لم يعد أمام الأمم المتحدة سوى تخويف المجتمع الدولي من غزة كي تجعله يتحرك.باتت وكالتها لغوث اللاجئين الفلسطينين «الأونروا» تقول إن القطاع المحاصر على وشك الانفجار.
الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر في غزة
تنا
السفير , 25 Apr 2015 ساعة 22:43
لم يعد أمام الأمم المتحدة سوى تخويف المجتمع الدولي من غزة كي تجعله يتحرك.باتت وكالتها لغوث اللاجئين الفلسطينين «الأونروا» تقول إن القطاع المحاصر على وشك الانفجار.
وسيم ابراهيم
حتى التمويل الذي تحتاجه لتقلل غضب ويأس أهلها ليس في متناول يدها.
تحذر الجميع بأن هذه المرة ليست كسابقاتها بعدما صار «الغضب واليأس كما لم يكن يوما».
هذه الرسائل حملها روبرت تيرنر، مدير عمليات «الأونروا» في غزة، إلى بروكسل، عاصمة الاتحاد الأوروبي الذي يساهم بحوالي 60 في المئة من ميزانية الوكالة الدولية، مطلقا نداء دوليا للتحرك، عنوانه السؤال «لماذا على أوروبا ألا تنسى غزة».
صحيح أن هناك دولا أوروبية تقدّم مساهمة كبيرة مثل المانيا، كما شرح، ولكن هناك دولاً لا يمكن إعطاءها شهادة حسن سلوك في هذا المجال بالرغم من أن الاتحاد الأوروبي يتفاخر دائما بأنه أكبر المتبرعين.
الجواب على السؤال بمنتهى الوضوح: يجب عدم نسيانها لأنها باتت قنبلة موقوتة باليأس.
هناك أرقام كثيرة تقدمها الوكالة الدولية لتُسمِع صوت تحذيراتها، أبرزها أن هناك حوالي تسعة آلاف منزل، دمرها العدوان الاسرائيلي الأخير كلياً، ولم يتم إعادة بناء ولا واحد منها. حل ذلك ليس قريبا، فالوكالة تلقت حتى الآن تمويلا لاعادة بناء نسبة هامشية، أي 200 منزل فقط.
إذاً، هناك عشرات الآلاف يعيشون كما لو أن الحرب انتهت بالأمس. لا شيء تغير. القصف الاسرائيلي ألحق ضررا بحوالي 140 ألف منزل لعائلات لاجئة في غزة، في حين تقول «الاونروا» أنها لم تستطع تقديم مساعدات سوى لترميم 60 ألفا منها، ومع أزمة نقص حادة في المصادر الأساسية، بالنسبة للمياه والطاقة، والحصار الذي دمّر أي مجال لاقتصاد محلي، تبشر «الاونروا» بأن غزة ستكون في العام 2020 «مكانا غير قابل للعيش البشري».
ولكن هناك من لا يريد الانتظار لرؤية تلك «النبوءة السوداء»، حين يتحدث تيرنر عن اليأس يؤكد أنه لا يقتصر على من يعيشون تحت سقف البؤس والقسوة فقط، ويقول: «كوادر الأمم المتحدة (من الفلسطينيين) في غزة هم مجموعة لديها امتيازات، فهي تحظى بالاحترام ويقبضون بطريقة جيدة، لكنها المرة الأولى على الاطلاق التي يتحدثون فيها عن محاولتهم لأخذ عائلاتهم ومغادرة غزة، فهم يرون أن أطفالهم لن يكون أمامهم أي فرص إطلاقا إذا بقوا»، يصمت قليلا ثم يضيف «هذا تحول هائل، وهو لا يصدَّق مقارنة بالسنوات الماضية».
وعلى هذا الإيقاع يعيش حوالي 1.7 مليون شخص، هم سكان القطاع الذي جعله الاحتلال الاسرائيلي سجنا في الهواء الطلق منذ العام 2007، حيث تقوم وكالة الغوث بتقديم الخدمات الأساسية، من رعاية صحية وتعليم، لحوالي 1.25 مليون هم لاجئون مقيمون في غزة، وتضع «الاونروا» خطين تحت رقم آخر، من مجمل ما أسماه مديرها «إحصاءات العار لنا جميعا»: في العام 2000 كان من يعتمدون على برنامج الدعم الغذائي 80 ألف شخص، أما الآن فهم أكثر من 800 ألف شخص، هذا يعني أن اثنين من كل ثلاثة أشخاص ليس لديهم سوى المعونة الغذائية.
لكل هذه الأسباب، تشهد غزة أيضا محاولات غير مسبوقة للهروب، أو النجاة، حتى لو كان عبر رمي المتسللين خارجها بانفسهم داخل قواب الموت في المتوسط، بعضهم استخدم معونات ترميم المنازل المهدمة ليجمع المال الكافي لشبكات التهريب، ثم لقي حتفه في البحر.
وتخفيفا لحدة هذه الأزمة، تحث «الاونروا» من تعهدوا بتمويل إعادة الاعمار خصوصا، في مؤتمر القاهرة، على الوفاء بوعودهم، حيث بقيت 5.4 مليار دولار حبرا على ورق، فالوكالة تشهد، لأول مرة في تاريخها كما تقول، عجزا بنحو 100 مليون دولار، وهو عجز يماثل عدم قدرتها على تقديم الرعاية الصحية والتعليم، لحوالي خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في الشرق الأوسط، لمدة ثلاثة أشهر.
بالرغم من كل ذلك، هناك من يحاول اختراع أمل بأي طريقة، ولا يجده إلا عبر تثمين «تخفيف الحصار» من قبل حكومة الاحتلال بعد الحرب الأخيرة، وإلى جانب مسؤول «الأونروا»، حضر كريستيان بيرغر، وهو مسؤول كبير في الخارجية الأوروبية، ويرأس إدراة تغطي منطقة شاسعة: الشرق الأوسط، شبه الجزيرة العربية، شمال افريقيا، إيران والعراق.
الرجل تحدثت عنه الصحف الاسرائيلية منذ أشهر، نقلا عن حكومتها، بوصفه خصما. كانت تقدم ورقة العمل التي طرحها بطلب من الحكومات الأوروبية، حين وضع الخيارات الممكنة لدفع إسرائيل للعودة إلى التفاوض.
راوحت الاحتمالات التي قدمها بين تشديد الاجراءات على المستوطنات، وصولا إلى إمكانية سحب السفراء الأوروبيين، مع إمكانية اتخاذ عقوبات اقتصادية. وقالت مصادر أوروبية لـ «السفير» آنذاك، إن الاسرائيليين «لا يحبونه»، وهو الذي أمضى سنوات في بعثة «الاتحاد الأوروبي» هناك.
ولكن، وربما لترطيب الأجواء مع حكومة الاحتلال، أو لأسباب غير واضحة، حاول بيرغر مغازلة الاسرائيليين، أشاد بسماحهم لأهل غزة بتصدير الخضار والفواكه وإدخال بعض المواد الأساسية (كل ذلك على نحو محدود وبشروط صارمة)، ليخلص إلى أن ذلك يشكل «تغيرات مهمة»، وبنبرة العارف، استحضر أي انتقادات يمكن أن توجه لهذا التسامح الغريب، وقال إن هناك من سيقول «لم يتغير شيء»، قبل أن يرد على تلك الهواجس: «نعرف أن هذا ليس كافيا، لكنها نقطة بداية مهمة».
لكن ماذا عن معاقبة منتجات المستوطنات، خصوصا بعد رسالة 16 وزير خارجية دولة أوروبية التي طالبت بتوجيه أوروبي واضح في هذا الصدد؟ في العام 2013، حين كان مسؤولو بروكسل يُسألون عن القضية، كانوا يقولون إن المسألة من اختصاص الدول الأعضاء. لكن معظم الدول الاعضاء تقول الآن إن بروكسل يجب أن تتحرك، لأن السياسة التجارية هي من اختصاص صناع السياسة الموحدة.
نسأل بيرغر عن هذا الجدل والالتباس، فيجيب إن الكرة ستكون مجددا في ملعب ما تريده كل دولة، يقول عن ذلك «هناك سوء فهم، إنها ليست قضية تجارية»، قبل أن يوضح «إنها قضية تتعلق بحماية المستهلك (حقل أوروبي مفصول عن التجارة)، فالأمر يدور حول تصنيف منتجات معينة ومن أين تأتي»، شارحا وجود توجه أوروبي بشأن تصنيف المنتجات، وعلى الدول الأوروبية التزامات لتطبيقه بنفسها، قبل أن يختم «لكن الرسالة تطلب من الاتحاد الأوروبي أن يأتي بنوع من الترجمة المنسجة (للتوجيه الأوروبي) وهذا ما نتحدث عنه».
رقم: 189767