QR codeQR code

الفلبين وجبهة مورو.. صراع لا ينتهي

5 Jan 2011 ساعة 16:18

طوال السنوات التالية لتوقيع اتفاق السلام مع نظام أورويا شهدت منطقة مينداناو مواجهات دموية ومذابح في صفوف المسلمين تورط فيها الجيش الفليبيني



منذ مدة طويلة وحديث السلام لا ينقطع داخل جنوب الفلبين، وبالتحديد في جنوبه ذي الأغلبيَّة الإسلاميَّة والمعروف بمنطقة "مينداناو" إلا أن تحوُّل هذا الحديث إلى واقع ملموس غدا بعيدًا رغم تعدُّد محادثات السلام بين حكومة مانيلا وحركات مورو الوطنيَّة والإسلاميَّة ودخول أكثر من وسيط على خط الأزمة سواء من دول الجوار مثل ماليزيا وإندونيسيا أو الجماهيرية الليبية حيث داومت حكومات هذا البلد الكاثوليكي منذ عهد الديكتاتور فريديناند ماركوس ومرورا بنظامي كورزون أكينو واسترادا وانتهاءً بحكم جلوريا أورويو في استخدام سلاح المماطلة والمناورات لمنع قيام سلطة حكم ذاتي قوية للمسلمين في الجنوب وهو ما ظهر جليًّا بعد توقيع اتفاق سلام بين طرفي الصراع عام ۲۰۰۷وتدخل جنرالات الجيش بوضع عراقيل أمام التنفيذ وانتزاع حكم من المحكمة العليا ببطلانه مما أعاد الصراع إلى المربع الأول.

سلسلة مواجهات
وطوال السنوات التالية لتوقيع اتفاق السلام مع نظام أورويا شهدت منطقة مينداناو مواجهات دموية ومذابح في صفوف المسلمين تورط فيها الجيش الفليبيني وعمليات انتقامية يتناوب علي القيام بها غاضبون مسلمون من استمرار نهج التصفية في صفوفهم او مقاتلين ينتمون لجماعة أبو سياف الساعية بقوة لتأسيس دولة مسلمة في بنجاسا مورو وهي معارك خاضها الجيش الفيليبني بدعم من القوات الأمريكية التي انخرطت في القتال بشكل مباشر فيما استمرت قناة المفاوضات بين الحكومة وجبهة مورو تتنازعها الخلافات والتباين حول قضايا عديدة منها مساحة منطقة الحكم الذاتي والصلاحيات الممنوحة لهذه السلطة وحقها في استخدام ثروات الإقليم لقيادة حملة تنموية شاملة تقيله من عثرته الاقتصادية.

وانعكست الخلافات حول عديد من القضايا الجوهرية على الأوضاع الأمنية في الجنوب الفلبيني حيث استغل لوبي العسكر استمرار الصراع لتكريس الخلافات بين الطرفين والوقوف حائلا دون وجود حالة توافق بين طرفي الصراع عبر عمليات استهداف مناطق ذات أغلبية إسلامية بالقصف مما خلف مئات القتلى وساهمت هجمات مليشيات كاثوليكية لمناطق ومساجد ومراكز إسلامية خصوصا في كبريات مدن الإقليم مثل سولو وجولو في إضفاء أجواء من التوتر حدت بجبهة مورو لتجميد المفاوضات مع الحكومة لفترات ليست بالقصيرة بل جعلت الوسيط الماليزي يهدد بالانسحاب غير مرة لعدم جدية الحكومة.

إشارات إيجابيَّة
ورغم صدور إشارات إيجابية من الرئيس الفليبيني بينيو أكينو عن استعداده لمنح إقليم مينداناو أقصي درجات الحكم الذاتي سعيا لإنهاء صراع دموي أستمر لأكثر من 4۰عاما وخلف أكثر من ۱۲۰الف قتيل وتشريد عدة ملايين بل وتأكيده على قبول أي تسوية مع جبهة مورو تفضي للحفاظ على وحدة البلاد وصدور ردود إيجابية من الطرف المسلم وإعلانه القبول بالعودة للمفاوضات مع الحكومة على أسس الحكم الذاتي الإ أن هذه المواقف وحدها ليست كافية وحدها لتضمن انخراط الطرفين في تسوية جادة تتجنب مصير الجهود المستمرة منذ سبعينات القرن الماضي لتحقيق السلام في الجنوب الفيليبيني.

ومن البديهي الإشارة إلى أن التجارب السابقة بين مانيلا وجبهة مورو وتراجع الحكومات الفيليبنيَّة عن اتفاقات سلام سابقة بعد توقيعها قد كرس مناخ الشكوك بين الطرفين فالمسلمون الذين تزيد أعدادهم في الجنوب على 5 ملايين من مجمل أعداد مسلمي البلاد البالغ تعدادهم حوالي ۸ ملايين لا يبدون ارتياحهم للمماطلات الحكومية ويدركون أن التراجع المستمرّ عن اتفاقات جرى التوافق عليها مسبقا ما هي الإ أداة لتقليص سقف طموحاتهم وإجبارهم على القبول بالفتات والمتمثل في حكم ذاتي محدود لا يوفر لهم صلاحيات تمكنهم من تأمين احتياجاتهم الحياتية وتؤمن لهم أداء شعائرهم وعباداتهم في أمان وطمأنينة.

نفوذ ومكاسب
ولا تتوقف التحديات التي تجابه عملية السلام عن هذا الحد فهناك جهات نافذة داخل الحكم الفليبيني خصوصًا "المؤسسة العسكرية لا تؤيد التوصل لأي تسوية مع مسلمي الجنوب وبل وترغب في استمرار الأوضاع الحالية باعتبارها تضمن للعسكريين استمرار نفوذهم والمحافظة على مكاسبهم في ظل ما يتردَّد عن تورط عدد من الجنرالات في نهب ثروات الجنوب المعدنية لتعزيز أوضاعهم المالية وهي أمور يصعب الحفاظ عليها في زمن السلام لذا فمن المرجح استمرار العسكريين في وضع العراقيل تلو الأخرى أمام جهود السلام والتذرع ببعض أعمال العنف من هنا وهناك لاستمرار النهج العسكري في التعاطي مع قضايا الجنوب.

نهج متشدِّد
ويجمع مراقبون أن ضغوط العسكر على أكينيو قد تدفعه إلى تبني مواقف أكثر تشددا حيال جبهة مورو الإسلامية وتجاه الوسيط الماليزي حيث لم يخف تفضيله لدور تقوم به اندونيسيا في تقريب وجهات النظر مع المسلمين وصدرت عنه تلميحات تشير أكثر من مرة إلى عدم رغبته في إجبار كوالالامبور في الاستمرار في دور لا تفضله وهو ما اعتبر علامة على تعثر جديد للمفاوضات لا سيَّما ان الوسيط الماليزي ملم بكافة تفاصيل ملفات الصراع وما حققته المفاوضات طوال السنوات السابقة وهي قدرات قد يفتقدها الوسيط الإندونيسي لفترة ليست بالقصيرة.

ويعود تحفظ مانيلا على الوسيط الماليزي كونه وطبقا لوجهة النظر الرسمية أكثر انحيازًا للجنوبيين فضلا عن شكواه المستمرة ورفضه لنهج المماطلة المستمرة من جانب حكومات مانيلا تجاه مسلمي مينداناو لدرجة أنه هددت بالانسحاب من الوساطة إذا لم تشعر بجدية مانيلا في تحقيق السلام وإنهاء صراع طويل وممتد مع المسلمين وهو خيار غير مستبعد في ظل أجواء التوتر الأمني في الجنوب ووقوع مذابح متتالية تورط فيها لوبي الجنرالات داخل الجيش الفيليبين من أجل وقف انطلاق قطار المفاوضات مع مورو.

نهج المماطلة
غير أن غياب الجدية عن الجانب الفيليبيني وتفضيله لتغيير الوساطة الماليزية قد تكون له تداعيات سلبية علي مسار الأوضاع في الجنوب فالمماطلات المستمرة قد تقوض الجناح المعتدل داخل جبهة مورو وتفتح البلاد لتنامي نفوذ التيار المتشدد ذي الأجندة الانفصالية والمتوافق مع نهج جماعة أبو سياف الساعية لتأسيس دولة إسلامية تتجاوز ما يعرض عليه من حكم ذاتي خصوصا أن استمرار التوتر الأمني وتعرض لمناطق المسلمين لهجمات متتالية سواء من جانب الجيش أو الميلشيات الموالية له رغم وجود هدنة شبه رسمية بين الطرفين مما يهدد بتراجع خيار المفاوضات وإعادة الاعتبار للكفاح المسلح لاستعادة حقوق مسلمي الجنوب.

ولكن هذه الأجواء المضطربة لا تنفي وجود احتمالات بحدوث تطورات ايجابية قد توفر فرصا لنجاح المفاوضات بين طرفي الصراع لا سيَّما مع حدوث تغيير إيجابي في موقف واشنطن بعد سنوات تبنت فيها الأخيرة النهج العسكري في التعامل مع التمرد في جنوب الفيليبين وقدمت الدعم للجيش لحسم الصراع وفرض تسوية علي الجماعات المناوئة لمانيلا والراغبة في تأسيس دولة إسلامية في الجنوب بل وحتى الراغبين في الوصول لتسوية تحفظ وحدة التراب الفيليبيني، حيث تبنت إدارة أوباما نهجا مغايرا لإدارة سلفه جورج بوش وفتحت النوافذ مع الجناح المعتدل داخل جبهة مورو الإسلامية بدأت بودارها عبر الرسالة التي تسلَّمَها زعيمها "مراد إبراهيم"من الرئيس الأمريكي تتضمن دعوة للانخراط في هذه المفاوضات والتوصل لتسوية تنهي أربع عقود من الصراع المسلح وهو ما اعتبر بداية لحوار أمريكي مع مورو يقوده نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية سكوت مارسيل قد تكون له تداعيات إيجابية علي مسيرة المفاوضات المتعثرة بسبب تباعد مواقف الطرفين طوال السنوات السابقة.

تسوية مقبولة
ويؤمل الكثيرون أن تقدم واشنطن مقترحات بالتعاون مع الوسطاء الماليزيين تحمل تصورًا كاملًا لحل الأزمة يعرض على الطرفين تصورات وتسويات لجميع المشكلات والتي عرقلت عودة شمس السلام تشرق على أرض الأجداد وفي مقدمتها مساحة أراضي الحكم الذاتي تتضمن تسوية لمشكلة مئات القرى المطلوب ضمها إلى المنطقة والعلاقة مع المركز في مانيلا فيما يخص الدفاع والسياسة الخارجية وطرق انتفاع بنجاسا مورو بثروات الإقليم وهي قضايا شائكة يستبعد تسويتها دون تدخل أمريكي قوي وواضح يتولى تقريب وجهة النظر بين الطرفين بل قد يفرض عليهما التوصل لتسوية تحول دون عودة الصراع للجنوب بشكل قد يستغله دعاة الانفصال أو أعداء واشنطن لتحويله لساحة مواجهة جديدة.

وآيا كانت هوية الوسيط سواء أكان إقليميا ودوليا فإن وصول الطرفين لتسوية حول المشاكل العالقة سيرتبط بدرجة انخراط إدارة أوباما في المفاوضات الدائرة حاليًا بشكل مباشر أو غير مباشر فهذه الدرجة هي من ستحدد وجهة الأحداث في المرحلة القادمة رغم أن الطرف الأمريكي لا يمتلك جميع أوراق اللعبة فالصراعات داخل حكومة أكينو وتحفظ جنرالات الجيش علي تسوية الخلافات مع مورو فضلا عن تنامي التيارات المتشددة داخل صفوف ألوان الطيف السياسي والديني في مينداناو ستعلب دورًا مهمًّا في تحديد وجهة الأحداث أما بعودة الاستقرار إلى الجنوب أو بدخول الصراع فصلا جددا والعودة إلى المربع الأول.

الإسلام اليوم


رقم: 35948

رابط العنوان :
https://www.taghribnews.com/ar/report/35948/الفلبين-وجبهة-مورو-صراع-لا-ينتهي

وكالة أنباء التقريب (TNA)
  https://www.taghribnews.com