبل نتنياهو والكيان الصهيونى و واشنطن مرعباً بحيث قامت الأخيرة بتحريك بارجاتها وحاملات طائرتها ومدمراتها للمنطقة لحماية الكيان ولأرسال رسالة واضحة وقوية لا لبس فيها لمحور المقاومة بعدم التدخل في الحرب، كما ان الكيان استدعى الاحتياط وسخر كل امكاناته للحرب كأنه سيخوض حرب ضد دولة عظمى وليس ضد فصيل من فصائل المقاومة الفلسطينية، وعندما نرى حجم الدمار الذي أحدثه ويحدثه جيش الكيان في غزة واتباع سياسة الارض المحروقة ندرك حجم الخسارة التي مني بها كل من الكيان الصهيونى و واشنطن وبعض دول التطبيع العربي.
مما لا شك فيه ان طوفان الأقصى احدث هزة لم يستوعبها مقياس ريختر، فقد أعاد القضية الفلسطينية للواجهة من خلال هذا التحرك غير المسبوق للرأي العام العالمي وبخاصة الأوروبي والأمريكي الذي اخذ يضغط وبشكل واضح على حكوماته، وكيف ان الرواية الصهيونية حول القضية الفلسطنية بدأت تتحطم وخاصة بين الشباب الأوروبي والأمريكي، وليس هذا وحسب بل نجد ان الكثير من اليهود في الغرب بدأوا بالحديث عن اختطاف الصهيونية لليهودية.
اما على المستوى الصهيوني فقد اصبح يطرح ولأول مرة في تاريخ هذا الكيان سؤال المصير اي مصير الكيان الصهيونى، والوجود لتتأكد حقيقة للقاصي والداني مفادها ان هذا الكيان كيان مصطنع وقابل للتفكيك في اي لحظة تاريخيّة، فقد ورد على لسان اكثر من قائد من قادة العدو قولهم ان وجودنا في خطر وان معركتنا معركة وجود.
اما على المستوى العربي فلم يكن وقع هزة السابع من اكتوبر اقل تأثيراً من الكيان الصهيوني وخاصة دول التطبيع، ففي الوقت الذي كانت فيه المنطقة تتحضر لدمج الكيان الصهيوني كجزء وسيد فيها بأخر محطاتها بالتطبيع مع السعودية بحيث يصبح هذا الكيان شرطي المنطقة والحامي لمصالح الغرب والعرب من شعوبها ومن ايران فمهمة هذا الكيان حراسة التخلف والاستبداد في المنطقة، جاء السابع من اكتوبر ليقلب الطاولة على الجميع.
يبدو ان الرياح تجري بما لا تشتهي تل ابيب و واشنطن، فالحرب وكما اكدتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية(السي آي إيه) قد تطول لسنوات وهذا امر واقعي فكل حركات التحرر في العالم خاضت حروبها مع المستعمر سنوات وعقود وكانت نتيجة هذه الحروب والمقاومة دائماً لصالح حركات التحرر كما في كوبا و نيكاراجوا و الجزائر و فيتنام و جنوب افريقيا و افغانستان…الخ، ولن تكون فلسطين استثناءً وبوجود هذا الشعب العظيم على ارضه.
فهل يقرأ النظام الرسمي العربي المطبع المشهد جيداً ؟!!!.
________________________
* باحث وناشط سياسي/الأردن
رقم: 628322