الصرخات المليئة بالرعب التي انطلقت هذا الاسبوع من قبل معلقي الصحف وكتاب الاعمدة اثبتت ان هذا المنطق النمطي عن نصف مليار امرأة مسلمة ملتزمة بالتعاليم الاسلامية لا زال سائدا.
لورين بوث: انا الان مسلمة فلماذا كل هذه الصدمة والرعب
29 Nov 2010 ساعة 16:41
الصرخات المليئة بالرعب التي انطلقت هذا الاسبوع من قبل معلقي الصحف وكتاب الاعمدة اثبتت ان هذا المنطق النمطي عن نصف مليار امرأة مسلمة ملتزمة بالتعاليم الاسلامية لا زال سائدا.
اثار اعلان الصحفية البريطانية لورين بوث اخت زوجة رئيس الوزراء السابق شيري بلير الاسبوع الماضي عن اعتناقها الاسلام بعد زيارة لطهران، وما قالت عنها تجربة روحية امام ضريح فاطمة المعصومة، ردود افعال بين الكتاب والصحافيين البريطانيين خاصة الناشطات النسويات، فقد كتبت واحدة عن تجربتها الصعبة في اعتناق اليهودية وكيف انها تخلت بعد ذلك وشعرت بنوع من الغرابة.
واكدت لورين قرارها في مؤتمر كبير يعقد كل عام او عامين في لندن بقاعة 'اكسل' للمعارض وهو مؤتمر الوحدة والسلام العالمي الذي تنظمه قناة اسلام في لندن. ولان الاقاويل كثرت حول طبيعة الاعتناق وطريقته، فهي الناشطة المعروفة بدفاعها عن الفلسطينيين وشجبها لقرار زوج اختها، توني بلير جر بريطانيا للحرب في العراق، وعملها الدائب في جماعات ضد الحرب وهي التي 'حشرت' في غزة لايام اثناء الحرب كان لاعلان اسلامها اثر جيد على المسلمين البريطانيين فقد انضمت لقائمة طويلة من الوجوه العامة في بريطانيا التي وجدت في الاسلام ملجأها الاخير الامن، واثارت نوعا من الاستغراب لدى معلقي الصحف. ومن اجل توضيح قرارها كتب لورين في ملحق جريدة 'الغارديان' يوم الاربعاء مقالا تحت عنوان ' انا الان مسلمة: فلماذا كل هذه الصدمة والرعب'.
توقفوا عن اصدار الفتاوى
وفي مقال لها دعت المعلقين للتوقف عن اصدار الاحكام المسبقة 'الفتاوى' ومعاملة المرأة المسلمة بطريقة فوقية. واشارت لورين في المقال الى ان علاقتها بالاسلام لم تكن وليدة يوم واحد او تجربة عابرة بل جاءت نتاجا لرحلات وانشطة، ومحطات بدأت بالمحطة الفلسطينية حيث قالت انها ومنذ 'زرت فلسطين اول مرة قبل خمسة اعوام وعندما وصلت الى المنطقة للعمل مع منظمات خيرية في غزة والضفة الغربية، فقد حملت معي كل مظاهر التبجح المكثفة التي يحملها معهم ابناء الطبقة المتوسطة البيض ايا كان الامر، ابانوها ام اخفوها، وفيما يتعلق بوضع المرأة المسلمة المسكينة، المرأة المسلمة التي افترضت وتخيلت انها لن تكون الا صامتة اكثر من عباءة سوداء طويلة'. وتقول و'كامرأة غربية تعيش حريتها فقد توقعت انني لن اتعامل بمهنية الا مع الرجال فقط'، ففي النهاية 'هذا هو العالم الاسلامي' الذي نعرفه. وتؤكد ان الصرخات المليئة بالرعب التي انطلقت هذا الاسبوع من قبل معلقي الصحف وكتاب الاعمدة اثبتت ان هذا المنطق النمطي عن نصف مليار امرأة مسلمة ملتزمة بالتعاليم الاسلامية لا زال سائدا.
وفي الوقت الذي تعترف فيه لورين انها وفي رحلاتها الاولى لـ 'رام الله والرحلات اللاحقة لفلسطين والاردن ومصر ولبنان تعاملت مع الرجال الذين يديرون السلطة، ومنهم واحد او اثنان، يا قارئي العزيز، كانا من اصحاب اللحى المخيفة الذين نراهم في نشرات الاخبار التي تتحدث عن اماكن بعيدة من تلك التي قصفناها بالقنابل وفتتناها'. ومن المثير للاستغراب 'صدق او لا تصدق، بدأت التعامل مع نساء من كل الاعمار، ومن المحجبات وبطرق مختلفة ممن وصلن الى مراكز السلطة والادارة' وتعلق في محاولة لكسر النمطية عن المرأة المسلمة قائلة ان 'المرأة المسلمة يمكنها التعلم والعمل ولساعات طويلة قاتلة كما نفعل وحتى اصدار الاوامر لازواجهن وامرهم امام اصدقائهم بالذهاب للمطبخ وهو يتأفف كي يعد طعام العشاء'. وتتساءل الكاتبة قائلة: الا يعتبر هذا الامر ابوية؟ وتعلق قائلة 'آمل ان يكون كذلك؟'.
تعليقات نمطية
وما يدفعها للقول هي تلك التعليقات الساخرة عن اسلامها التي صدرت من عدد من الكتاب البريطانيين عن 'المسكينة لورين' وتقول ان 'اعتناقي للاسلام كان ذريعة اتخذها المعلقون لمراكمة تلال من التعليقات الابوية الطابع وعن المرأة المسلمة في كل مكان، لحد انني اثناء ذهابي الى لقاء لمناقشة موضوع الاسلاموفوبيا في الاعلام، فكرت بشراء خطاب والتظاهر بانني ابو حمزة (المصري). فبعد كل هذا وبناء على التعليقات التي صدرت من معلقات صحافيات فانا 'امثل الان للمدافعات عن حقوق الانسان ما يمثله الخطاف لبائع السكاكين والشوك'.
خذ نفسا عميقا واتبعني
ومن هنا تدعو لورين بوث قارئها لاخذ نفس عميق من اجل اخذه لرحلة في الاسلام الذي نعيشه في القرن الحادي والعشرين. طبعا تقول 'لا يمكننا التغاضي عن الطريقة الفظيعة التي يتم فيها معاملة المرأة في عدد من المدن والثقافات، سواء من كان فيها نساء مسلمات او لم يكن، فالنساء اللواتي ينتهكن من الاقارب الذكور ينتهكن من رجال لا من الله. فالكثير من ممارسات المجتمعات 'الاسلامية' (تأكيد منها) انحرفت عن الاسلام او في الاعم الاغلب لا علاقة لها بمبادئ الدين الاسلامي. وبدلا من ذلك فالكثير من الممارسات تقوم على ثقافات وتقاليد (نعم تقاليد ذكورية) وعادات تم دمجها في هذه المجتمعات.
العائلة السعودية صديقة حكومتنا
وتضيف 'مثلا، في السعودية، يحظر القانون على النساء قيادة السيارات، وهذا القانون هو ابتداع من العائلة الحاكمة، وهي الحليف القريب لحكومتنا في مجال تجارة السلاح والنفط. وعليه فالكفاح من اجل حقوق المرأة يجب وللاسف ان يتم تكييفه من اجل خدمة مصالح حكومتنا'. وتقود لورين القارئ الى الطريق الذي قادها للاسلام حيث تقول 'طريقي للاسلام بدأ بصحوة تشير الى الفجوة بين ما تم تقديمه لي عن الاسلام وواقع الاسلام' وتقول 'بدأت اتساءل عن الطمأنينة التي تظلل الكثير من 'الاخوات' و 'الاخوة'، وليس كل هذا، فمن نتحدث عنهم بشر' وتضيف انها في زيارتها لطهران في ايلول (سبتمبر) ذكرتها مشاهد 'الوضوء والركوع والتكبير في المسجد الذي زرته، بموقف مختلف كليا عن دين، لا يدعو الى العنف ويبشر بالسلام والحب، دين اخر يجذب النجوم مثل ريتشارد غير، دين لم يكن الواحد يجد حرجا او خوفا من الاعتراف باعتناقه، وهو البوذية'. وتضيف ان 'الركوع والسجود في صلاة المسلمين كان مشبعا بالامن والطمأنينة والسلام، فكل واحد يبدأ صلاته ب "بسم الله الرحمن الرحيم" وينهي ب "السلام عليكم".
وتشير الى ان التحولات التي بدأت تشعر بها اخذت مكانها في العام الماضي فلم يلاحظ عليها احد انها اخذت تقول في دعائها 'عزيزي الله (يا الله) بدلا من 'عزيزي الرب (يا رب)'. ومع ان معناهما واحد الا انه للمعتنق الجديد للاسلام قد يشكلان عقبة فهم لغوية فيما يتعلق بطبيعة لغة الكتاب المقدس.
ثم جاء بعد هذا التحول الاول ثان وهو الشعور العاطفي والتدفق الذي كانت تشعر به وهي في رفقة المسلمين. مشيرة الى ان الحدود الثقافية تمنع الغربيين مثلا من التعبير عن حبهم لبعضهم البعض في الاماكن العامة بدون ان يثيروا شك المجتمع وحتى العناق في المجالات العامة. فما رأته من مشاعر متبادلة تنم عن الحب في بيوت المسلمين وحول 'صينية من الحلوى المعسلة'. وعندها بدأت تتساءل قائلة انه ان كانت 'قوانين الله مبنية ببساطة على الخوف، لماذا لا يدير اصدقائي الذين احبهم واحترمهم لهذه الشعائر والتحول للشراب والتمتع بالحياة كما نفعل نحن في الغرب' وتضيف ساخرة 'نستمتع اليس كذلك؟'.
على راحتك لا تستعجلي
وفي النهاية ـ تحولاتها ـ تقول 'اشعر بما يشعر به المسلمون عندما يصلون: انسجام عذب، رعشة من الفرح وهو كل ما كنت اشعر بالامتنان به، اولادي في امان وبالتأكيد لا اريد اكثر من ذلك'، وتضيف انها بعد ان صلت في مسجد المعصومة في ايران وتوضأت 'وقال لي الشيخ الذي استمع لشهادتي في لندن قبل بضعة اسابيع 'لورين لا تستعجلي، خذيها بالراحة، الله ينتظرك ولا تهتمي باولئك الذين سيقولون لك لا افعلي هذا ولا تفعلي هذا، البسي هذا ولا تلبسي هذا، صففي شعرك هكذا، اتبعي حدسك، اتبعي القرآن والله سيرشدك'.
وتختم قائلة 'انا الان اعيش في الواقع وليس مثل تلك الشخصية لجيم كيري في 'ترومان شو'، فقد تعرفت على طبيعة الكذبة الاولى التي نعيش فيها في حياتنا المعاصرة: المادية والاستهلاكية والجنس والمخدرات وان هذه الاشياء هي التي تمنحنا السعادة، ولكنني نظرت ايضا خلف الشاشة ورأيت عالما/ وجودا ساحرا وغنيا بالحب والامل والسلام. وفي الوقت الحالي، اواصل حياتي اليومية، اطبخ العشاء (لاولادي) اعد البرامج التلفازية عن فلسطين، ونعم اصلي نصف ساعة تقريبا كل يوم'. وتقول 'الان، يبدأ صباحي بالصلاة حوالي الساعة السادسة، ومرة اخرى في الواحدة والنصف، واخيرا في العاشرة والنصف مساء، لكن تقدمي في قراءة القرآن الذي ضحك منه البعض بطيء (وللعلم، فقط قرأت حتى الان ۲۰۰ صفحة). فيما استمع للنصائح من الشيوخ وآيات الله وكلهم يقولون لي ان كل رحلة للاسلام يقوم بها الفرد تظل ذات طابع خاص، ففي بعض الاحيان يحفظ الاشخاص القرآن قبل اعلان اسلامهم، بالنسبة لي قراءتي بطيئة، وعلى راحتي'.
لن اعود للخمر
وعن تركها الكحول تقول 'في الماضي، باءت كل محاولاتي للاقلاع عن الخمر بالفشل، ومنذ اسلامي لا اتخيل انني سأعود للخمر مرة اخرى، ولا اشك ان هذه المرة هي للابد، فهناك الكثير لتعلمه من الاسلام والاستمتاع والاعجاب به'. وفي 'الايام القليلة الماضية استمعت لقصص مسلمات جديدات وقلن لي انها البداية وانهن بعد عشر او عشرين عاما لا زلن في حبه'.
'اتركونا في حالنا'
وفي نهاية المقال تقدم ما تقول انه ترجمة سريعة حول تجربة التنقل بين الثقافة الاسلامية وثقافة الاعلام، اي التناقض فيما يفهمه الغربي ويعبر عنه المسلم وتريد قول هذا، لعله يؤدي لتغيير مواقف بعض الناس حيث تقول انه عندما يظهر المسلمون على شاشة بي بي سي يهتفون 'الله اكبر' وخلفهم سماء صافية تشير الى المتوسط، فاننا نحن الغربيين تعلمنا ان هذا الهتاف يعني بالنسبة لنا 'نكرهكم كلكم ايها البريطانيون في غرف جلوسكم ونحن في طريقنا اليكم لنفجر انفسنا في 'ليدل- محل' وانتم تشترون حاجيات الاسبوع'.
وعلى خلاف ما يفهم او تعودنا الفهم 'فنحن المسلمين نقول ان الله هو الاكبر ونحاول تعزية انفسنا عندما تقوم دول غير مسلمة بالهجوم على قرانا، وفي الحقيقة فان هذه العبارة هي نداء امل منا نحن المسلمين للعيش بامن وامان مع جيراننا، ان نكون في سلام مع ربنا مع اخواننا في الانسانية، مسلمين وغير مسلمين. وفي الوضع الحالي وان فشلنا في تحقيق هذا فكل ما نحلم به هو ان نترك لوحدنا كي نعيش بسلام، وسيكون جميلا لو حصل هذا.
لندن ـ 'القدس العربي'
رقم: 32598