يعد تاريخ مدينة القنيطرة جزءً من تاريخ الجولان , ويعود تاريخ القنيطرة إلى عهود قديمة فقد عثر في أطرافها على حجارة نقشت في العهد الروماني كما عثر على حجارة بازلتية تعود إلى العهد اليوناني , و يؤكـد المؤرخون أن القديس بولـس الرسول جاء إلى القنيطرة قبل 2000 عام خلال رحلته التبشيرية , وفي العهد العثماني كانت القنيطرة عبارة عن خربة تافهة غير مأهولة ثم أصبحت بلدة صغيرة قطنها الفلاحين العرب , وكان الوزير العثماني الشهير لالا مصطفى باشا ( والي الشام 1563م – 1567 م ) قد أنتبه إلى أهمية القنيطرة التي كانت آنذاك محطة للقوافل التجارية القادمة إلى دمشق من فلسطين أو بالعكس , ولذلك قام الوالي المذكور بإنشاء مخفراً للدرك وتكيةً وجامعاً ودكاكين وتركها أوقافاً , وقبيـل الأحتلال الصهيوني بفترة قليلة بني على إنقاض تلك الخانات داراً للحكومة والبلدية وبقي الجامع المشيد في وسط البلدة .
وفي العهد الوطني تطورت المدينة بشكل ملحوظ فقد أزداد التوسع العمراني وسكنت المدينة عائلات التجار الدمشقيين وأغلبهم من الميدان وأقاموا أسواقا لتجارة الحبوب , و مسيحي مرج عيون و فلاحي قرى الجولان , وشهدت المدينة حضارة لاتضاهى ووصل عدد سكان المدينة سنة 1938م حوالي (3000 نسمة ) , وفي عام 1948م أستقبلت المدينة اللاجئين الفلسطينين الذين شردتهم اسرائيل , كما سكن المدينة عائلات الجيش السوري المرابط على الحدود .
تقع القنيطرة في وادي مرتفع في هضبة الجولان يسمى "سهل القنيطرة" على ارتفاع 1,010م فوق مستوى سطح البحر. أُنشأت القنيطرة في الحقبة العثمانية كمحطة على طريق القوافل إلى دمشق، ثم أصبحت بلدة تأوي 20,000 شخص. تقع القنيطرة بشكل إستراتيجي قرب خط إطلاق النار مع إسرائيل، واسمها يعني "الجسر الصغير".
تبعد عن العاصمة دمشق بحوالي 67 كيلومترا، يحدها من الشمال الحميدية والثليجات، ومن الشرق الرقادية، والمضرية وعين زيوان من الجنوب، والمنصورة ودلوة من الغرب.
عندما نالت دولتي سوريا وفلسطين استقلالهما عن فرنسا وبريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، نالت القنيطرة أهمية إستراتيجية بصفتها محطة رئيسية على الطريق بين البلدين تبعد 64 كم عن الحدود، لذا أصبحت سوقًا مزدهرة ومكان تجمع عسكري، مع سكان يفوق عددهم 20,000 نسمة، غالبيتهم عرب.
إحتلال القنيطرة وتحريرها
في غضون حرب حزيران 1967 بين الكيان "الاسرائيلي" والدول العربية ، استغل العدو الصهيوني فوضوية الظروف ليحتل القنيطرة في 10 حزيران 1967 اخر ايام الحرب ، وأنتشرت دبابات العدو شمالي المدينة بعد أن تركها الجيش السوري .
بقيت المدينة المهجورة بيد إسرائيل لمدة ستة سنين. لكن إسرائيل وسوريا بقيتا في حالة حرب خلال تلك الفترة ، الى ان تمكن الجيش السوري من تحرير المدينة عام 1974وتوقيع اتفاق فك الاشتباك بوساطة امريكية . واقدم الكيان الصهيوني اثناء توقيع الاتفاق الى تدمير المدينة باكملها مستخدما الديناميت والمتفجرات والبلدزورات والجرافات وتركها أرضاً يباب , وفي يوم 25 حزيران 1974 م أصبحت تحت السيادة السورية , وفوجئ أهل القنيطرة بدمار مدينتهم وحتى اليوم لاتزال القنيطرة مدينة أشباح .
كان تخلى إسرائيل عن القنيطرة مثيرًا للجدل، حيث رفضه المستوطنون وحزب الليكود، حتى أنهم أقاموا مستوطنة في ضواحي المدينة لفترة وجيزة. بدأ الانسحاب الإسرائيلي من المدينة في 6 يونيو. وفي 26 يونيو، زار الرئيس السوري حافظ الأسد القنيطرة، حيث تعهد بإعادة بناء المدينة واستعادة الأراضي المحتلة.
تضم الاتفاقية بند يدعو إلى إعادة المدنيين السوريين إلى المناطق التي انسحبت "إسرائيل" منها، وينص ملحق أضيف إلى الاتفاقية على إرسال قوة خاصة للأمم المتحدة (UNDOF) لمراقبة الهدنة وتطبيق الجانبين للاتفاقية، وما تزال هذه القوة متواجدة في المنطقة منذ ذلك الوقت وحتى الآن، ويقوم مجلس الأمن بتمديد مهمتها مرة كل ستة أشهر.
سكان القنيطرة
كان سكان القنيطرة كلوحة فيسفساء تضم كل الشعوب والملل والمذاهب كان يوجد من العرب العشائر( النعيم والفضل والبحاترة وغيرها) والقرويين , الشركس ويعود أصلهم إلى قفقازيا في روسيا وهم من العرق الأبيض , والشركس أصلهم أما من الشيشان وهم من القبائل الأديغية أوالداغستان وهم من القبائل القفقاسية وهم لايزالون محافظين على تقاليدهم ولغـتهم وهم من المسلمين ويتحدثون العربية بطلاقة , وفي عام 1938 قامت السيدة الفرنسية ( برو) بدراسة عن القضاء ورأت فيها أن سكان القنيطرة حوالي (3000 نسمة) منهم ألفاًً من العـرب والباقي من الشركس وخلال سنوات قليلة قـفزعدد السكان حتى وصل عام 1966م إلى (27378 نسمة) وكان ذلك ناجماً عن قدوم العديد من العناصرالبشرية الجديدة مثل التجار الشوام وعائلاتهم وأصلهم من الميدان , واللاجيئين الفلسطينين عام 1948 م الذين أصبح عددهم سنة 1966م (9594 نسمة) , و شراكس الريحانية وكفركما الفلسطينيتين عام 1951م , والمسيحيين المهاجرين من قرى جبل الشيخ و الكثير من سكان القرى بالأضافة إلى أعداد كبيرة من سكان المحافظات بغية العمل ويقدر عددهم بنحو (5000 نسمة) , وبعد قيام اسرائيل أستقـرت عائلات الجيش السوري المرابطة على الحدود .
أحياء القنيطرة
أنتشرت مباني القنيطرة بشكل دائري ومايميز المدينة أنها كانت مقسومة إلى شطـرين الأول يغلب عليه الطابع الشركسي والداغستاني , والأخـر يمثل الأحياء العربية و المسيحية , لقد تركزت مساكن الشركس في الأحياء الجنوبية والشرقية وهما : حارة الشركس على الطريق الذاهب إلى فلسطين وكان أغلب بيوتها من القبائل الأديغية , و حارة الداغستان المتجهة نحو المنصورة لقد كان البيت الشركسي يحمل الطابع القفقاسي ولكل منزل ســور خاص مبني من الحجارة البازلتية وبوابة حديدية وكانت البيوت مبنية من الحجارة المربعة البازلتية ومع دخول الملاط والسقف وهو ما يميز المنزل الشركسي وهو مصنوع بشكل هندسي موضور رباعي مغطى بالقرميد الأحمر وفي داخل المنزل يوجد عدة غرف بنيت على نسق واحد وتطل على فسحة صغيرة و حديقة صغيرة يزرع فيها بعض الخضروات والورود وشجرة ويوجد في البيت زريبة وغرفة علف , ويقع في شمالي شرق المدينة حارة العرب وقد تأثـر العرب بجيرانهم الشركس فكانت البيوت العربية شبيه بالشركسية : ويتألف البيت العربي من سور و ممر وعدة غرف بعضها بني بالحجارة البازلتية والأخر بالأسمنت وبعض البيوت بني فيها أكثر من طابق , ونتيجة للتطور السريع للمدينة التي أدت إلى زيادة عدد السكان و إنتشار الأسواق و التوسع العمراني للمدينة فقد نشأت أحياء جديدة منها حارة الشوام والتي تقع شمالي حارة الداغستان وحارة المسيحية في الشمال و شمالي غرب المدينة وحي الشهداء الممتد غربي المدينة .
طبيعة المدينة
تمتاز محافظة القنيطرة بتنوع تضاريسها ومناخها لدرجة يمكن لزائرها ان يعيش الفصول الأربعة في شهر واحد.
ففي شمال المحافظة يقع جبل الشيخ الذي يصل ارتفاعه إلى 2814 متراً وهو أعلى قمة في سورية أما في الجنوب فتقع منطقة الحمة والتي تنخفض 214 متراً تحت سطح البحر وهي النقطة الاخفض في سورية أيضاً وعلى طول 75 كيلومترا من جبل الشيخ باتجاه الجنوب نحو طبريا والحمة يتغير المناخ من البارد إلى المعتدل فالدافئ وهذا يؤدي إلى تنوع في الإنتاج الزراعي ومحاصيله المختلفة .
وتقع محافظة القنيطرة ضمن منطقة الاستقرار الأولى بمعدل أمطار 748 ميليمترا في السنة وهي تعتبر من المحافظات الغنية بالمياه نظراً لأمطارها الغزيرة وتساقط الثلوج على جبل الشيخ والمنطقة الشمالية.
وساهم التنوع الطبيعي والمناخي مع وفرة هطول الأمطار وخصوبة التربة في المحافظة بتنوع الزراعات وكثرة المروج والمراعي والغابات فالنشاط الرئيسي لسكان المحافظة هو الزراعة وخاصة القطاعين الأوسط والشمالي حيث تكثر زراعة التفاحيات والكرمة والعنب والتين والزيتون وجميع أنواع الخضروات وفي القطاع الجنوبي تكثر زراعة البكوريات وتربية المواشي.
وانتهت محافظة القنيطرة وفقا لإحصائيات مديرية الزراعة من استخدام الري التقليدي بالكامل حيث وصلت نسبة المساحات المروية بالري الحديث للمحاصيل الصيفية إلى 100 بالمئة في جميع شبكات الري الحكومية والآبار الخاصة.
وجاءت الإعفاءات الجديدة والمزايا التي منحت للفلاحين حافزاً لهم لاستبدال شبكاتهم القديمة إلى شبكات جديدة حيث تبلغ المساحات المروية على شبكات الري الحكومية من السدود 1317 هكتاراً ومن شبكات الينابيع 390 هكتاراً وعلى الآبار الخاصة 3007 هكتارات.
الاقتصاد
اعتمد سكان المدينة على الزراعة لأن الأراضي المحيطة بها خصبة، وكانت مـركزا تجاريا وصناعيا، وعرفت بإنتاج الزيتون والزيوت وصناعة السجاد والألبسة، وكذلك إنتاج عدد من مواد البناء كالآجـر الأحمر والإسمنت ورمل الكلس وغيرها.
الظروف الراهنة
بعد الازمة المفتعلة التي اختلقت لسوريا تحت شعار "الربيع العربي" والمعارضة السورية من قبل بعض الدول الاقليمية وبعض الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة من جانب والكيان الصهيوني من جانب اخر وباسناد مالي وتسليحاتي كبير للجماعات الارهابية وتحشيد واسع للتيارات التكفيرية من اقصى نقاط العالم وزجهم في المحرقة السورية ، استطاعت هذه القوى الظلامية ان تسيطر على اكثر من ثلثي الارض السورية وتعبث بامنها وحياتها الطبيعية مرتكبة ابشع الجرائم بحق الابرياء من المدن التي سيطرت عليها .
ومن المدن التي سيطرت عليها هذه العصابات مدينة القنيطرة الاستراتيجية والحساسة بالنسبة للكيان "الاسرائيلي" الى يومنا هذا حيث استطاع الجيش السوري من تحريرها قبل عدة ايام .
نظراً للموقع الجيوسياسي لمحافظة القنيطرة وأهميتها عند الكيان "الإسرائيلي" لما لها من تماس مباشر مع الجولان المحتل، ومنذ بداية الأزمة السورية، ومع قيام الجماعات الإرهابية بالسيطرة على مساحات مهمة من المحافظة، حاول الكيان "الإسرائيلي" استخدام مناطق المسلحين كحزام أمني حول مرتفعات الجولان من خلال التواصل مع هذه الجماعات وتزويدها بدعم شامل، إضافة إلى محاولة إنشائه منطقة عازلة بهدف زيادة عمقه الاستراتيجي شمال الأراضي المحتلة.
ويعدّ تحرك الجيش السوري باتجاه محافظة القنيطرة لتحريرها من الجماعات الإرهابية مهماً جداً لما سيمكّنه من الحصول على تماس مباشر مع مرتفعات الجولان المحتلة، الأمر الذي يضع العمق الاستراتيجي للكيان الإسرائيلي في وضع هش للغاية، ويوفر نوعاً من الردع ضد العمليات المحدودة للكيان في سوريا، ويمكن القول إن وصول الجيش إلى هذه المناطق سيزيد من قدرته وقدرة المقاومة على صدّ الاعتداءات الإسرائيلية، وبفعل ذلك ستقلّ قدرة الكيان على توجيه ضربات للنظام السوري .
واخيرا تمكن الجيش السوري من تحرير هذه المحافظة الاستراتيجية ويرفع العلم السوري على مبانيه كإعلان عن أن المدينة باتت خالية من الإرهاب. وذكر مراسل وكالة “سانا” السورية في القنيطرة أنه “بعد تأمين الجيش العربي السوري مدينة القنيطرة وإنهاء الوجود الإرهابي فيها وإزالة المفخخات والألغام ومخلفات التنظيمات الإرهابية، تم يوم الجمعة الماضي رفع العلم الوطني في ساحة التحرير بالمدينة على وقع النشيد الوطني ووسط حشد من الأهالي.
وشارك في رفع العلم عناصر من الجيش وحشود كبيرة من الأهالي، الذين أعربوا عن ارتياحهم الكبير لدخول الجيش العربي السوري إلى مدينة القنيطرة وتطهيرها من الإرهاب وتثبيت حالة الأمن والاستقرار.
وأكد الأهالي دعمهم للجيش في مواصلة حربه ضد الإرهاب "لتطهير كامل أرجاء المحافظة وكل شبر من أرض سورية من الارهاب واستعادة حياتهم الطبيعية بعد حرمانهم منها لسنوات بفعل التنظيمات الإرهابية، التي عاثت فسادا وترهيبا بالأهالي وممتلكاتهم خدمة للعدو الإسرائيلي الذي كانت تجاهر بولائها له وتتلقى كل أشكال الدعم منه" .
إعداد وتدوين : محمد إبراهيم رياضي