ليس ببعيد عنّا عصر العزّة والكرامة، عصر اعتبار التطبيع مع العدو الصهيوني جريمة لا تغتفر، عصر اللاءات الثلاثة في الخرطوم، عصر خروج الملايين من أبناء الشعوب العربية والاسلامية إلى الشوارع منددين ومنذرين ومطالبين حين يتعرض بلد من بلدان العالم الإسلامي لعدوان.. عصر نهوض علماء الأمة بوجه أي تآمر يستهدف الركون إلى أعداء الأمة، وننقل هنا وثيقة تتضمن رسالتين متبادلتين بين أكبر مرجع للشيعة في زمانه هو الإمام الراحل "السيد محسن الحكيم" من النجف الاشرف، وأكبر مرجع للسنة يومئذ هو الإمام الراحل "محمود شلتوت" أمام الأزهر الشريف، بمناسبة نبأ اعتراف شاه ايران بالعدوّ الصهيوني.
رسالة العلامة شيخ الأزهر محمود شلتوت إلى سماحة آية الله السيد محسن الحكيم :
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي في الله صاحب السماحة الأستاذ العلاّمة السيد محسن الحكيم/النجف ـ العراق
سلام الله عليكم ورحمته وعلى جميع إخواننا وإخوانكم علماء العراق الشقيق، وكلّ من ينهض مدافعًا عن الحقّ، ومحافظًا على الوحدة والأُلفة بين المسلمين.
أمّا بعد، فإنّ سماحتكم وجميع إخوانكم الأجلاّء تعلمون نبأ الحادث المحزن الذي حدث في هذه الأيام، وذلك هو اعتراف.. شاه إيران بعصابة إسرائيل التي اعتدت على فلسطين، وشتّت أهلها، واغتصبت حقوقهم.
هذا الاعتراف أقلقنا جميعًا، كما أقلق كلّ مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، إذ كيف يقدم ملك مسلم لشعب مسلم على تأييد أعداء المسلمين وموالاتهم؟! ولقد أبرقنا لـ.. الشاه مرّتين، وأبرقنا لسماحة السيد البروجردي «قم» منبّهين إلى خطورة الشاه الذي هو شيعي من إخواننا الإمامية ممّا قد ييسّر الذين يحبّون أن يصّيّدوا في المياه العكرة وهمسة التشويش، ومحاولة قصم الروابط التي عملنا على تقويتها، هذا فضلاً عن منافاة ذلك الدين منافاةً صريحةً لاتحتمل التأويل.
ولا شكّ أنّكم أسفتم لذلك كما أسفنا، وأنّكم أنتم وسائر إخواننا وإخوانكم علماء العراق الكرام ستبذلون كلّ ما في وسعكم من السعي لاستنكار هذا القرار بقوّة، والعمل على أن يرجع الشاه عنه كما رجعت حكومة الدكتور مصدّق في إيران عن مثله، كما سيكون له تأثير حميد عندنا إذ تبيّن للناس جميعًا أنّنا وإيّاكم زملاء في الجهاد، والعمل على رفع راية الإسلام، وتثبيت الوحدة بين أهله، وإنّا لما تبعثون به إلينا من بيان سعيكم الموفّق وعملكم الصالح لمنتظرون، وإنّه المسؤول أن يكلأكم برعايته، وأن ينفع المسلمين ببركاتكم، وصالح سعيكم.
والسلام عليكم ورحمة الله.
أخوكم /
محمد شلتوت شيخ الجامع الأزهر/
القاهرة 1380 هـ
رد آية الله السيد محسن الحكيم :
بسم الله وله الحمد
فضيلة العلاّمة الجليل الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر/القاهرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
تلقينا برقيتكم الكريمة، تستنكرون فيها اعتراف إيران بإسرائيل، فشكرنا لكم اهتمامكم بأُمور المسلمين، وحرصكم على تقوية الرابطة الإسلامية بينهم، وإنّنا منذ بلغنا نبأ هذا الاعتراف بادرنا إلى إبلاغ استنكارنا الشديد إلى المسؤولين في إيران بواسطة بعض إخواننا العلماء في طهران، وأوضحنا لهم خطورة الموقف واستياء الأمة الإسلامية، ونصحنا لهم بالاحتفاظ بواجبهم الإسلامي، ورعاية شعور المسلمين، وتلقّينا الجواب واضحًا: عدم صدور أيّ اعتراف من إيران بإسرائيل، وأنّه ليس في نيّة الحكومة ذلك، لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل، ومظهرًا للعطف على قضايا المسلمين في كلّ مكان.
وإنّنا إذ نستنكر كلّ خطوة تتّخذ لتعزيز كيان إسرائيل من أيّ جهة كانت، نلفت أنظار المسلمين كافّةً إلى الظرف العصيب الذي يحيط بهم، وندعوهم جميعًا إلى رصّ صفوفهم، وتوحيد كلمتهم، ليقفوا جبهةً موحّدةً أمام التيارات العاتية من قوى الظلم والكفر والطغيان، والتي جعلت همّها الأول محاربة الإسلام وإبعاده عن واقع المسلمين، وما إقامة إسرائيل في فلسطين إلاّ مَثَلٌ من الأمثلة الكثيرة على محاولة ضرب الإسلام والوقوف في طريقه.
ومن هنا كان لزامًا على المسلمين عامّة، والحكومات القائمة في بلاد المسلمين خاصّةً، أن يرجعوا إلى حظيرة الإسلام، ويلتفّوا حول لوائه الظافر الذي هو عنوان نصرهم وعزّتهم، ويستمدّوا تشريعاتهم من ينبوعه الثري، ومنهله الصافي، ليستعيدوا مجدهم وكرامتهم، ويحلّلوا ما حلّل الإسلام، ويحرّموا ما حرّمه.
وما هذه المآسي التي ضجّت بها حياة المسلمين إلاّ أثر من آثار تهاونهم في الإسلام، وإبعاده عن إدارة شؤون الأُمة، الأمر الذي ينذرهم بالخطر، ويهدّدهم بالخذلان.
وختامًا، نبتهل إلى العلي القدير أن يجمع كلمة المسلمين على التقوى والهدى، ويأخذ بأيديهم إلى ما فيه صلاحهم ونجاحهم، إنّه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محسن الطباطبائي الحكيم
النجف الأشرف ـ العراق 1380هـ
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية
انتهى