شهدت "المکتبة الرضویة" فی تاریخها الطویل بکثیر من التغييرات فی خراسان ( مشهد). و أول بارقة لهذا المظهر القدسی وُجدت قبل ستة قرون من الزمن بسبب الرغبة فی الخیر و الإیمان الصادق لدی الواقفین و المهدین المخلصین المجهولین و من ثم إقبال طلبة العلوم الدینیة المقیمین فی مشهد و الزوار الفضلاء و اهتمام خدام و عشاق حرم الإمام الرضا(ع) کل ذلک تسبّبَ فی رواج البلا ط الرضوی و رونقه.
تقریباً منذ 1150 ق، تعیّن مکان المکتبة غیر أن الاهتمام الجدی بمکانها یرجع إلی قبل هذا التاریخ. و هذا هو بالضبط سبب الإسراع فی تطور المکتبة و الإقبال المضاعف من جانب المحققین و قراء الکتب علیها. مع التغیّر المستمر لمکان المکتبة و لکنها لاتزال فی جوار المرقد المطهر و داخل مجموعة المشهد المشرَّف. شُیِّد أول بناء شامل و مستقل للمکتبة فی 1950م فی الشمال الغربی لرواق الإمام الخمینی(ره) (صحن الإمام الخمینی السابق) و فی سنة 1978م انتقلت إلی بناء جدید و واسع فی الطابق الأعلی لمتحف الروضة الرضویة فی شرقی نفس الرواق(الإمام الخمینی(ره)).
بدأ تشیید البناء الفاخر الحالی منذ سنة 1982م و انتهی فی سنة 1993م بمساحة 28800 متر مربع و منذ منتصف سنة 1994 تم افتتاحه. افتتاح هذا البناء العظیم کان فی میلاد ثامن الحجج الإمام علی بن موسی الرضا مصادفاً فروردین سنة 1995م خلال حفل عظیم فی حضور رئیس الجمهوریة لتلک الفترة و التولیة للروضة الرضویة و عدد من الشخصیات الثقافیة و المحققین و ....
المكتبة الرضوية : وهي أقدم مكتبة إسلامية، توجد فيها كتب يبلغ تعدادها زهاء مليون كتاب في 42 لغة، وتحتوي على أمهات الكتب والمصادر إضافة إلى المخطوطات النادرة التي لا توجد في العالم وعددها 40 ألف مخطوطة تقريباً. تحتفظ مكتبة العتبة الرضوية الشريفة في مشهد المقدسة بتحفة نادرة من الكتب تضم ۸ آلاف و۸۰۰ كتاب ومخطوطة وكتب الكترونية.ويعمل فيها مئات الموظفين يرأسهم موظف بدرجة مدير عام، ويقصدها الدارسون والمحققون من مختلف البلدان.
متحف القرآن الكريم: وهو متحف خاص بالقرآن الكريم أُسس في عهد الجمهورية الإسلامية، يضم نسخاً نادرة للقرآن الكريم المخطوط والمطبوع ولمخطوطات من التفاسير المتعددة والمتنوعة. وهو من طابقين، في الأول توجد لوحات ورسوم لكبار الفنانين الإسلاميين الإيرانيين، وفي الطابق الثاني مجموعة من النفائس التي لا تقدر بثمن، مثل مصحف في 68 صفحة، كل صفحة ذات 15 سطراً مكتوب بخط أمير المؤمنين الإمام علي عليه السّلام أوقفها الشاه عباس الصفوي، وهي بخط كوفي خطها الإمام عليه السّلام على جلد الغزال، كذلك هناك نسخة تتألف من 122 ورقة كل صفحة فيها 7 أسطر بخط كوفي على جلد الغزال، منسوبة إلى الإمام الحسن السبط عليه السّلام، ونسخة أخرى أيضاً من جلد الغزال في 41 ورقة كل ورقة فيها 7 أسطر وبخط كوفي خطها الإمام الشهيد الحسين بن علي عليه السّلام، كذلك هناك نسخة خطية رائعة في 369 صفحة كل صفحة ذات 18 سطراً تبدأ من الآية 180 من سورة البقرة حتى نهاية القرآن الكريم وهي بخط الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السّلام. كذلك هناك نسخة أخرى بخط أحد الأئمّة الأطهار في 58 ورقة.. وهناك نسخة نفيسة جداً من القرآن الكريم خُطّت بخط الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام وقد جلبت من العراق ووقفها العلامة البهائي.. كما هناك نسخ رائعة من القرآن الكريم الخطية تعود إلى فترات مختلفة، ومنها مصحف كتب بطريقة عجيبة جداً وقد وضع برقم 112، صفحاته من ماء الذهب وكتب بخط الثلث بـ 402 صفحة كل صفحة في 11 سطراً مرصعاً، كتبه عبدالقادر الحسيني الشيرازي وأوقفه حيدر علي خان بتاريخ 1248هـ. والعجيب في هذا المصحف أن أسطره الأحد عشر رتبت في كل صفحة بشكل غريب وعجيب بحيث أن السطر الأول يبدأ بحرف يبدأ به السطر الحادي عشر. والسطر الثاني يبدأ بكلمة حرفها الأول هو حرف الكلمة التي بدأت في السطر الحادي عشر. والسطر الثاني يبدأ بكلمة حرفها الأول هو حرف الكلمة التي بدأت في السطر العاشر، وهكذا بقية الأسطر: الثالث والتاسع، والرابع والثامن، والخامس والسابع، أما السطر السادس وهو سطر حر لا يرتبط بالأسطر الأخرى وقد كتب القرآن كله بهذه الصورة.
وفي متحف المخطوطات في العتبة الرضوية المقدسة توجد نسخ خطية بخط يد الإمام الرضا (ع) وآثار خطية قيمة منها لوحة تضم الأسماء الحسنى، والرسالة الذهبية، وتحفة الزائرين، والخطبة التوحيدية وشرايع الإسلام وغيرها من التحف الفريدة.
وتضم المكتبة الرئيسية في العتبة الرضوية المباركة إضافة الى المخطوطات والطباعة على الصخور ما يفوق على الـ۳ آلاف عنوان منها ۸ آلاف كتاب و۶۰ رسالة واطروحة جامعية واكثر من ۱۷۰۰ عنوان كتاب مطبوع من آثار العلماء والشخصيات العلمية والثقافية.
- جوله فی بنایة المکتبة الرضوية:
المصلی:
له سقف و جدران من الخشب المشبک, بمساحة 120 متراً مربعاً تقریباً. شِباکه الخشبیة تشابه التصامیم المتشابکة للمقابر المتبرکة. فی وسطه یوجد عمود خشبی, هذا العمود شبیه بنخلة ظلّت أغصانها علی سقف المسجد و أعطته مظهراً رائعاً. هذه النخلة الخشبیة تذکّرنا بمسجد "قبا" أول مسجد أُسِّس فی المدینة علی ید النبی الأکرم(ص).
رصفت القطع الخشبیة للسقف کأعضان صغیرة و کبیرة من خلال تصمیم جمیل حُفرت علی هذه القطع أسماء و صفات الله تعالی بحیث تناسب سطوح الأوراق. و ايضاأسماء الأئمة المعصومین(ع) فی أطراف السقف المذکور کُتب الحدیث الشریف "من کنت مولاه فهذا علی مولاه" عن طریق الخشب المعرَّق مع ترکیب من الخطوط السوداء المکرَّر و بخط الثلث البنیّ الفاتح و الغامق.
مصابیح السقف مصنوعة بالید و تتکرَّر فی تصمیم مدوَّر فی زجاجات صغیرة مزینة بالکلمة المبارکة «یا خالق النور »کُتبت الآیة الشریفة «الله نور السموات و الأرض» علی زجاجات المصابیح التی نُصبت علی الزوایا الأربع لسقف المسجد و هذه المصابیح أکبر من المصابیح التی ذکرناها أولاً. ینبعث نور من مجموع المصابیح الصغیرة و تلک الأربع الکبیرة فی جو المسجد بحیث یعطیه صبغة معنویة رائعة. توجد أُطُر علی کل من صفحات جدران المصلی و توجد أیضاً فی المحیط الداخلی لکل إطار نقوش إسلیمیة من نوع المعرَّق الخشبی. إطاران اثنان من هذه الأطر بمساحة 4 أمتار مربعة لکل منهما یعرضان شمساً مع 32 ضلعاً و وسط أحدهما اسم الإمام علی(ع) و فی وسط الآخر اسم فاطمة الزهراء(س). کُتبت 32 حدیثاً نبویاً متعلقاً بمقام و شخصیة هذین العظیمین من مصادر اهل السنة بحیث أن الأحادیث فی الیمین تنتهی بأسمائهم و الأحادیث فی الیسار تبدأ بها.
مدخل المکتبة الرضوية:
علی الجدران الشمالیة لإیوان المدخل من معتصم الطبرسی توجد کتیبتان حجریتان و مطلیتان, تدلان علی تاریخ المکتبة المرکزیة و علی سبب إنشاء البنایة الجدیدة و کذلک علی تاریخ افتتاح المکتبة المرکزیة. إحداهما باللغة الفارسیة و بخط النستعلیق و الأخری باللغة العربیة و بخط الرقعة.
توجد جنب السُّلَّم أربع کتائب حجریة معرّقة. هذا الأثر الفنی الخلاق یتضمن أربعة نصوص من مفجّر الثورة الإسلامیة، الإمام الخمینی ، و من قائد الثورة الامام الخامنئی بالفارسیة و بخط النستعلیق المکسور المطلی. مقابل السلم غرف لودائع الزوار. سقوف هذه الغرف مزیّنة بالنقوش الجصیة الملونة مع حاشیة ذهبیة فی الزوایا.
الجدران فی هذه الناحیة مغطاة بالرخام الأبیض مع القیشانی اللاجوردی عند اتصال القطع الرخامیة ببعضها حیث شکلت هذه الاتصالات کلمة «لاإله إلا الله». جنب هذه المساحة توجد ردهة و في جزء منها تقع الدرجات الأصلیة لجمیع الطوابق و من فوقها تری سقفاً مزیناً بالنقوش الجصیة المتشکلة من مقرنصات فی الأطراف و أربعة قنادیل جصیة مقرنصة محاطة بشبکة من نقوش جصیة رائعة لإضاءة المکان إضاءة طبیعیة. هناک علی جزء آخر من جدران هذا المدخل توجد صورتان للإمام الخمینی و قائد الثورة فی شکل نقوش جصیة مطلیة مع رسوم خلّابة فی الحواشی. کُتبت أیضا الآیة الشریفة «أطیعوا الله و أطیعوا الرسول ...» فی الطرف المقابل لهذه الصورة.
علی الجهة الیمنی للمدخل یکون قسم تداول الکتب و فی الجهة الیسری صُنعت ثلاثة إطارات جصیة علی الجدران و فی کل منها تشاهد لافتة بمساحة 10 أمتار مربعة و کُتبت فی کل لافتة آیات قرآنیة حول العلم فی شکل نقوش جصیة.
هناک ساحتان وسط الطابق الأرضی بمساحة 660 متراً مربعاً. الساحتان مبنیتان بطریقة تقلیدیة مع إیوانات فی الأطراف. الصالات فی الطبقات العلیا تیسّر الاستفادة من هذه الإیوانات و فی نفس الوقت الإضاءة الطبیعیة للصالات لاتأتی إلا عن طریق هذه الإیوانات. رُکّبت واجهة الساحتین من الآجرّ و القیشانی. تضم أبواب الساحتین مدیحة بخمسین بیتاً مکتوباً بخطوط معرّقة .کُتبت الآیه الشریفة «ن و القلم » علی واجهة کل باب من الأبواب الأربعة مقابل القبلة.
فی وسط إحدی الساحتین شُیّد حوض ماء حجری مع خزّان احتیاطی لإطفاء الحریق، و فی زوایاها الأربع تکون أربع جُنَینات و فی وسط کل منها نُصب عمود حجری علیه مصابیح فانوسیة. الساحة الأخری یضیئها مَنوَر یکون فی وسطها و أعلی المنور یوجد تمثال للقران الکریم و فی حوالیه عدة کتب حجریة حُفرت علیها أسماء القرآن المختلفة و أسماء الکتب الإسلامیة.
فی الطابق الأسفل و تحت المسرح یوجد مطعم کبیر مع کافة الإمکانیات لاستضافة المراجعین عبر نظام الخدمة الذاتیة.
و كذالك فی الطابق الأسفل: صالات الرفوف المفتوحة للرجال و السیدات و الاطفال، صالات السمعبصریة، أرشیف خراسان و طوس, أرشیف الصحف و الوثائق، مرکز الکومبیوتر و الأرشیف، مخزن الکتاب بمحیط 120 متراً مکعباً مع کافة اللوازم الفنیة و العملیة و أیضاً غرفة المحرکات.
صالة قدس: هی من الروائع الفنیة الإسلامیة، أُعدّت لإقامة الموتمرات و الاجتماعات الداخلیة و الخارجیة، مساحتها 1000 متر مربع و فیها 761 کرسیاً مجهزاً بالنظام السمعبصری و الترجمة الفوریة. تزیّن جدرانها الآیات القرآنیة و الأحادیث الشریفة للنبی الأعظم(ص) و للمعصومین(ع) و النقوش الجصیة و المذهَّبات لفنّانین الروضة الرضویة المقدسة.
إعداد : علي اكبر بامشاد