الجامع الأزهر.. منارة للعلم في علوم الدين والدنيا
وكالة أنباء التقريب (تنا )
تاريخ من المعرفة والعلم والتفقه في علوم الدين، وسيرة متصلة من التمرد والثورة على قوى الظلم والطغيان.. يجسدها الجامع الأزهر . يعد الجامع الأزهر من أهم مساجد القاهرة ومعالمها التاريخية والإسلامية، حيث يرتاده يوميا أكثر من خمسة آلاف مصل من مختلف الجنسيات وطلاب مدينة البعوث الإسلامية .
هذا العام ارتدى مسجد الأزهر أبهى الحلل بعد الانتهاء الكامل من عمليات الترميم والتطوير التي خضع لها لأكثر من ثلاث سنوات. وعلى مدى أكثر من ألف عام منذ إنشائه، ظل الجامع الأزهر يؤدى دوره كمنارة للعلم. فكان جامعا وجامعة ومؤسسة للتعليم والعلم والبحث في علوم الدين والدنيا. ويعد الجامع الأزهر رابع جامع أنشئ في مصر بعد الفتح الإسلامي، وأول جامع أقيم في مدينة القاهرة. أنشأه القائد جوهر الصقلي بأمر المعز لدين الله الخليفة الفاطمي. تم وضع أساس الجامع الأزهر في ١٤ رمضان سنة ٣٥٩ هجرية (٩٧١ م)، وتم بناؤه في سنتين. وافتتح الجامع الأزهر للصلاة لأول مرة في رمضان سنة ٣٦١ هجرية، فلم يلبث أن تحول الأزهر إلى جامعة تدرس فيها العلوم الدينية والعصرية، ويجتمع فيها طلاب العلوم من كافة الأقطار. فيما ظل الجامع موضع رعاية ملوك مصر وأمرائها، مما تسبب في ضياع أكثر معالمه الفاطمية وأصبح المسجد الحالي يمثل مختلف العصور المتعاقبة على مصر. لذلك فإن الجامع الأزهر بعمره المديد على مدى أكثر من ألف عام ليس كله الجامع الفاطمي الأصل، بل هو حصيلة إضافات من العمران ضمت إليه في أزمان متتابعة. فقد كان الأزهر في بداية إنشائه يتكون من صحن المسجد الحالي المكشوف وبيت الصلاة المكشوف الذي كان يقع إلى شمال الصحن الحالي، وكان له جانبان أيمن وأيسر وفيهما مبانٍ، فكان في كل من الجانبين الأيمن والأيسر ثلاثة أروقة، ثم توالت الإضافات والزيادات وأضيفت للمبنى أروقة جديدة حتى أصبح الأزهر اليوم بمثابة متحف للفن الإسلامي في مصر. الجامع في شكله الحاضر بناء فسيح يقوم على أرض مساحتها ١٢٠٠٠ متر مربع، يحيط به سور مربع الشكل تقريبا. وللجامع ثمانية أبواب، وله خمسة مآذن مختلفة الطرز لأنها بنيت في عصور متفاوتة، وكان للأزهر عشرة محاريب أزيل أربعة، وبقي الآن ستة تتفاوت في الجمال والإتقان. كما أن للأزهر ثلاث قباب أجملها وأكبرها تلك التي تقوم فوق المدرسة الجوهرية. ويزين الجامع الأزهر ٣٨٠ عمودا من الرخام الجميل.
كان للأزهر دوره وتأثيره البارز في مختلف الحقب التاريخية التي مرت بها مصر، وكانت ساحته نقطة انطلاق لمظاهرات شعبية عارمة واكبت جميع الأحداث والثورات السياسية التي تعاقبت على مصر والأمة الإسلامية. كما كان للجامع الأزهر دور كبير في شهر رمضان وكان الحكام يتنافسون في ترتيب الأوقاف الكثيرة عليه، وبدأ يلعب دورا هاما في التعليم وكفالة الأيتام وتحفيظ القرآن، وكانت تصرف فيه مبالغ كبيرة على طلاب العلم، عرفت باسم «الجراية». وفى رمضان كانت أيام البهجة تعم الشهر كله، فقد كان يصرف لطلابه الكساوى (الملابس) وكان يصرف للطالب قميص وجبة وطاقية وبابوش (يعني حذاء) وفي بعض الأوقاف كان يستزاد من الخيرات في ذلك الشهر الكريم. وكان يصرف أيضا لأسرة الطالب، بالإضافة إلى الكساوى الأطعمة. وفي وقت الإفطار كانت كميات الطعام تزداد بشكل ملحوظ، وتزداد كمية «الثريد» والحلوى ومنها «المعمول بالسكر»، وفي نهاية الشهر كان يصرف للطلبة ما يشبه كعك العيد والمكسرات والتمر.
وكان الأزهر يتلألأ في شهر رمضان ويسبح بالأنوار المبهرة وفيه كانت تزداد كمية الشموع المضاءة والزيت اللازم لإضاءة القناديل وكانت هذه الزيارة لها حساب في الأوقاف الموقوفة في شهر رمضان. وكانت القناديل تتناثر في أرجاء المسجد من وقت الإفطار حتى السحور في مدخل المسجد والصحن ورواق القبلة الذي يجلس فيه الطلبة والمتعبدون يتلون القرآن حتى صلاة الفجر. وعلى مآذن الأزهر كان المؤذن يصعد ويبدأ في تلاوة التواشيح والتسابيح حتى وقت أذان الفجر، وكان هذا يتم يوميا في شهر رمضان. كما نجد الآن مائدة الرحمن التي تقام في الجامع الأزهر ويقصدها كثير من المصريين والسياح الذين يأتون لزيارة المسجد، باعتباره أثرا إسلاميا عظيما، ومنارة للعلم والعبادة.