إن المتغيرات المتسارعة التي يشهدها عالم اليوم والمتمثلة في بروز قوى صاعدة كانت إلى ما قبل فترة قريبة لا تقوى ولا تجرؤ أنظمتها حتى على الخروج عن إرادة البعبع الامريكي، إضافة إلى ما حدث من زلزال في فلسطين المحتلة قبل تسعة أشهر والمعروف بـ "طوفان الأقصى" الذي تفاعلت معه شعوب العالم وأنظمتها، كل ذلك قد جعل الدول الكبرى المتحكمة في مصير الشعوب المستضعفة وفي مقدمتها أمريكا تعيد حساباتها من جديد خاصة بعد المواجهة المباشرة التي خاضها اليمن ممثلا في قيادته الثورية الحكيمة وقواته المسلحة الباسلة بمختلف أفرعها في البحر الأحمر وخليج عدن والتي توسعت لتشمل البحر العربي والمحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط وصولا إلى عمق أرض فلسطين المحتلة ضد ثلاثي الشر العالمي أمريكا وبريطانيا وإسرائيل ومن تحالف معهم من القوى التابعة والخانعة نصرة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وقد أجبر اليمن شعب الأنصار، أمريكا في هذه المواجهة على سحب بوارجها الحربية من البحر الأحمر صاغرة ومهزومة، لاسيما مدمرتها المسماة "آيزنهاور"، والتي كانت ترهب بها العالم بعد تعرضها لعدة هجمات صاروخية وبالطيران المسير، ليصبح البحر الأحمر خالياً تماماً من النفوذ الأمريكي وتحت السيطرة اليمنية كبحيرة عربية لا يتحكم فيها النفوذ الأجنبي؛ وهو الهدف الذي كان يتطلع اليمنيون إلى تحقيقه في منتصف السبعينيات من القرن الماضي بعد أن شنت "إسرائيل" غارات على باب المندب، الأمر الذي جعل الرئيس اليمني الشهيد "إبراهيم الحمدي" آنذك يدعو إلى عقد اجتماع عاجل في مدينة تعز للدول المطلة على البحر الأحمر حضرته السودان والصومال وشطري اليمن سابقا وامتنعت عن حضوره السعودية وجيبوتي وإثيوبيا قبل أن تنفصل إريتريا عنها.
وبسبب هذا الاجتماع، دفع الرئيسان إبراهيم الحمدي و"سالم ربيع علي" حياتهما ثمنا لتجرؤهما على المطالبة بتحرير البحر الأحمر من سيطرة النفوذ الأجنبي، كما تم الانقلاب في فترة لاحقة على الرئيسين السوداني "جعفر النميري"، والصومالي "محمد سياد بري"، عقابا لهما على موافقتهما لدعوة اليمن جعل البحر الأحمر بحيرة عربية وتكون سلطة الإشراف على أمن الملاحة الدولية فيه من مهام الدول المطلة عليه.
حتى تحافظ أمريكا على ماء وجهها، فقد أعلنت أنها سحبت بارجتها الحربية آيزنهاور للصيانة وأنها ستأتي بالبارجة "روزفلت" بديلا عنها لحماية الملاحة الدولية حسب زعمها؛ ولكنها بمجرد أن سمعت تهديد قائد الثورة الشعبية (اليمينة) السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بأن "البارجة روزفلت ستكون هدفا أساسيا للقوات اليمنية في البحر الأحمر، تراجعت أمريكا عن إرسالها وحولت مسارها إلى جهة أخرى بحجة الصيانة أيضا".
وقد اعترف قادة عسكريون أمريكيون بمن فيهم قائد المدمرة آيزنهاور، أنه "لم يسبق لهم بأن واجهوا حربا بحرية ضد بوارجهم الحربية وسفنهم مُنذ الحرب العالمية الثانية، مثل ما يواجهونه اليوم من القوات اليمنية التي استخدمت الصواريخ البالستية ضد السفن والبوارج لأول مرة".
هو ما شكّل مفاجأة لأمريكا وقواتها المنتشرة، وأربك حساباتها حيث كانت تسرح وتمرح في البحار دون اعتراض أو مقاومة من أية جهات كانت بما في ذلك دول كبرى تؤذيها أمريكا في عقر دارها مثل روسيا الاتحادية والصين الشعبية، وما يحدث من قبل أمريكا في أوكرانيا ضد روسيا الاتحادية، وكذلك ما يحدث من حصار اقتصادي وفي تايوان ضد الصين، أكبر برهان على تحدي أمريكا لهما عن قرب ومع ذلك لم تقوما بأية ردة فعل على هذه الاستفزازات الأمريكية رغم قدرتهما على الرد، كونهما تمتلكان قوة ردع تجعل أمريكا تقف عند حدها، فهل هذا التردد في الدفاع عن نفسيهما ناتج عن نقص إرادتيهما في المواجهة أم أن لهما حسابات أخرى تجنبا للصراع مع أمريكا والذي قد يؤدي في حالة حدوثه إلى إشعال حرب عالمية ثالثة؟!
ومن نتائج مواجهة اليمن لأمريكا وحلفاءها في البحار الأحمر والعربي والأبيض المتوسط والمحيط الهندي، أن الدول التي كانت تعول على حماية أمريكا لها والدفاع عنها، ومنها النظامين السعودي والإماراتي، قد فقدت جميعها الثقة في أمريكا وخاصة السعودية التي أصبح حاكمها محمد بن سلمان يعيش بين فكي كماشة ضغوط واشنطن من جهة وضغوط صنعاء من جهة أخرى؛ فلا هو قادر على التمرد على الأمريكيين لما تشكله قواعدهم العسكرية الموجودة في السعودية من خطر على حكمه والانقلاب عليه، ولا هو قادر على أن يتخذ قرارا شجاعا لإخراج بلده من ورطتها في اليمن، غير مدرك بأنه في ظل هذه المستجدات الجديدة وتنامي قدرات اليمن العسكرية وخروج الشعب اليمني منتصرا في معركة الدفاع عن نفسه ضد تحالف العدوان، ساد الاقتناع المبني على عدم قدرة أي نظام على إنهاء نظام آخر مهما كانت لديه من أسباب التجبر والعناد ومهما كانت القدرات المادية التي يمتلكها ويستخدمها لتصدير الفتن إلى الدول الأخرى.
إن الشعب اليمني سيظل وغيره من الشعوب الحرة اكبر مثال على ذلك،، حيث أثبت اليمنيون أنهم بقدراتهم المحدودة وتوكلهم على الله واجهوا حرباً شرسة شُنت عليهم شاركت فيها دول كبرى كأمريكا وبريطانيا مستخدمة أساطيل وآليات الحروب المسلحة بأحدث الوسائل التكنولوجية والأسلحة المحرمة دوليا بشهادة ما حدث لجبلي نقم وعطان وما رافق هذه الحرب الظالمة من حصار جوي وبري وبحري وقصف على مدار الساعة، ومع ذلك فقد ظل الشعب اليمني طيلة أكثر من تسعة أعوام صامداً وشامخاً وماسكاً بزمام المبادرة ليكون النصر حليفه في النهاية بإذن الله تعالى، كونه صاحب حق يواجه باطل وتعرض لمظلومية لا لشيء وإنما لأن الشعب اليمني أراد أن يبني دولته الحديثة ويحرر قراره السياسي من الوصاية الخارجية ليعيش كغيره من الشعوب حراً كريما معتمداً على نفسه ومستفيداً من خيرات أرضه التي منعوه من استخراجها وتكبروا عليه بشنهم حرب إبادة لا تختلف في نوعيتها وكيفيتها عما يقوم به العدو الصهيوني مُنذ تسعة أشهر في قطاع غزة كون مرجعية الحربين واحدة بقيادة أمريكا وهدفها كسر إرادة الشعوب الحرة والسيطرة عليها وعلى مقدراتها.
انتهى
________________________
* كاتب صحفي يمني