د. جواد الهنداوي*
ابتدأت في اكبر الجامعات الأمريكية،ثُّمَ عمّت جميعها، اي انطلقت شراراتها في الدولة ( امريكا ) التي تشارك اسرائيل في ارتكاب الابادة والمجازر، واذا لم نقلْ ( تشارك ) ، فهي الداعم الاول لإسرائيل في السلاح والمال والمواقف السياسية والعسكرية، وكلّما أمعنت إسرائيل في الجرائم، وتهيأت لاجتياح رفح، و امتنعت عن قبول وقفاً لإطلاق النار، و ابتعدت عن الحلول السلميّة للقضيّة الفلسطينية، كافئها الكونغرس الأمريكي بمنح مالية ضعف ما تمناه لها الرئيس بايدن ، فهي حصلت للتو على ٢٦ مليار دولار من الكونغرس الأمريكي، في حين موافقة الرئيس الامريكي بايدن كانت على ١٤ مليار دولار. وتأتي هذه المساعدات في الوقت الذي يطالب به المتظاهرون وقف الدعم للكيان المُحتل!
لم تتأخرْ جامعات فرنسا وبريطانيا وإلمانيا ودول اوربية اخرى عن التعبير والتظاهر والتضامن ، وهي جامعات دول تدعم وتساند "إسرائيل".
حجم هذه التظاهرات، ووعائها الجامعي، وسرعة انتشارها، ووسائل قمعها من قبل السلطات الأمريكية والفرنسية والالمانية يدّلُ على ان سياسات هذه الدول تجاه القضية الفلسطنية وحرب الابادة في غزّة لا تُعبّر عن ارادة شعوبها، اي بعبارة اخرى سياسات غير شرعيّة، ناهيك عن مخالفتها للقانون الدولي وللقانون الدولي الإنساني. لاسيّما و أنَّها تظاهرات بريئة من "توظيف او تدّخل روسي، صيني او إيراني، او لحركة حماس يد فيها"! وكمْ تاجرت امريكا ببضاعة ”الشرعيّة ومشتقاتها ”، شرعية النظام، والشرعية الدولية؛ وكمْ تذرّعتْ امريكا، و كذلك فرنسا ، بالتظاهرات التي عمّت عواصم دول عربية و اخرى، ابان مرحلة ” الربيع العربي ”، كي تعتبرا أنظمة الدول ،التي عمّتها المظاهرات ” غير شرعية ”، مع الاخذ بعين الاعتبار عامل التدخل الأمريكي والغربي في الاثارة و التحريض والتمويل لتلك المظاهرات.
صحيح انَّ جرائم الابادة و جرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الكيان المحتل في غزّة هي التي أيقظت الوعي الجمعي العالمي من سباته ، ولكنها ( واقصد الجرائم ) كانت مناسبة مواتيّه لشعوب العالم ،وخاصةً شعوب الدول الغربية المساندة لـ "إسرائيل" للتعبير ليس فقط، عن استياءهم و ادانتهم للجرائم، وانما عن رفضهم لسياسات بلدانهم تجاه القضية الفلسطينية وتجاه "اسرائيل" وتجاه متبنيات وسرديات، ادركت الشعوب بطلانها .لنطّلع على هذه المتبنيات والسرديات ،التي سادت في ثقافة هذه الشعوب بسبب الضخ الإعلامي و الرسمي المتراكم ومنذ عقود.
ذريعة او حُجّة معاداة الساميّة
الشعوب ادركت اليوم بأنَّ هذه الحُجّة اصبحت اداة قمع لحرية التعبير التي تكفلها دساتيرهم.
استخدمتها الصهيونية ،منذ اكثر من نصف قرن ، و مررّتها عبر الإعلام الغربي ،و اصبحت في تشريعات الدول الغربية وفي ثقافة شعوبهم ، اداة لمحاسبة ومعاقبة ايّ اجراء او تصرّف او رأي ينتقدُ ما ترتكبه "إسرائيل" اليوم، و بناءاً على ذريعة او حُجّة معاداة السامية ، يتّم التحقيق قضائياً او توجّه التهم بمساندة الإرهاب او بمعاداة الساميّة، لبعض من نواب البرلمان في امريكا وفي فرنسا ودول اخرى، ممن انتقدوا جرائم "اسرائيل" في غزّة، او اعلنوا تضامنهم مع الفلسطينيين او شاركوا في التظاهرات.
الشعوب ادركت بأنَّ هذه الذريعة حُجّة واهيّة و اكذوبة و تستخدمها الصهيونية لمصالحها و مصلحة "اسرائيل".
ازدواجيّة المعايير وعدم احترام القانون الدولي و سيادة الدول
لم تعدْ تتحمّل الشعوب تداعيات سياسة الكيل بمكياليّن ،والتي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية ودول اوربا تجاه قضايا مصيريّة تؤثر ،سلباً أو ايجاباً ،على الامن و الاستقرار الدوليّن ،وتأتي قضية فلسطين ،في مقدمة تلك القضايا المصيريّة. وتشهد الشعوب ،في ذات الوقت ، الحماية المطلقة التي يتمتع بها الكيان الاسرائيلي، رغم احتلاله و جرائمة و سلوكه العدائي المخالف لميثاق الامم المتحدة والقوانين الدولية.
التظاهرات التي شهدها العالم ،ضد جرائم "إسرائيل" في غزّة ، وتظاهرات طلاب الجامعات ،التي نشهدها في كل دول العالم اليوم هي تعبير عن استنكارهم لجرائم "إسرائيل"، ولسياسات بلدانهم الداعمة لـ "إسرائيل، ولهيمنة وسيطرة اللوبيات الصهيونية والاسرائيلية على مقدّراتهم الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية، في امريكا وفي كثير من البلدان الاوربية وبلدان العالم . كثير من المفكرين والكتاب في امريكا واوربا و العالم قالوا صراحة انَّ "إسرائيل" اصبحت عبئ عليهم، و من غير الممكن الاستمرار في هذا النهج السياسي و الاخلاقي، والذي يجعل "اسرائيل" كيانا ”فوق القانون” وقادرا على فعل كل شئ دون محاسبة.
انتهى
______________________________
* كاتب عراقي