مع الإقرار بأن هامش الحرية لدى الإعلام الإسرائيلي كبير، إلا أن الحقيقة الموازية هي أن المعلقين والمراسلين الإسرائيليين أمام سطوة صدقية نصر الله، هم إسرائيليون أولاً، ومن ثم مهنيّون.
سطوة نصر اللّه على الرقابة الإسرائيليّة
تنا ـ بيروت
13 Dec 2011 ساعة 0:06
مع الإقرار بأن هامش الحرية لدى الإعلام الإسرائيلي كبير، إلا أن الحقيقة الموازية هي أن المعلقين والمراسلين الإسرائيليين أمام سطوة صدقية نصر الله، هم إسرائيليون أولاً، ومن ثم مهنيّون.
الى حدود البداهة، التي لا تتطلب أي استدلال، يمكن التأكيد أن أي إطلالة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وتحديداً تلك التي يُطلق فيها مواقف ترتبط بالمواجهة القائمة مع إسرائيل، تُلزم أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية باستنفار خاص لمحافل التحليل والقراءة والتقدير لديها، لاستشراف الدلالات والمؤشرات الكامنة في كلماته. بل كما يؤكد الإسرائيليون، لا تقتصر القراءة والتحليل على الكلمات، بل أيضاً على أسلوب التعبير وحركة اليد وإمالة الرأس والنظرات.
والإطلالة الأخيرة لنصر الله، في ذكرى عاشوراء، كانت استثنائية بامتياز، إذ ظهر الى العلن على غير العادة المتبعة، وخاطب جمهور المقاومة من دون استخدام الشاشة، الأمر الذي عُدّ، في ذاته، إشارة دالة إضافية على جدية الموقف والقرار المتخذ بالذهاب بعيداً، إذا تجرأت جهات ما، ومن بينها إسرائيل، على المقامرة في بدء مواجهة عسكرية مع حزب الله، أو بمواجهة إقليمية من شأنها أن تتدحرج في نهاية المطاف إليه، رداً على اعتداء سيصل إليه، أو رداً على رد يتدحرج أيضاً إليه.
والفعل الإسرائيلي حيال الإطلالة الاستثنائية كان لافتاً. وبإمكان المراقب أن يلحظ قراءتين تحملان دلالات كاشفة ومؤكدة، في أكثر من اتجاه. القراءة الأولى استخبارية، غير معلنة، ومخصصة لصنّاع القرار في تل أبيب، وترتبط إضافة الى المضمون ودلالاته المباشرة بأصل قرار الإطلالة والخروج العلني، بما يتعلق بموقف حزب الله وجدية قراره، تجاه أكثر من ساحة هي موضع متابعة وخشية إسرائيليتين، في لبنان وسوريا، والمنطقة عموماً.
القراءة الثانية، مخصصة للجمهور الإسرائيلي تحديداً، وتتولاها بطبيعة الحال وسائل الإعلام والمعلقون على كثرتهم. وقد أمكن المراقب ملاحظة جهد هائل بُذل في وسائل الإعلام العبرية، الى حدود الكذب وتحريف الوقائع، كي يمنع عن وعي المشاهد الإسرائيلي تكوين صورة مغايرة لما أُريد حفره في وعيه عن حزب الله ونصر الله، طوال السنوات القليلة الماضية. من بينها الحديث عن أن إطلالة الشاشة مسجلة مسبقاً، والتأكيد أنها عادة متبعة من حزب الله، رغم اتضاح عكس ذلك. وأيضاً رواية أن الجمهور المحيط بنصر الله، لدى خروجه العلني، كله من رجال ونساء منظومة الحماية لديه، والتساؤل عن سبب عدم أمر القناص الإسرائيلي بالضغط على الزناد، وغيرها الكثير.
قبل عام ٢٠٠٦، عانت إسرائيل كثيراً من صدقية الأمين العام لحزب الله في وعي جمهورها، حتى باتت استطلاعات الرأي تؤكد أنه يُصدّق نصر الله أكثر من كل سياسييه، وهو الواقع الذي فعل فعله خلال الحرب، وكان سبباً أساسياً في فقدان الثقة بالمؤسسة السياسية تحديداً، مع تعزز ذلك في مراحل لاحقة. وقد أظهرت الحرب للإسرائيليين أن شخص نصر الله، يمثّل عنصر قوة استراتيجياً للحزب، يؤثر سلباً على جمهورهم، وإيجاباً على الجمهور اللبناني والعربي، الأمر الذي استدعى توجهاً وجهداً خاصاً لتغيير الصورة المكونة في وعي الإسرائيليين عنه، وكان للرقابة العسكرية الدور الرئيسي والفاعل في ضبط المقاربة المطلوبة.
ما بعد الحرب، بدا التعامل الإعلامي الإسرائيلي مغايراً مع مرحلة ما قبلها، وممسوكاً بشكل شبه كامل من قبل الرقيب العسكري، الذي لا يتدخل، كما هو معلوم، إلا من منطلق تشخيصه بأن الأداء الإعلامي يمسّ بالأمن القومي الإسرائيلي. من هنا برز التباين الجذري مع مرحلة ما قبل الحرب، على مستوى أصل التغطية وحجمها والانتقائية المجتزأة فيها، وأحياناً تعتيم كامل على كل ما يصدر عن نصر الله ... أي أن التغطية والتعليق والامتناع عن التعليق باتت ممسوكة وفقاً لأجندة مدروسة ومحددة الأهداف من قبل الرقابة العسكرية.
متابع الشأن الإسرائيلي يلاحظ، بوضوح، أنه بات أمام مشهد إعلامي إسرائيلي، بما يرتبط بنصر الله، يشبه المشاهد الإعلامية العربية الرسمية التقليدية. وإلا كيف يمكن تفسير الصمت الإسرائيلي المطبق، تغطيةً و/أو تعليقاً، على التهديدات التي أطلقها ضد إسرائيل، في أكثر من مناسبة خلال السنوات القليلة الماضية، ثم بعد أيام أو أسابيع، يتم الإشارة إليها في مضامين التعليقات عن الوضع الإقليمي أو البيني مع لبنان، مع الاستناد بشكل غير مباشر، الى ما ورد في كلام نصر الله من تهديدات. ولتوضيح الصورة أكثر، لوحظ في مرات عديدة، صمت إسرائيلي شبه كامل، حيال تهديدات أطلقها الأمين العام لحزب الله، بينما سمحت الرقابة بالتعليق على مواقف أطلقها في نفس المناسبة، لكنها ذات علاقة بالشأن الداخلي اللبناني.
مع الإقرار بأن هامش الحرية لدى الإعلام الإسرائيلي كبير، إلا أن الحقيقة الموازية هي أن المعلقين والمراسلين الإسرائيليين أمام سطوة صدقية نصر الله، هم إسرائيليون أولاً، ومن ثم مهنيّون.
المصدر : " الأخبار" - يحيى دبوق
رقم: 74722