حياة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام تشعّ بالنور والجمال والخير ، وتحمل العطاء السمح ، والتوجيه المشرق للأمّة.
شارک :
الإمام موسى الكاظم ـ هو الإمام السابع من أئمّة أهل البيت ، ولد بالأبواء ، وهو مكان بين مكّة والمدينة في شهر صفر سنة ۱۲۸ من الهجرة ، واستشهد في بغداد بالسم في سجن هارون الرشيد سنة ۱۸۳ ، ودفن في الجانب الغربي من بغداد ، وتعرف اليوم المدينة التي فيها قبره الشريف بالكاظميّة نسبة إليه ، وأمه حميدة البربرية ، وكنيته أبو إبراهيم ، وأشهر ألقابه الكاظم ، لكظمه الغيظ ، وصبره على ظلم الظالمين.
من مناقبه : كان أجل أولاد الإمام الصادق قدراً ، وأعظمهم محلاً ، وأبعدهم في الناس صيتاً ، ولم ير في زمانه أسخى منه ، ولا أكرم نفساً ، وكان يبلغه عن الرجل أنه ينال منه ، فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار ، وكان يضرب المثل بصرر الأموال التي يتصدق بها ، حتى قيل. عجباً لمن جاءته صرة موسى ، فشكا الفقر !. ومر برجل فرآه كئيباً ، فسأله عن السبب ؟. قال. لحقتني الديون من أجل حقل زرعته بطيخاً ، وقثاء ، وقرعاً ، فلما استوى الزرع وقرب الخير جاء الجراد فأتى عليه ، ولم يبق منه شيئاً ، فذهب الزرع ، وبقيت الديون. فأعطاه الإمام ما كان يأمله من زرعه ، فوفى ديونه ، وبقيت معه فضلة ، جعل الله فيها البركة ، كما حدث صاحب الزرع.
وكان كآبائه وأجداده يتفقد الفقراء ، ويحمل إليهم في الليل الطعام والمال ، وهم لا يعرفونه ، وكان يقول في سجوده : اللهم قبح الذنب من عبدك ، فليحسن العفو من عندك ، ومن دعائه : اللهم إني أسألك الراحة عند الموت ، والعفو عند الحساب.
حياة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام تشعّ بالنور والجمال والخير ، وتحمل العطاء السمح ، والتوجيه المشرق للأمّة.
إن حياة الإمام موسى بجميع أبعادها تتميّز بالصلابة في الحقّ ، والصمود أمام الأحداث ، وبالسلوك النير الذي لم يؤثر فيه أيّ انحراف أو التواء ، وإنّما كان متسماً بالتوازن ، ومنسجماً مع سيرة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وهديه واتجاهه ، والتزامه بحرفية الإسلام.
وكان من بين تلك المظاهر الفذّة التي تميّزت بها شخصيّته هو الصبر على الأحداث الجسام ، والمحن الشاقّة التي لاقاها من طغاة عصره ، فقد أمعنوا في اضطهاده ، والتنكيل به ، وقد أصرّ طغاة عصره على ظلمه فعمدوا إلى اعتقاله وزجّه في ظلمات السجون ، وبقي فيها حفنة من السنين يعاني الآلام والخطوب.
ولم يؤثّر عنه أنّه أبدي أيّ تذمر أو شكوى أو جزع ممّا ألم به ، وإنّما كان على العكس من ذلك يبدي الشكر لله ، ويكثر من الحمد له على تفرغه لعبادته ، وانقطاعه لطاعته.
فكان على ما ألمّ به من ظلم واضطهاد من أعظم الناس طاعة ، وأكثرهم عبادة لله تعالى ، حتّى بهر هارون الرشيد بما رآه من تقوى هذا الإمام وكثرة عبادته فراح يبدي إعجابه قائلاً : « إنّه من رهبان بني هاشم ».
ولمّا سجن في بيت السندي بن شاهك ، كانت عائلة السندي تطلّ عليه فترى هذه السيرة التي تحاكي سيرة الأنبياء ، فاعتنقت شقيقة السندي فكرة الإمامة ، وكان من آثار ذلك أن أصبح حفيد السندي من أعلام الشيعة في عصره.
إنّها سيرة تملك القلوب والمشاعر فهي مترعة بجميع معاني السمو والنبل والزهد في الدنيا والإقبال على الله. لقد كانت سيرة الإمام موسى بن جعفر مناراً نستضيء بها حياتنا.
ومن ظواهر شخصيّته الكريمة هي السخاء ، وإنّه كان من أندى الناس كفاً ، وأكثرهم عطاءً للمعوزين. لقد قام الإمام موسى عليه السلام بعد أبيه الإمام الصادق عليه السلام بإدارة شؤون جامعته العلميّة التي تعتبر أوّل مؤسّسة ثقافيّة في الإسلام ، وأوّل معهد تخرجت منه كوكبة من العلماء وقد قامت بدور مهم في تطوير الحياة الفكريّة ، ونحو الحركة العلميّة في ذلك العصر ، وامتدّت موجاتها إلى سائر العصور وهي تحمل روح الإسلام وهديه ، وتبث رسالته الهادفة إلى الوعي المتحرّر واليقظة الفكريّة ، لقد كان الإمام موسى عليه السلام من ألمع أئمّة المسلمين في علمه ، وسهره على نشر الثقافة الإسلاميّة وإبراز الواقع الإسلامي وحقيقته.
ويضاف إلى نزعاته الفذّة التي لا تُحصى حلمه وكظمه للغيظ ، فكان الحلم من خصائصه ومقوّماته ، وقد أجمع المؤرّخون أنّه كان يقابل الإساءة بالإحسان ، والذنب بالعفو ، شأنه في ذلك شأن جدّه الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وقد قابل جميع ما لاقاه من سوء وأذى ، ومكروه من الحاقدين عليه ، بالصبر والصفح الجميل حتّى لقب بالكاظم وكان ذلك من أشهر ألقابه.
وما أحوج المسلمين إلى التوجيه المشرق ، والرسالة التي سطرها لنا هذا الإمام في التضحية في سبيل الله والإنطلاق نحو العمل المثمر البناء.
مما قيل الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام
۱ ـ التواضع هو في ان تسير مع الناس بنفس السيرة التي تحب ان يعاملوك بها .
۲ ـ انّ أفضل وسيلة للتقرّب إلى الله بعد معرفته هي الصلاة ، والإحسان للوالدين ، وترك الحسد وحبّ الذات والتفاخر والتعالي.
۳ ـ انّ من يرتكب الخيانة ويخفي عيب شيء على مسلم ، أو يتحايل عليه بطريق آخر ويمكر به ويخدعه فهو مستحقّ لانّ تنصبّ عليه لعنة الله .
٤ ـ انّ العبد السيّء جدّاً لله هو من كان له وجهان ولسانان. فهو إمام أخيه في الدين يثني عليه ، وبمجرّد ان يغيب عنه يقذع في هجائه ، أو إذا مُنح أخوه المسلم نعمة حسده عليها وان تعرّض لمشكلة تخلّى عن نصرته.
٥ ـ كلّ من عشق الدنيا فانّ الخوف من الآخرة يغادر قلبه .
٦ ـ خير الاُمور أوسطها .
۷ ـ حصنوا أموالكم بالزكاة .
سلام الله وصلواته عليه لقد كان إماماً حقيقيّاً ، وهو أفضل الناس في القيادة والخصال الإلهيّة ، فسلام عليه من أفواه الشهداء والأحرار مادام الإنسان باقياً.
من سيرة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام
قال موسى بن جعفر لابرهة النصراني : كيف علمك بكتابك ؟ قال : أنا عالم به وبتأويله قال : فابتدأ موسى عليه السلام يقرأ الإنجيل فقال أبرهة : والمسيح لقد كان يقرأها هكذا ، وما قرأ هكذا إلّا المسيح ، وأنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة ، فأسلم على يديه.
دخل موسى بن جعفر عليه السلام بعض قرى الشام متنكراً هارباً فوقع في غار وفيه رابه يعظ في كلّ سنة يوماً فلمّا رآه الراهب دخله منه هيبة فقال : يا هذا أنت غريب ؟ قال : نعم. قال : منّا ؟ أو علينا ؟ قال : لست منكم. قال : أنت من الأمّة المرحومة ؟ قال : نعم. قال : أفمن علمائهم أنت أم من جهّالهم ؟ قال : لست من جهّالهم. فقال : كيف طوبى أصلها في دار عيسى وعندكم في دار محمّد وأغصانها في كلّ دار ؟.
فقال عليه السلام : الشمس قد وصل ضوؤها إلى كلّ مكان وكلّ موضع ، وهي في السماء. قال : وفي الجنّة لا ينفد طعامها وإن أكلوا منه ولا ينقص منه شيء ؟ قال : السراج في الدنيا يقتبس منه ولا ينقص منه شيء. قال : وفي الجنّة ظل ممدود ؟ فقال : الوقت الذي قبل طلوع الشمس كلّها ظل ممدود قوله :( أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ) قال : ما يؤكل ويشرب في الجنّة لا يكون بولاً ولا غائطاً ؟ قال : الجنين في بطن اُمّه. قال : أهل الجنّة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر ؟ فقال : إذا احتاج الإنسان إلى شيء عرفت أعضاؤه ذلك ، ويفعلون بمراده من غير أمر. قال : مفاتيح الجنّة من ذهب ؟ أو فضة ؟ قال : مفتاح الجنّة لسان العبد لا إله إلّا الله. قال : صدقت ، وأسلم والجماعة معه .
وقال أبوحنيفة : رأيت موسى بن جعفر وهو صغير السن في دهليز أبيه فقلت : أين يحدث الغريب منكم إذا أراد ذلك ؟ فنظر إليّ ثمّ قال : يتوارى خلف الجدار ويتوقى أعين الجار ، ويتجنب شطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، وأفنية الدور ، والطرق النافذة ، والمساجد ، ولا يستقبل القبلة ، ولا يستدبرها ، ويرفع ويضع بعد ذلك حيث شآء.
قال : فلمّا سمعت هذا القول منه ، نبل في عيني ، وعظم في قلبي ، فقلت له : جعلت فداك ممّن المعصية ؟ فنظر إليّ ثمّ قال : اجلس حتّى اخبرك ، فجلست فقال : إنّ المعصية لابدّ أن تكون من العبد أو من ربّه أو منهما جميعاً ، فان كانت من الله تعالى فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله ، وإن كانت منهما فهو شريكه ، والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف ، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر ، وإليه توجّه النهي ، وله حقّ الثواب والعقاب ، ووجبت الجنة والنار فقلت :( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) الآية .
وروى عنه الخطيب في تاريخ بغداد والسمعاني في الرسالة القوامية وأبو صالح أحمد المؤذن في الأربعين ، وأبو عبدالله بن بطة في الابانة ، والثعلبي في الكشف والبيان ، وكان أحمد بن حنبل مع انحرافه عن أهل البيت عليهم السلام لما روى عنه قال : حدّثني موسى بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد وهكذا إلى النبي صلّى الله عليه وآله ثمّ قال أحمد : وهذا إسناد لو قرئ على المجنون أفاق.
ولقيه أبونواس فقال :
إذا أبصرتك العين من غير ريبة
وعارض فيك الشك أثبتك القلب
ولو أن ركبا أمموك لقادهم
نسيمك حتّى يستدلّ بك الركب
جعلتك حسبي في اُموري كلّها
وما خاب من أضحى وأنت له حسب
واخرج الحديث السيّد الشريف المرتضى في أماليه ج ١ ص ١٥١ وقد ذكر في آخره انّه قد نظم المعنى شعراً فقيل :
لم تخل أفعالنا اللاتي نذم لها
احدى ثلاث خلال حين نأتيها
اما تفرد بارينا بصنعتها
فيسقط اللوم عنا حين ننشيها
أو كان يشركنا فيها فيلحقه
ما سوف بلحقنا من لائم فيها
أو لم يكن لا لهى في جنايتها
ذنب فما الذنب الا ذنب جانيها
سيعلمون اذا الميزان شال بهم
أهم جنوها أم الرحمن جانيها
تعد وصايا الامام موسى بن جعفر "عليه السلام" من المفاهيم الإسلاميَّة الّتي تتَّصل بحياة الانسان في موقفه أمام التحدّيات التي تواجهه كفرد او كمجتمع، في الوقت نفسه ان العلاقة بأهل البيت "عليهم السلام" ليست علاقة نبضة قلب يخفق بحبِّهم، ولا علاقة دمعة تسكب على مأساتهم، بل ان علاقتنا بهم تعد قضيَّة الخط ، ولذلك تحمّلوا الصّعوبات وعاشوا التّضحيات من أجل أن يبقى ذلك الخط مستقيماً في حياتهم، وتلك هي قضيَّتهم.
ولذا من الضروري تسليط الضوء على كوكبة من الوصايا الذهبيّة لأصحابه وأولاده قبل وفاته واثرها في تنمية الثقافة المجتمعية وكان من ابرز تلك الوصايا هي : -
مشكلة الأكثريَّة الصَّامتة
عالج الامام هذه المشكلة في كثير من وصاياه لأحد أصحابه قائلاً: "أبلغْ خيراً، وقلْ خيراً، ولا تكن إمَّعة"، قيل: وما الإمَّعة؟ قال: "لا تقل أنا مع النّاس، وأنا كواحدٍ من النّاس، إنَّ رسول الله قال: يا أيّها النّاس، إنّما هما نجدان؛ نجد خير ونجدُ شرّ، فلا يكن نجدُ الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير.
يبدو بشكل واضح من هذه الوصية ان الامام الكاظم "عليه السلام" يخاطب النّاس الّذين يواجهون الحياة في كلِّ صراعاتها وفي كلّ إشكالاتها بالطّريقة السّلبيّة، بحيث لا يسعون إلى اتّخاذ المواقف وفقاً لما يصل إليه تفكيرهم، بل إنّهم اتكاليّون، يريدون للآخرين أن يفكِّروا عنهم، ليتحركوا على ضوء ما وصلوا إليه في تفكيرهم، فهم لا يريدون أن يعيشوا مسؤوليّة الفكر، وإنما يقولون للآخرين: فكِّروا لنا، ولا يقولون: فكِّروا معنا.
هؤلاء الَّذين إذا سئلوا عن الموقف في الدّنيا اتجاه أيّ مشكلة، قالوا لا موقف لنا, وإذا عاشوا ساحة الصِّراع هربوا منها، لأنهم يريدون أن يعيشوا باسترخاء فقط، يبدو ان هؤلاء هم مشكلة كلِّ الشّعوب الباحثة عن حرّيتها، والباحثة عن مواقعها، هؤلاء الّذين قد يطلق عليهم اسم "الأكثريّة الصّامتة"، الّتي يتحوَّل صمتها إلى حالة شيطانيّة ينطبق عليهم القول: "السّاكت عن الحقّ شيطان أخرس" .
الثّقة الزّائفة
كذلك عرج الامام على مشكلة اجتماعية اخرى الا وهي الثقة الزائفة حيث اكد في احدى وصاياه لـ"هشام بن الحكم" قائلا: "يا هشام، لو كان في يدك جوزة، وقال النّاس: لؤلؤة، ما كان ينفعك وأنت تعلم أنَّها جوزة، ولو كان في يدك لؤلؤة، وقال الناس إنّها جوزة، ما ضرَّك وأنت تعلم أنها لؤلؤة" .
يمكن القول ان الامام الكاظم "عليه السلام" اكد على ان كلام النّاس لا يمكن ان يرفع ثقتك بنفسك، أو يسقطك عند نفسك، أي اعرف نفسك و حجم فكرك وطاقتك، وبالإضافة الى ذلك اعرف أهدافك وما هي امتداداتها، وخلفيّاتك وما هو عمقها، فإذا جمعت ذلك كلّه، ورأيت أنّك لا تملك انطلاقةً، ولا حجماً كبيراً في الخبرة، ولا سموّاً في الأهداف، وجاء النّاس فكبّروك وضخّموا شخصيّتك ومدحوك، وأنت تعرف نفسك، فاحذر أن يرفعوك إلى فوق، بينما تعرف أنّ موقعك هو في الأسفل، لأنهم إذا حملوك إلى فوق وتركوك، فسوف يكون سقوطك فظيعاً مريعاً، وتلك وصايا وحكمم الامام موسى بن جعفر الكاظم "عليه السلام" صاحب الحكمة الّذي يُنتَفَعُ بحكمته، ولو كنّا مع الامام الكاظم في حكمته، لكنّا الأمّة الحكيمة.
لذلك، قالها الإمام محمد الباقر :"لا يغرَّنك النَّاس من نفسك، فإنَّ الأمر يصل إليك دونهم" .
وعليه ان اساس الثقة هي أنَّه لو كان في يدك لؤلؤة، وعرفت ذلك من خلال فكرك وعقلك وخبرتك، وجاءك الناس يريدون أن يسقطوك أو أن يهزموك نفسيّاً، فكن القويّ ولا تضعف، فهي عبارة عن كلمات تتطاير في الهواء عندما تملك عنصر الثقة في نفسك، ولا لتعيش الغرور، بل لتعيش واقعك. وعلى ضوء هذا، فعليك عندما تؤمن بأنّك على حقّ، أن ترفض كلَّ الكلمات التي تحاول أن تصفك بالباطل.
وهذا ما اكده الصحابي الجليل عمَّار بن ياسر عندما اصبح هناك تراجع في جيش الامام عليّ "عليه الاسلام في بعض مراحل الحرب، قالا: "والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر، لعلمنا أنّا على حقّ وأنهم على باطل" . نستنتج من ذلك اولا عليك أن تعرف الحقّ وأن تبقى معه عندما تعرفه، فلا تهتز ثقتك بنفسك من الآخرين، ولا تفقد ثقتك بنفسك من خلال الآخرين .
وعليه اذا اردنا ان نتعرف على الامام موسى بن جعفر "عليه السلام" يكون ذلك خلال موقفه من السلطة الحاكمة عندما قال كلمة الحقّ، وأكَّد ثقته بموقعه، حتى خاف منه "هارون الرّشيد"، ومن الطبيعي أنّ التّحدّي قد ينتج الكثير من المآسي، ولكن يبقى الحقّ وذلك من خلال ما اكده لبعض أصحابه قائلاً: "...اتّقِ الله وقل الحقّ وإن كان فيه هلاكك، فإنَّ فيه نجاتك، اتّقِ الله ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك، فإنَّ فيه هلاكك" ، يبدو ان الامام الكاظم اراد ان يؤكد لنا ان قضية النَّجاة والهلاك لا تقاس في ذاتك، ولكنَّها تقاس بالنّتائج الكبرى التي تتحرَّك في مدى رسالتك وأهدافك.
وعليه كانوا أئمّة من أهل البيت "عليهم السلام" انطلقوا مع المأساة وهم يبتسمون، لأنهم كانوا يعيشون الفرح اليوميّ بإيمانهم وإسلامهم. لذلك كانوا أكبر من المأساة، وقد جسّد ذلك الإمام الحسين "عليه السلام" عندما كان يتلقَّى دم ولده الرضيع وهو يقول: "هوّن ما نزل بي أنّه بعين الله" أي عندما يكون الإنسان مع ربّه في معنى الحبّ الإلهيّ، فإنَّه لا يعيش الإحساس بالألم، لأنّه في سبيل الله.