لقد انقضى شهر ذي الحجة وفيه ذكرى البراءة من المشركين في عهد رسول الله يوم الحج الأكبر.. وها نحن في شهر محرم وفيه ذكرى مواقف الصمود والبطولة والفداء والمقاومة والفتوّة.. شهر إعلان: «والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ إقرار العبيد» شهر «هيهات منّا الذلة» شهر العباس بن علي الذي أصبحت كفّه المقطوعة في كربلاء رمزًا للفتوّة حتى يومنا هذا.
لقد قاوم الحسين بن علي سنة 61هـ في يوم العاشر من محرم كل تهديد ورضي بأن يُقتل هو وأهل بيته وصحبه دون أن يستسلم لطاغية عصره قائلاً: «يزيد فاسق فاجر شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله».
وموقف ابن فاطمة لايزال يمدّ الاجيال بالحياة ويصرخ بوجه الخانعين الخاضعين ويهزّ عروش الظالمين. قيده المقطوعة الاصبع في كربلاء لاتزال تمتدّ من وراء الضريح تستحثّ الأمة على الثورة ضد الظالمين وتهيب بها أن لا تخضع للطغاة المتجبرين، وما أجمل الصورة التي رسمها الشاعر الجواهري لهذا النداء الحسيني :
كأنَّ يَدَاً مِنْ وَرَاءِ الضَّرِيـــــــحِ حمـــــراءَ " مَبْتُــــــــــورَةَ الإصْبَعِ"
تَـــــمُدُّ إلـــــى عَالَـــــمٍ بالخُنُـــــوعِ وَالضَّيْمِ ذي شَـــــرَقٍ مُتْرَعِ
تَخَبَّطَ فـــــي غابةٍ أطْبَقَــــــــــتْ على مُذْئِبٍ منه أو مُسْبِعِ
لِتُبْدِلَ منـــــهُ جَدِيبَ الضَّمِيرِ بـــــآخَـــــرَ مُعْشَوْشِبٍ مُمْرِعِ
وتدفعَ هذي النفوسَ الصغارَ خــــــــــوفاً إلـــــى حَرَمٍ أَمْنَعِ
نعم تدفع النفوس الصغيرة المرهوبة اليوم من بطش الصهيونية والطاغوت الامريكي الى حيث العزّة والكرامة.
إنّ ما نراه في في غزّة اليوم يعيد الصورة نفسها.. صورة جبهتين. جبهة قابضة على الجمر، تنادي الأمة كما نادى الحسين بن علي: «هل من ناصر ينصرني» وتردد مع ابن رسول الله «هيهات منا الذلة». وتبرأ من الصهيانية ومن وراءهم من المستكبرين أعداء الانسانية، ومن المستسلمين المطبعين المهادنين الاذلاء ذوي النفوس الصغيرة.
اجتمعت البراءة والمقاومة في غزّة اليوم كما اجتمعت أمس في أرض كربلاء عام 61هـ. وشهد العالم صور الصمود والمقاومة والفتوّة في غزّة كما شهدتها ساحة يوم عاشوراء الحسين بن علي.
سيبقى عنصر المقاومة على الساحة العالمية وعلى مرّ العصور والدهور يحيى«جديب الضمير» ويبدله بآخر يانع أخضر مُمرع.
وستبقى البراءة أيضا على الساحة العالمية صرخة بوجه الطغاة والمستسلمين حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ وفي هذا يقول الإمام الخامنئي: «يجب أن تتواصل البراءة هذا العام بنحو يتخطى موسم الحج وميقاته الى الدول والمدن التي يقطنها المسلمون في أرجاء العالم كله. وتتعدّى الحجاج الى كل فرد من الناس».
ويقول سماحته ايضا :
«إن هذه البراءة من الكيان الصهيوني وداعميه، ولاسيما الادارة الأمريكية ينبغي أن تتجلّى قولا وعملاً لدى الحكومات والشعوب. فتضيّق الخناق على الجلادين».
هكذا تقترن المقاومة والبراءة في حديث السيد القائد كما اقترنت في كربلاء عام 61هـ وكما اقترنت في جميع ساحات الجهاد على مرّ التاريخ وكما اقترنت في الثورة الاسلامية الإيرانية، وفي الشخصيات الرسالية والحركات الرسالية مثل حماس وحزب الله والجهاد الاسلامي.
لقد انقسم العالم الى نجدين؛ نجد المقاومة والبراءة، ونجد الاستسلام والانبطاح، والواقفون في صف النجد الاول مع ما يعانونه من ضعف الامكانات المادية لكنهم يجدون أنفسهم أنهم بعين الله، وأن شعوب العالم معهم والأمة الاسلامية معهم ويرون النصر قريبًا بإذن الله تعالى.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية