د. زياد علوش*
تبنى مجلس الأمن الدولي للمرة الأولى قرارا يدعو لوقف إطلاق النار في قطاع غزة مع دخول الشهر السادس على المجازر الإسرائيلية، حيث أحجمت الولايات المتحدة الامريكية -الداعم الرئيسي لـ "اسرائيل"- عن استخدام حق النقض (فيتو) هذه المرة، في حين ألغى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو زيارة وفد إسرائيلي إلى واشنطن لمناقشة البدائل الممكنة للهجوم على “رفح”احتجاجا على امتناع الأخيرة عن التصويت،حيث اعتبرت واشنطن ان الموقف الامريكي امر سيادي خاص بها.
وصوت مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الذي قدمه الأعضاء المنتخبون بالمجلس ودعمته المجموعة العربية، بأغلبية 14 صوتا، فيما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت،معللة ذلك بأنه لم يدين “حماس”في السابع من اوكتوبر.
ويطالب القرار الذي يحمل الرقم “2728” بوقف فوري لإطلاق النار في غزة في رمضان، تحترمه الأطراف ويؤدي إلى وقف ثابت ومستدام”.
كما يدعو النص إلى “الإفراج الفوري وغير المشروع عن جميع الرهائن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية”، ويطالب “الطرفين بالامتثال لالتزاماتهما بموجب القانون الدولي بشأن جميع الأشخاص المحتجزين”.
رحبت حركة “حماس” بالقرار ودعت للضغط على "اسرائيل" لوقف العدوان والانسحاب من غزة وإعادة النازحين،وابدت استعدادها للانخراط في عملية التفاوض للافراج المتبادل عن الاسرى؛ موقف حماس يعبر عن القبول بأفضل الممكن بما تفرضه موازين القوى الدولية.
الردود "الاسرائيلية" جاءت رافضة ومتوعدة باستمرار العدوان،جملة تصريحات امريكية حاولت تفريغ القرار من مضمونه،المندوبة الامريكية في المجلس اعتبرت ان القرار غير ملزم تبعها جون كيربي بالقول ان سياسة واشنطن لم تتغير تجاه تل ابيب فيما اكد المندوب الصيني ان كل قرارات المجلس ملزمة.
هناك من يعتقد ان الموقف الامريكي مجرد تنبيه لسياسات نتنياهو تجاه بايدن والتي احدثت انقساماً داخل تل ابيب حول خطورة تحدي واشنطن،رغم ذلك من الممكن ان يوظف بايدن الموقف الامريكي الجديد ضمن حملته الانتخابية لارضاء منتقدي سياسته تجاه ما يحدث في غزة وأيضاً محاولة من الادارة الامريكية لتخفيف امتعاض المجتمع الدولي وهيئاته الانسانية والقانونية، في حين ان نتينياهو يمكنه مجادلة الاسرائيليين انه رئيس الوزراء المناسب الذي بإمكانه مواجهة كل الضغوط التي تمارس على "اسرائيل" في سبيل تحقيق اهدافها باستمرار الحرب.
إن قرارات مجلس الأمن بصفة عامة قرارات ملزمة، لكن هذا القرار لا يتمتع بأي صيغة تنفيذية، لأنه صدر بناء على الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، ولم يصدر بناء على الفصل السابع، ولم تتم الإشارة فيه إلى مسألة تهديد الأمن والسلم الدوليين.
فالقرار لم ينص على أمر إلزامي، بل ذهب إلى الحض على وقف إطلاق النار في فترة زمنية مرهونة برمضان، غير أنه أكد أن أهمية القرار تكمن في كونه يضع "إسرائيل" في “موقف محرج، وقد يؤدي إلى فرض عقوبات عليها من قِبل بعض الدول إذا لم تلتزم به، لكن ليست عقوبات من قِبل مجلس الأمن أو تدابير عسكرية،القرار أُدرج ضمن الفصل السادس “بناء على طلب أميركي حتى لا يتم التصويت بحق النقض (فيتو)”، ومع ذلك فإن القرار “مهم” ويؤسس لوقف إطلاق النار، وكان يمكن أن يكون له صيغة تنفيذية إذا صدر بناء على الفصل السابع، الذي يؤدي إلى استخدام القوة في مواجهة الدولة التي لا تلتزم بمقتضيات القرار.
ربما لا يوقف القرار العدوان "الاسرائيلي" بشكل فوري لكنه يشكل ضغوطاً هائلة في هذا الاتجاه، خصوصاً انه جاء بعد موقفي الهيئة العامة للامم المتحدة ومحكمة العدل الدولية وصرخات المنظمات الحقوقية والانسانية. ما يحتاجه القرار هو المتابعة الفاعلة من الدول العربية والاسلامية لتعميق عزلة "اسرائيل" واغتنام فرصة التباينات المعلنة بين واشنطن ونتنياهو.
_______________________________
* كاتب صحفي ومحلل سياسي لبناني