إنها رحمة الخالق، روعة البشرية التي منّ الله بها على عباده، من خلالها يقوّم الإنسان نفسه للأفضل، وتحسّن الأمة ميزتها إلى الأعلى.
إنه القرآن الكريم، نعمةٌ أعطاها الباري لعباده لينالوا من كراماته في الدنيا والآخرة. دستور حياة دنيوية وأخروية، من خلاله تقوم الأمة بقضاء أعمالها في كافة الميادين على أكمل وجه وروية.
هو القرآن، ربيع القلوب، ووحدة المسلمين، وجامع الديانات السماوية الأخرى، بمعانيه ودلالاته وأفقه الروحانية والوحيانية، من أجل الأمة ووحدتها، كان عنوان مؤتمرٍ دولي بدأ اليوم.
فقد إنطلقت عصر اليوم في العاصمة اللبنانية بيروت فعاليات "مؤتمر دور القرآن في بناء نهضة الأمة ووحدتها" الدولي، الذي نظمه معهد المعارف الحكمية.
وبدأت الجلسة الافتتاحية، بكلمات أكدت على دور القرآن وتعاليمه في النهضة المعاصرة للامة الاسلامية، خاصة في غضون ما يجري على الساحة العربية والاسلامية من تحولات وتطورات.
افتتح الجلسة مدير معهد المعارف الحكمية الشيخ شفيق جرادي، منوهاً بالدور الذي تلعبه هذه اللقاءات الاسلامية خاصة في هذه المرحلة.
وأضاف الشيخ جرادي "نهضة، ثورة، صحوة، وحدة"، عناوين وشعارات تحولت إلى أهداف ومقاصد، تهفو إليها القلوب، وتكدح نحوها شعوب. وعلى الطريق، كم تاهت دول وحركات وأناس عن مقاصدها، حتى تحولت الطريق إلى دروب شتى"، لافتاً الى ان "أحد أهم الأسباب يكمن في هجران القرآن. القرآن حبل الله المتين، الذي تجمع (أمة لا إله إلا الله) على أنه الهادي، وهو ذاك الوحي الذي وحد الأرض والسماء في مكنون دلالته ومعانيه، وفتح صراط النهضة والتوحد أمام الذين تمسكوا به حتى كانوا الأمة الشاهدة والرقيبة على كل الأمم."
الى ذلك، أوضح مدير معهد المعارف أن "اليوم، من مكان بالغ الدلالة، من لبنان، بتعدده الفكري، والديني، والمذهبي، بمقاومته التي قبلت معادلات القدر الإسرائيلي المفروض على الأمة. من هنا وبلقاء، أردنا أن نبلغ معه أبلغ المعاني، إذ فيه تلتقي حواضر العلم والفكر والسياسة"، مضيفاً "من إيران، للقاهرة، للعراق، لتعبر عن عميق فهمها للصلة الوثيقة بقيم القرآن ونهضة الأمة ووحدتها. لو تحصلت على هدي الكتاب، رغم تنوعها الإجتهادي، والفقهي - المذهبي، بل والسياسي، لاستطاعت أن تعبر من هاوية التيه بقيومية ذكر الله الحكيم، وذكر رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فتبلغ سنام الأمر بنهضة محمدية اصيلة".
من جهة ثانية، أعلن الشيخ جرادي عن "حملة فكرية اعلامية سيقوم بها المعهد تحت عنوان "حفظاً للمقدسات"، قائلاً: "معركتنا الحضارية هي معركة مع أميركا والوجدان المتصهين مقابل حضارة الرحمة وقيم القداسة وإنسانية الإنسان".
الشيخ التسخيري: دور الفطرة في صناعة التاريخ الإنساني
كما أكد المستشار الاعلى للامام الخامنئي سماحة اية الله الشيخ محمد علي التسخيري دور الفطرة الانسانية التي انفطر عليها الانسان في كل حياته، وأيضاً دورها في صناعة التاريخ الانساني وايجاد التحول الحضاري، لافتاً الى أن هذا ما يؤكد عليه القرآن.
الشيخ نعيم قاسم: المقاومة التي فاجأت برؤيتها القرآنية الجميلة، وكانت بذلك أقوى من السلاح
من جهته، أوضح نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أنّ "الحديث عن نهضة مثمرة تم احياؤها من جديد ببركة الامام الخميني"، مبيناً أن "القرآن من الخالق إلى البشير هو التعبير عن الأكمل. وأن المعنى القرآني هو مرجع للمواقف الاسلامية وتوجهات الأمة ورواد النهضة الاسلامية في كل زمان. ومن دون المعنى القرآني لا يمكن أن تحدد الأهداف".مؤكداً "أن كل البنية الانسانية انما تتقوم بالقرآن على كل المستويات، ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم".
ولفت الشيخ قاسم الى "أربع قواعد اساسية كانت المحرك للنهضة الاسلامية ومنطلقها القرآن وهي: قاعدة الدين القيم، قاعدة الرحمة، قاعدة الوحدة وهي الوحدة التي دعانا الله إليها. الوحدة التي تتمحور حول الله الخالق والرسالة الواحدة والنبي الأكرم، والتي تترجم من خلال الأداء من حياتنا"، مضيفاً "إنها وحدة ليست فكرة ندرسها، ولكن المعيار في التطبيق. أما القاعدة الرابعة فهي، قاعدة الجهاد لأنه يحمي أمتنا ويحصنها، وهو الذي يجعلنا ندافع عن حقوقنا".
كما أضاف نائب الامين العام لحزب الله "أن هذه القواعد الأربعة هي التي حركت النهضة المعاصرة التي خلفها الامام الخميني"، مشيراً إلى "استلهام رجال النهضة الاسلامية معنى القرآن وتغيير الواقع من خلالها، فاستفادت الصحوة الاسلامية من القرآن، ومثلها الثورة الاسلامية في ايران، وكذلك حرر "حزب الله" الارض انطلاقا من القرآن، واستفادت "حماس" و"حركة الجهاد" بدورها في فلسطين انطلاقا من القرآن".
في السياق عينه، شدّد الشيخ قاسم على ان "القرآن هو المرجعية للوحدة الاسلامية وعدم التفكير في حال الاختلاف في التفسير"، مشيراً الى "الجرثومة السرطانية وهي اسرائيل التي تحولت عبئا على البشرية، واسرائيل لها هدف واحد اشعال الحروب واسقاط المنطقة، وأن وجودها هو نقيض النهضة الاسلامية تماما".
ورأى سماحته ان "أول قواعد النهضة هو الاستقلال المادي والسياسي والعسكري"، مشيراً الى ان "المقاومة التي فاجأت برؤيتها القرآنية الجميلة، وكانت بذلك أقوى من السلاح، وبرهنت على أنه يمكن بالقلة الاشعار على الكثرة بسبب هذه الرؤية. هذه المقاومة ليست حال عابرة، ومن لا يريد المقاومة يريد لاسرائيل أن تبقى، وهذا هو المشروع الأميركي - الاسرائيلي".
كما بيّن الشيخ قاسم "ان المقاومة التي حررت وحمت وربحت الحرب، بقي سلاحها مرفوعا بوجه اسرائيل مهما علت الصرخات"، مؤكداً أن "المقاومة ستستمر بالتجهيز والاستعداد للحد الاقصى مهما كانت التطورات لا لاراحة العدو". مشدداً على انه يجب ان "يفهم الغرب ان مقدساتنا عصية عن الاسقاط والاهانة".
د.الهلالي: تعويد الناس على الإبداع وليس الابتداع
أما رئيس قسم الفقه المقارن في الازهر الدكتور سعد الدين الهلالي فتحدث عن الحالة اللبنانية من جهة تعدد الاعراق، شاكراً تنظيم هذا المؤتمر، قائلاً: "اكتوى اللبنانيون بنار الفتنة لإسرائيل وعملائها، ولكنهم تحصنوا ضد الفتنة"، مشدّدا على "المساعدة في البر والتقوى"، داعيا إلى "التسامي فوق الخلافات".
ورأى الهلالي أن "المشكلة تكمن في ادعاء أي قوم امتلاك الحقيقة المطلقة. وهؤلاء هم من رفع شعار الحاكمية لله يوم رفع الخوارج بوجه الإمام علي، وأجابهم أنها كلمة حق يراد بها باطل"، مؤكداً أن "نهضة الأمة لا تتقدم إلا بتجريد الناس، ورفع الوصاية عنهم. وعلى أهل العلم تبيان علمهم وتوجيه النصح".
الى ذلك، شدد رئيس قسم الفقه المقارن في الازهر على ضرورة "تعويد الناس على الإبداع وليس الابتداع"، قائلاً: "لا بد من حسن الظن بالآخرين من بني ديننا، بالتخلص من توجيه التهم التي تفرق ولا تجمع، ولا يصح لأحد أن يتحدث إلا بيقين". منوهاً بكلمة الشيخ التسخيري.
الشيخ الحيدري: وصلة الأرض بالسماء وأنه يحمل مشروعاً إيجابياً نحو التقارب الإنساني شرط فهم الإسلام
من جانبه، أكد مدير عام الاوقاف الشيعية في العراق السيد صالح الحيدري أن القرآن الذي "هو وصلة الأرض بالسماء وأنه يحمل مشروعا إيجابيا نحو التقارب الإنساني شرط فهم الإسلام حق الفهم والترفع عن الخوض في النزاعات المذهبية وكبحها"، لافتاً إلى "أهمية هذه المؤتمرات لبيان حقيقة الإسلام والقرآن".
ورأى السيد الحيدري أن "السلطة عملت على إبقاء القرآن الكريم غريبا عن حياة الأمة والمسرح السياسي وأن الأمة فقدت قدرتها على مواجهة التحديات وعلى مناعة الحصن، حيث برز الفشل والانتقام"، مضيفاً "إن المشروع الإلهي مر، تاريخيا، عبر القيادات الواعية، والأمر عينه بالنسبة للمستقبل لإقامة القسط والعدل الذي سيكون على يد بقية الله".
كما أكد الحيدري أن "حاجتنا للاطلاع ونسق الأطر الإسلامية في قطاعات التربية والبحوث كبير جداً"، لافتاً الى ان الدين بات "مسخرا لخدمة السياسة بدلا من العكس، وفي مثل هذه الظروف يحمل العلم، والرسالة المحمدية صفة الشمول، وهنا يظهر السر للاعداد الإلهي للرسالة المحمدية ورسالة آله أجمعين الذين تركوا ثروة تشريعية هائلة بجهودهم".
من جهة أخرى، بيّن مدير عام الاوقاف الشيعية في العراق إلى "آليات التنفيذ على الساحة الإسلامية والمسؤولة عن تشويه الإسلام نتيجة أخلاقها، وتكفير كل من يخالفها"، داعيا الى "عودة الدولة إلى أحضان الأمة، فالإسلام إلهي من حيث التشريع، وبشري من حيث التنفيذ".
المفتي قبلان: ظلت الذات الإلهية تدفع عنقها نحو السماء، فأسس الإسلام أمة أطاحت بالنظام الدولي القديم
لفت المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الى أن "التشكيل الإنساني هو هدف سماوي، وأن نمط الأمة الحضاري لا ينفصل عن تقنين الربط بين الأرض والسماء"، مضيفاً "ظلت الذات الإلهية تدفع عنقها نحو السماء، فأسس الإسلام أمة أطاحت بالنظام الدولي القديم، أقامت أمة جديدة على أنقاض الاولى".
وأوضح المفتي قبلان أنه "ثمة مليار ونصف مليار مسلم، وثروة نفطية بمثابة شريان حيوي للعالم، وساحات زراعية، ولكن مع ٥٧ دولة تعيش مذهبيتها على نزاع عار"، لافتاً الى أنه "بدلا من تكوين النظام السياسي على أساس النهضة الإسلامية فإن العالم الإسلامي لا يزال الإملاق، في حين أن واشنطن تمارس دور الضابط".
الى ذلك، رأى الشيخ قبلان "مع أن ثورات العالم الجديد، بعد فشل العلمانية الذريع، بحثت عن خيارات، إلا أمتنا الإسلامية التي لا تزال تطبع في مطابع الغرب"، مؤكداً "ضرورة إعادة التفكير لإثبات الرؤى الوجودية، لا سيما وأن ما بين أيدينا اليوم نهضة الثورة الإسلامية فينا، وبشهادة كثر أنها تحولت إلى دولة عالمية برؤية خاصة". مضيفاً "كما اننا نعول على الوحدة الإسلامية بعد خروج مصر من براثن نظام مبارك".
أما الجلسة الاولى، فقد تخللتها كلمات عدة، شددت على ضرورة فهم المعاني القرآنية الروحانية والحياتية، إضافةً الى تجليات الوحدة الاسلامية من المنطلقات القرآنية والهوية الوحيانية في ظل الحداثة.
تجدر الاشارة الى أن المؤتمر الذي بدأ اعمله اليوم انطلق من قاعة رسالات، بحضور شخصيات وفعاليات سياسية ودينية واجتماعية وثقافية.
تغطية: سناء إبراهيم