التقارب والتعارف والتعايش بين الشعوب، على قاعدة الاحترام، والتقدير، وتبادل الخبرات، بغية تنمية الحياة بوجه عامّ، فيشير إلى تأسيس النصّ القرآنيّ لمسألة التعايش في الاجتماع البشريّ، والقائمة على قواعد الأمن، والتّسامح، والسّلم الأهلي، وتعزيز السّلم والصّداقة بين الشعوب.. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(الحجرات: 13).
عندما استقر النبي (ص) في المدينة المنورة أسس نظاماً عاماً أساسه التعايش السلمي ، وبالمصطلح الحديث: المواطنة، وبالمصطلح الحديث: السلم الأهلي، والمسلمون اليوم في بلادهم، ومع من يعيشون معه من مختلف الطوائف، والملل، والنحل هو في أشد الحاجة إلى هذا المفهوم مفهوم أن تعيش مع الآخر، مفهوم المواطنة، مفهوم السلم الأهلي، مفهوم قبول الآخر.
وثيقة المدينة المنوّرة، التي أرسى من خلالها الرسول الكريم(ص) أسس المساواة، وتعزيز الأمن الجماعي والتعايش السلمي.تؤكد علی الوحدة والتعايش والسِّلم،كذلك، ما أظهره الرَّسول(ص) من فقه التَّعايش مع المنافقين وتعامله معهم، كذلك مع المخالفين من اليهود وغيرهم، وصلح الحديبية، وتعامل الرّسول(ص) مع أهل الكتاب خارج المدينة.
و رسائل النبيّ(ص) إلى الملوك العرب ورؤساء القبائل، ورسائله إلى ملوك غير العرب، وتعامله مع الأسرى. يسلِّط الضّوء على ضرورة إبراز الخطاب الإسلاميّ المعاصر والمنفتح، في سبيل تعزيز التّعايش السّلميّ، وإرساء مبادئه القويّة، التي تدعو إلى فتح قنوات التواصل الفاعل والحيّ على المستوى الفرديّ والجماعيّ والإنسانيّ.
أن التعايش بين الأطراف، والشرائح والأطياف، والانتماءات جزء من الدين، ما بال هؤلاء الجهلاء يرفضون الآخر، الآخر مقبول في المجتمع الإسلامي، بمعاهدة دقيقة جداً، فيها المهاجرون، والأوس والخزرج والوثنيون من الأوس والخزرج، واليهود من الأوس والخزرج، القبائل اليهودية، بنو النظير وبنو القينقاع، كيف جمعت هذه الوثيقة هذه الأطراف المتنوعة، والمتباعدة؟
و مفهوم المواطنة أصل في الدين، ومفهوم قبول الآخر أصل في الدين، مفهوم التعايش بين الفئات المتعددة أصل في الدين، وهذه النغمة التي نسمعها من حين إلى آخر أن المسلم لا يقبل الآخر هذه افتراء من أعداء الدين، سيدنا المصطفی، خاتم الأنبياء والمرسلين، حبيب رب العالمين، بحياته، وبوجوده، وبتوجيهه، وبتنظيمه أجرى معاهدة ضمت قريشاً، وبني عوف، وبني الحارث من الخزرج، وبني ساعدة، وبني جشم، وبنو النجار، وبني عمرو بن عوف، وبني النبيت، وبني الأوس، هؤلاء طوائف واتجاهات، وألوان، وشرائح، وأطياف، وكلهم ضمتهم معاهدة فيها توضيح شديد للحقوق والواجبات، ما لنا وما علينا، فما بال المسلمين اليوم لا يقبلون الطرف الآخر؟ هذا من الدين.
ومن هذا الجانب وما يتفرع عنه من أبعاد ترتبط بالإسلام في شموليته وكماله، ينبثق "التعايش" سمة مميزة تطبع المجتمع الذي يدعو الاسلام الى تحقيقه. و "التعايش" فيه بصفته دين" السماحة" الذي لا ضيق فيه ولا تعصب، ولا غلو ولا تطرف، ولا عنف ولا ارهاب، سواء مع الذات او مع الآخر، الذين نقصد بهم من يعيش في هذا المجتمع من مسلمين وغيرهم، وكذا الذين ينتمون الى مجتمعات اخرى مخالفة للمجتمع الاسلامي بكونهم اصحاب حقوق، وهي التي أصبحت اليوم تعرف بحقوق الانسان، تلك التي تمس جوانب كثيرة من حياة الافراد والجماعات، مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وتتمحور في جملتها حول الحرية من حيث ان هذه الحرية حق طبيعي وفطري لكل البشر، ومن حيث إن حياة هؤلاء البشر لا يمكن ان تتحقق بدون تسامح، اي بدون الحق في الاختلاف.