ندوة نظمتها المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان بالتعاون مع حوزة الامام على(ع)
ندوة بعنوان :"سيرة الرسول الأعظم (ص) تدقيقا وتحقیقاً، عند العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي"
بمناسبة الذكرى السنوية الاولى لرحيل العلامة المحقق آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي (ره) وفي أجواء ذكرى شهادة النبي الأكرم (ص)ندوةً علمية بعنوان "سيرة الرسول الأعظم (ص) تدقيقا وتحقیقاً، عند العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي",
وذلك في عيتا الجبل مسقط المحقق السيد جعفر مرتضى , و عبر الفضاء الافتراضي ,بحضور ثلة كبيرة من العلماء الاجلاء واساتذة الحوزات العلمية في لبنان والعراق وايران وفاعليات سياسية وعلمائية وثقافية واجتماعية وفكرية وبلدية وإختيارية , فضلا عن تلامذة السيد مرتضى ومحبيه وأبنائها ,مع مراعاة البروتوكولات الصحية في زمن كورونا كوفيد-19 .
بعد آيات بينات من القرآن الحكيم- للمقرئ الدولي السيد عباس مرتضى, ُعرض لفيلم وثائقي يؤرخ لمسيرة الراحل الكبير بعنوان "منارة المحققين", ثم تحدث مدير الندوة فضيلة الشيخ نزار سعيد مدير عام مراكز الامام الخميني الثقافية في لبنان , مشيدا بمزايا الراحل وانجازاته العلمية على صعيد إثراء المكتبة الاسلامية وعلوم أهل البيت عليهم السلام.
بعدذلك تحدث سعادة المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان الدكتور عباس خامه يار,فقال :
شاءت الأقدارُ أن نلتقيَ اليوم بمناسبةِ وفاة الرسول (ص) لنرثيَ محقِّقاً عالِماً جليلاً وباحثاً معاصراً تركَ أثراً كبيراً في تاريخ الإسلام وتركَ مدرسةً من الفكر الديني العلمي، تنتهجُ الأجيالُ نهجَها. نرثيه اليوم ونكرّمُ ذكراه الطيبة التي تركت فجوةً كبيرةً برحيلِه، فهو الذي ألّفَ الكثير من الكتب في ردّ الشبهات فكانت مؤلفاتُه تحقيقاً وتنقيباً في تاريخ الإسلام بهدفِ الحفاظ على الإرث المحمّدي ، وهذا ما يستدعينا اليوم أن نذكرَ له وفي هذه المناسبة، وفاة الرسول (ص)، مؤلفه العظيم "الصحيح من سيرة النبي الأعظم" الذي استغرقَ عشرين عاماً في تأليفه بمجلداته الخمسة والثلاثين، فصنّفوه من كتب السيرة النبوية وحاز على جائزة الكتاب الأول في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
هذا الكتاب الذي عرضَ سيرة حياة الرسول بطريقةٍ تحليليةٍ وباعتماد أكثر من 1600 مصدر ومرجع تاريخي إسلامي من الفريقين السنّي والشيعي. فلقد كان نقدياً بالدرجة الأولى في مشاهداته وقراءاته، مما أكسبَ فكرَه صفةَ الموضوعية العلمية والتحليلية الشمولية. وبلغت أهمية الكتاب مبلغاً واسعاً حتى صار موضعَ دراسةٍ وتحليلٍ لمنهجِ الكتابِ نفسه. هذا بالإضافة إلى تفاسيره لسورٍ من القرآن الكريم وكتبه الاخرى .
واضاف الدكتور عباس خامه يار إن الحديث عن شمائل السيد مرتضى كثيرة، لكن الوقوف عند درجته العلمية وأهمية مؤلفاته العلمية التاريخية أمرٌ مهم قبل أيّ شيء. واليوم ما يعزينا في غيابه هو هذه الآثار والمؤلفات والفكر الساطع النيّر الذي لا ينطفئ وإنما يلهمُ الأجيال لاستكمال المسيرة. هذا الأب الروحي لطلبة العلم والفقيه الموسوعي ، رحلَ في مثلِ هذا اليوم وتركَ ثُلمةً عميقة، إلا أنّ سيرتَه العظيمة وذكراه الطيبة وتواضعه وكرمه وطيبته التي بقيت لنا درساً كبيراً، ستخلّدُ في التاريخ، تاريخ هؤلاء العظماء الذين خدموا الإسلامَ في حياتهم وبعد رحيلهم.
وتابع الدكتور عباس خامه يار كلامه :
في مناسبة وفاة الرسول (ص)، خيرُ ذكرٍ وصلاةٍ نصليها عليه وعلى آله، الكلامُ عن سيرتِه التي نقلها وحققَ فيها العلّامة العاملي، وهي بذلك خيرُ رثاءٍ وإحياءٍ لذكراه السنوية الأولى، تزامناً مع وفاة الرسول (ص). هذا الرجل، بتعبير السيد القائد دام ظله، قدّمَ خدمةً عظمى للعالم الإسلامي وسدَّ حاجةً ثقافيةً كبيرةً كانت في عالمنا، حيث قال القائد عنه إنه صاحب البيان الجميل والقلم القويّ.
وفي ختام كلمته صرّح الدكتور عباس خامه يار بالقول :
لقد تمّت ترجمةُ معظم مؤلَّفاتِ السيد جعفر مرتضى إلى اللغة الفارسية بحكم الضرورة وحيث أنّ العلماء أوصوا بترجمة آثاره وفكره إلى الفارسية لاطلاع المسلمين خصوصاً على ما قدّمه هذا العالم الجليل للمكتبة العلمية والتاريخ الإسلامي والحوزات والمدارس التي أسسَها وأسّس لها سواءً في قم أو في جبل عامل.
من جهته عضو مجلس خبراء القيادة وعضو شورى الحوزات الدينية ونائب رئيس جامعة المدرسين في إيران سماحة آية الله السيد هاشم الحسيني البوشهري، من الجمهورية الاسلامية الايرانية, الذي أشاد بأهمية الاجتماع بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيل عالمٍ عامليٍّ وشخصيةٍ علميةٍ ومحقّقٍ بارزٍ خادمٍ لمدرسة أهل البيت، أسوةٍ في الأخلاق والفضيلة المرحوم آية الله العلّامة السيد جعفر مرتضى العاملي، حيث يصادفُ رحيله مع ذكرى وفاة النبي الأكرم خاتم النبيين (ص) واستشهاد الإمام المجتبى عليه السلام.
اضاف السيد هاشم الحسيني البوشهري بجهود المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان، والمستشار العزيز تشكّل هذا اللقاء .وأرى من واجبي أن أتقدم إلى سائر المشاركين والمتابعين والمستمعين الأعزاء بخالص العزاء بمناسبة وفاة الرسول الأكرم واستشهاد الإمام المجتبى عليه السلام. وأتقدم بالشكر والتقدير لكل المساهمين والعاملين والمشاركين.
وتابع السيد هاشم الحسيني البوشهري إن الكلام في مراسم كهذه أمرٌ شاقٌّ وصعب. لأنّ بيان فضائل هذه الشخصية العلمية والتاريخية ومكارمها الأخلاقية يستغرقُ وقتاً أطول وإلماماً ومعرفةً أعمقَ بكافة أبعاد حياة هؤلاء الأفراد الذين أفنوا كل عمرهم في طريق خدمة الدين ومدرسة أهل البيت عليهم السلام مما يصعب الأمرَ على المتحدث.
لذا أرى لِزاماً عليّ أن ألتمسَ العذرَ من هنا مسبقاً .هذه الشخصية العلمية التربوية هي مدرسةُ لها قيمتها العالية بالنسبة للعلم والعالِم.
وفي القرآن هناك أكثر من 80 سورة تتحدث عن العلم والعلماء بتعظيم وتمجيد. وفي المواضع المختلفة سواءً في القرآن أم في روايات أهل البيت هناك مديحٌ في حق العالِم. ففي آيةٍ وردَ "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلمَ درجات". وفي آيةٍ أخرى "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". ويقول النبي الأكرم (ص) "إن أكرم العباد إلى الله بعد الأنبياء العلماء". كما ورد عن الإمام علي بن موسى الرضا (ع) "إن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاما ".
باختصار قال السيد هاشم الحسيني البوشهري إن شخصيةً كهذه يلهمها الله عزوجل ثمرة العلم والمعرفة حتى يكون لها أثرٌ وجوديٌّ وتبقى سيرتُها دائماً على الألسن فتكون من أبطال الروايات والكتابات.
إن الله وأهل البيت يمجدونَ هؤلاء العلماء الذين يحملون هذه المواصفات.
-خشية الله- أن يخشى الله من عباده العلماء
-الدفاع عن العقيدة - علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الذي يلي إبليس وعفاريته
-محاربة البدع- إذا ظهرت البدع فللعالم أن يُظهرَ علمَه
-التبليغ في المجتمع- عالِمٌ ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد
-التأثير في العقائد والمعتقدات والأخلاق والسلوكيات في المجتمع
يقول الإمام الكاظم "لا تجلسوا مع كل عالم ، إلا عالم يدعوكم من خمس إلى خمس : من الشك إلى اليقين ، ومن العداوة إلى النصيحة ، ومن الكبر إلى التواضع ، ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن الرغبة إلى الزهد".
إلا أن هذه الشخصية ارتقت المراتب العلمية في لبنان والنجف وقم على يد كبار العلماء قال السيد هاشم الحسيني البوشهري وقد حاز مقاماً رفيعاً من الناحية العلمية، وعُرفَ مفسراً للقرآن ومحققاً بارزاً في تاريخ الإسلام والتشيع له آثارٌ علميةٌ كثيرة في مختلف المواضيع.
لقد كتب مؤلَّفاً عن سيرة النبي الأكرم (ص) وسيرة أمير المؤمنين (ع) وعن الإمام الحسن والإمام الحسين وأئمةٍ آخرين.
كان شخصيةً متتبعة ومحقّقة في الوقت ذاته. الشخصية المتتبعة هي التي قرأت العديد من الكتب وحقّقت بها وعادت في تحقيقها إلى مراجع مختلفة. أما المحقق فهو إلى جانب التتبع يسعى إلى البحث خلال هذا التتبع عن الحقيقة والوصول إلى القول الصحيح بين الأٌقوال المختلفة. أهم كتبه كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) وهو مجموعةٌ من 35 مجلداً في شرح سيرة النبي وحياته قد تمّ تدوينها في عشرة مراحل. ولها 1700 مرجع.
حاول الكاتب أن يُخرجَ بكتابته سيرة النبي المكتوبة من دائرة الأخبار الضعيفة إلى سيرةٍ مبنيةٍ على الأخبار الصحيحة.
حائز على جائزة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لأفضل كتاب العام.
يعتبر أحد أبرز المؤرخين الشيعة. وتتميز آثاره التاريخية بخصوصياتٍ مثل المقاربة الاجتهادية، والإفادة من التاريخ في التحقيقات التاريخية، من أجل الدفاع عن المباني الكلامية لدى الشيعة ونقد المباني الكلامية لدى الآخرين.
حيثما كان يلاحظ انحرافاً كان يتدخل مراعياً أخلاقيات الباحث، لينتقد ويتحقق من الكلام وآثاره.
كانت له نظرة نقدية إلى الروايت المشهورة والضعيفة في الوقت ذاته ، كان يهتمّ بمصداقية أو كذب ناقلي الروايات التاريخية
كان عالي الهمة ونفسيةً مجتهدة حتى خلال قصف لبنان في الحرب وخلال أيام مرضه حيث لم يترك القلم، وقد أتمّ كتابة كتاب سيرة الإمام الحسين المؤلف من 24 مجلداً خلال أيام مرضه خدماته في مجال المسائل العلمية سواءً في تأسيس مركز الأبحاث في بيروت وإقامة الجلسات العلمية وتأسيس الحوزات العلمية في بيروت والحوزة العلمية في قم للطلاب اللبنانيين، مشهودٌ لها.
لم تكن مطالعاته بطريقة جزئية، وإنما إن كان هناك مطلبٌ غير موجود في المصادر التاريخية، كان يبحث في المنابع الأخرى عن ضالّتِه، وكان يبحث في المراجع الأدبية، الشعر، الفقه والتفسير.
كان قلمه جزلاً. وكان يستخدم التقنيات الأدبية والتقسيم الموضوعي في كتبه لا سيما في كتاب الصحيح من سيرة الرسول الأعظم متوخّياً القوافي والدقة .
له ذهنٌ متّقدٌ وعالي الحساسية وكان يتوصل من كلّ نصٍ صغير إلى موضوعٍ كبير ومواضيع مهمة.
وختم السيد هاشم الحسيني البوشهري كلامه بالقول لم يكن عمله محصوراً بتاريخ الإسلام والشيعة. بل كان يشارك في الدروس الفقهية والسياسية والبرامج الاجتماعية. كان له اهتمام خاص بفقه الحديث
كان إلى جانب جبهة المقاومة . وكان موضع اهتمام شخصيات الحوزات العلمية في قم والمراجع الكبار. وصفه قائد الثورة الإسلامية في رسالة التعزية التي أصدرها بمناسبة وفاته، بأنه العالم المجاهد والخادم للإسلام، وفي بيانٍ آخر: هذا العالم الجليل، بتأليفاته القيّمة والكبيرة والبحثية في تاريخ صدر الإسلام، والتي تتمتع بالأسلوب الجميل والقلم المقتدر، أسدى خدمةً عظمى إلى العالم الإسلامي وملأ حاجةً ثقافيةً مهمةً.
بكل الأحوال لقد فقدنا شخصاً عظيماً. لكن حسبُهُ أنه لبّى نداء الحقّ في يوم رحيل الرسول الأكرم وشهادة الإمام المجتبى.
لكن أكبر خدمةٍ لرسول الله كانت مؤلّفه الصحيح من سيرة النبي الأعظم ولأهل البيت كتبه التي كانت عن الإمام المجتبى وبقية الأئمة ومعارف أهل البيت.
ايضا كانت كلمة لرئيس المحاكم الجعفرية في لبنان سماحة الشيخ القاضي محمد كنعان، من لبنان, حيث اعتبر أن الذكرى تبقى صارخة في اعظم مصاب اصاب الخلائق اجمعين حين عرجت نفس رسول الله ص الى بارئها حيث اصلها ونقطة انبثاقها وبقيت الاحزان والالام تضرب صفحة الوجود كله في هذه الارض التي افتقدت نور ربها ودخلت الامة في الامتحان الاصعب والاقسى والذي ما زالت مفاعيله تترى كل يوم في حياة البشرية. صلوات الله وسلامه على رسوله الامجد محمد واله الطيبين الطاهرين ما طلعت شمس وغابت ما هب هواء وركد وليس افضل من الصلوات عليه واله تزكيةً لنفوسنا وتطهيرا للقلوب.
اضاف الشيخ محمد كنعان ثم تصادف ذكرى شهادته ص مع الذكرى الاولى لوفاة سيدنا العلامة اية الله الحجة فرع هذه الشجرة المباركة السيد جعفر مرتضى العاملي وكأن مسيرته في خدمة جده المصطفى مازالت مستمرة من خلال هذا التاريخ المشترك أو لنقل ان جده المصطفى ص لا يزال اخذا بعضد ولده شادا بنفسه الطاهرة نحو ملكوته الاسمى ليحبوه من شفاعته ويحيطه بعنايته كما في دنياه كذلك في برزخه واخرته فرحم الله سيدنا السيد جعفر واسكنه بجوار ابائه الميامين ونفعنا الله بعلمه والشكر ايضا موصول لمن التفت الى احياء هذه الذكرى لتلك التوأمة الخلاقة فإن ذلك لا شك لما يزل ديناً في رقابنا لمن حقق وجدّ وتعب فانيا عمره في تراث محمد واله ص.
فلقد انتصر المرحوم السيد جعفر مرتضى في نسبه اولاً حين عمل على تراث النبي وآله ، في كل ما يستبطنه قول الرسول " كل نسبٍ مقطوعٌ يوم القيامة الا نسبي" ذلك النسب الذي يحمل منتسبوه عبئاً اضافياً في بقاء الالق ظاهرا لكل الناس علماً وادباً وهدايةً ونموذجيةً حقة. فلا يبقى النسب مجرد انتماء بيولوجي بل يغدو عنصراً سيالاً يمثل فيه المنجح المخفق قنبلة عطر يفوح اريجها فرصةً تداولية تخلق الانجذاب الدائم نحو بيتٍ يطمس الجهالات بنور القدس ويبقي الراية مرفوعة تدل على من كانت وستبقى بيوتهم وقبورهم للسائلين عن الكرام دليلا.
لقد امن سماحته بأن نسبه يشكل اقتدادا وظيفياً لروح محمد (ص )فأفنى كله في سبيل ما امن به ولا ريب انه دفع اثماناً باهظةً في الثبات على نمرقة هذا النسب الوسطى التي قال عنها جده علي بن الحسين ع ان لمحسننا كفلان من الاجر ولمسيئنا ضعفان من العذاب. هنا جسد سماحته استحضار مساعِداتٍ عقائديةٍ وفكريةٍ وثقافيةٍ جعلت من النموذجية ملاصقةً لنسبه بما يشكل حجة في محيطه الزماني والمكاني ويكشف عمق المسؤولية التي حملها بنو فاطمة على مدى تاريخهم بل رفع في ذلك سقفاً يصعب على احد تجاوزه او الالتفاف عليه.
ولقد انتصر رحمه الله ايضاً وايضاً للسيرة النبوية والعلوية والحسنية والحسينية فضلاً عن غير ذلك من ابواب السيرة في ان يسير في تحقيقاته الى حيث تتسيل الحقيقة شفافة واضحة لكل مجتني ثمرها فأوضح المشهد ووسع فضاءه واستفقنا على امرٍ قلّما تنبّهنا اليه من الناحية العملية وهو أن محمد وأهل بيته هم الحقيقة والحق هم فحين نسير في اثر الحق فإننا هناك في الصحيح من سيرتهم( ع) فيرتفع ذكرهم رامزاً الى الحق بيل يرتفع الحق لتلك الملفوظات الحرة التي لا يخضع القلم فيها الا لإخلاص صاحبه ومودته لأهل الحق، تلك المودة التي هي الاجر الوحيد للرسالة. لقد استنزل رحمه الله في هذه التحقيقات العقل الجمعي العام للامة من خلال الصدمة تارة وازالة الغشاوات احياناً أخرى.
فكرس ان التاريخ تحقيق مفتوح لا يمكن لأحدٍ ان يقفل الملف فيه قال الشيخ محمد كنعان بل هو ملك عام يحق لكل امرئٍ أن يدلو فيه بدلوه وبذلك يكون قد ساهم وبشكل فعال في تعميم الحق بالمعلومة للجميع .
وتحدث مستشار وزير الثقافة والارشاد الاسلامي في ايران والاستاذ في الحوزات العلمية سماحة الشيخ محمد علي مهدوي راد، من إيران فقال :
حضرت لدى العلامة جعفر مرتضى عشر سنوات ، العلامة الاديب والمحقق، واستطعت ومن دون مبالغة ان اقرأ جميع مؤلفاته بدقة وامعان ، الموضوع الذي اريد ان اطرحه هو حول اثر الوضع والجعل فيما كتب في التاريخ .
ان موضوع الجعل كان قائما في زمن النبي محمد "ص" ، وكان يستدعي للرسول "ص" ان يتحدث على رؤوس الاشهاد ليبين كذب هؤلاء الوضّاعين.
برأيي اضاف الشيخ محمد علي مهدوي راد أن أعظم عمل قام به العلامة السيد جعفر مرضى هو انه استطاع ان يكشف هؤلاء الكذّابة من خلال مؤلفاته.
وفي هذه العجالة سأشير الى مورد واحد منها
ان السيد العلامة جعفر مرتضى قد كشف هؤلاء الكذابين وكشف خلفية كذبهم ؛
هناك خمس آيات ترتبط بابي طالب والد الامام علي "ع" يفسرونها بان ابو طالب عندما توفى لم يكن مؤمنا بالله . منها : " ماكان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمؤمنين ولوا كانوا ذي قربى"
فسروا هذه الاية بأن ابي طالب عندما توفى كان كافرا " العياذ بالله."
في المجلد الثاني " الصحيح في سيرة النبي الاعظم" وردت هذه الايات؛ كان الهدف منها هو اثبات ان والد الامام علي "ع" كان كافرا وانما قتل لكونه ابن الكافر ليبرروا فعلتهم بقتل امير المؤمنين . وايضا ليثبتوا ان آباء النبي"ص" كانوا ليس بمؤمنين ؛ وذلك من اجل توجيه ضربة الى نفس الرسول "ص" . واذا قرأتم ماكتبه العلامة مابتجاوز الخمسين صفحة تبين كم كان له القدرة في البحث وكشف الاسرار.
من النماذج الاخرى ختم الشيخ محمد علي مهدوي راد كلامه والتي بيّنها العلامة المرتضى هي:
موضوع زيد بن ثابت ، ومن المؤسف آن بعض علماء الشيعة بذكر من فضائل زيد بن ثابت آنه قال : آن الرسول"ص" اخبره بآن يتعلّم العبرية ليقرآ له ما يأتيه بالعبرية وليكتب له ايضا بالعبرية . اثبت العلامة ان جمبع الرسائل التي كانت تكتب للرسول"ص" كانت موقغة باسم الامام علي"ع" وباسم عدي ابن كعب ، ولاصحة لما نقل عم زيد ابن ثابت ، وحتى ما نقل بتجميعه للقران الكريم اثبت العلامة جعل هذه الاحاديث، واشار الى ان الاحاديث كان لها هدف معين وهي الاشادة بزيد بن ثابتالذي وكان يحرّض على سب امبر المؤمنين "ع".
وبعد ان شكر الجميع على منحهم له هذه الفرصة ,اقترح الشيخ محمد علي مهدوي راد على طلاب العلامة بان يجمعوا ماكتبه العلامة عن جعل الاحاديث من بطون كتبه ونشره بموسوعة تحت عنوان الجعّالين والكذّابين والردّ عليهم.
عضو المجلس الاعلى الاسلامي في العراق سماحة الشيخ جلال الدين الصغير، تناول في كلمته الميزات التي تميز بها العلامة الفقيد, وقال:
لاشك اني لم استطع ان استوعب الحديث عن كل نتاجات الراحل الفقيد، ولذلك سأكتفي بمرور سريع على ابحاثه المسماة بالتاريخية ، وسنجد ان الحديث عن تاريخية عدة ابحاث يحتاج الى اعادة نظر لانه يمكن القول بأنه ابتدع منهجا كان مفقودا في دراسات المعصومين"ع" وفي دراسة تاريخهم، مما تسبب بعطب كبير بالثقافة التي تلّقتها اجيال واجيال ، عن طبيعة سيرة المعصومين "ع" لإ تلك السيرة التي كان المؤرخون يصفونها بعنوانها، سيرة الاشخاص الذين عارضوا النظم السياسية والنظم المذهبية والفكرية التي كانت سائدة في ازمانهم ، وهو ما ادّى الى محاصرة المعلومة المتعلقة بهذه السيرة ووضعها في اطر من شأنها ان لاتُتيح المجال للتعرّف على هذه السيرة بما يناسب مع شخص المعصوم "ع" ، وقد اعانت الظروف الاجتماعية السيئة والصراع السياسي والعنت الطائفي ، اعانت هؤلاء على زيادة حجم المعلومة ومحاصرة المعلومة ، هذا اذا لم ننظر الى حجم التزوير في هذه المعلومة التي اجتهدت سياسات الامويين ومن بعدهم العباسيين ومن لحق بهم من العاملين باثارهم ، اجتهدوا على الكثير من الكذب والتشويه لهذه السيرة، حتى وضّح المقصود.
تساءل الشيخ جلال الدين الصغير كيف يمكن لامرأة وصفها القرآن الكريم بعنوانها واقعة عقائدية ولكنها في البعد الاخر واقعة تاريخية . حادثة المباهلة نص تاريخي ، هذا النص يتضّمن الطبيعة الوحيانية التي كُللّت على الخمسة المباركين ، صرّحت بعدم امكان كذبهم ، ولو جئت بهذا النص بعنوانه احد مرتكزات شخصية الزهراء"ع" ورأيتها تقسم في قضية فدك ، عندئذ كيف يمكن لك ان توازن مابين التي كانت فدكا في يدها ، وبين الذي ادّعى بحديث عن رسول الله "ص" ومن تكذيب لصفة يصرّح بها القرأن الكريم
هذه القضية اسوقها كشاهد من جملة شواهد كثيرة ، على اننا لو اخفينا البعد العقائدي ، وهو الامر حاولت المدارس المعادية ولربما الصراعات السياسية التي انجرّت اليها العلماء في قضية ما يٌعرف واحد زائد ثلاثة الثلاثة افضل ام الواحد ، قضية التضليل المعروفة.
وربما توّصلوا ان لايتطرّقوا الى دمج الابعاد العقائدية لشخصية المعصوم "ع" مع طبيعة الوقائع التاريخية التي مرّوا بها ، لو اننا دققنا في تعامل التاريخ مع المعصوم سنجده في الكثير من الاحيان هو فرص جاد بها الزمن للكشف عن جانب من شخصية المعصوم "ع" ، ولكننا لو اخفينا هذه الشخصية في ابعادها العقائدية اذن لم يبق في سيرة المعصوم الشئ الكثير.
وتابع الشيخ جلال الدين : حينما تكون الدراسات التاريخية واعمال المحققين منحصرة بالابعاد التاريخية ، لايمكن لهم ان يقدّموا لنا الا صورة مُتجزئة عن سيرة المعصوم"ع".
ولكن احسب ان واحدة من اهم هذه الميزات المهمة جدا لفقيدنا الكبير العلامه المحقق رحمه الله ، انه خالف هذا المنهج وحاول ان يعيد الامور الى مجاريها في سيرة الرسول "ص" وسيرة الامير"ع" والامام الحسن والحسين عليهما السلام ومأساة الزهراء "ع" والجياة السياسية للامام الرضا"ع"....الخ.
انه حاول بالقدر الممكن ان يعيد النصاب الى سيرة المعصوم "ع" لتُبدي لنا الامور بطريقة لم نألفها من قبل وجوده الشريف
وعبر الشيخ جلال الدين الصغير عن اعتقادع بان جهده المبارك في حقيقة الدمج بين الابعاد العقائدية مع التأكيد على هذه الابعاد كان لها نصابها وشخصيتها التاريخية مع طبيعة التاريخ الذي حصل، عندئذ لم يكن يبقى الحسين"ع" مجرد رجل خرج عن حاكم زمانه ولم يكن يزيد لعنة الله عليه مجرد حاكم اعتدى على فرد من افراد هذه الامة ، وانما الحسين"ع" بكل ابعاده العقائدية .
لاشك ان التاريخ سينظراليه من واجهة اخرى وطبيعة اخرى قال الشيخ جلال الدين الصغير ، سيصطدم الكثير من مخيلات هذه الامة التي غُشَت وشُطحت فيها المعلومات عن طبيعة ماجرى في العصر الاول وفي عصور الائمة من اجل اخفاء هذه القضية.
ينقل اين الاثير في كتابه الكامل ويقول: كان والده عبد العزيز خطيبا وكان كلما وصل الى لعن الامام علي"ع" يتلجلج في لسانه مع انه كان خطيبا متمكنا، ساله : يا ابتي! مالي اراك كلما وصلت الى هذا الرجل يرتجّ بك اللسان ويتلجلج ؟ قال: اوقد التفت الى ذلك؟ قال : بلى ، فالله: ان هذا الرجل له من الفضائل ما لو علم بها الناس ماتطلّعوا الى وجوهنا
وختم الشيخ جلال الدين الصغير كلمته قائلا : هذا القول يمثل طبيعة المؤامرة من اجل حجب المعلومة عن المعصومين"ع ".
الجهد الذي بذله العلامة لايتمثل بكشف الستار عن المعلومة بقىر ما انه تمكن من فتح المجال الى الباحثين والمحققين لاعادة النظر في دراستنا عن المعصوم"ع" ووضع المعصوم في مكانه الصحيح تاريخيا ، وعندئذ سيكشف العالم اي معصوم لدينا واي امر فقدوه.
وكانت كلمة الاستاذ الحوزوي والجامعي سماحة الشيخ علي جابر سأل فيها عن الجديد في كتابات العلامة السيد مرتضى فقال:
في الدراسات التاريخية لقد عمل العلامة في هذا الميدان على المزاوجة بين العقل والنص لاجل تأصيل مايكتب.
صحيح أننا نراه ملتصقا اكثر بالنص وان دور العقل يتراجع قليلا لصالح النص،لكننا نجد التدقيق في الزمان والمكان والظروف والدلالة فلا يأسره النص بل يخصصه للتحقيق ، وقد وضع امامه الموسوعة التراثية الاسلامية في الحديت والفقه والتاريخ والتفسير من كل المذاهب واستفاد منها في بناء رؤيته للقضايا التي عالجها؛ وهي اعادة تطهير الصورة التاريخية الواقعة بخلفياتها وابعادها وآثارها ، وكشف الزيف الذي احاط بها، وهو في ذلك يحشد مصادر ومراجع من كتب السنة والشيعة والزيدية وغيرهم. مضاغا الى ذلك نجده حاضرا امام كل موضوع يطرح ليرشد الى مصادره ومراجعه، ويقدّم لنا مكتبة بحيثية تلك الظاهرة في عقله الموسوعي . ولذل لا انتقائية في رأيه بل يصدر عن تصورات ومبادئ محدودة بالدليل ، هو لايتشابه في منظومة اراءه مع الاخرين من الباحثين.
اضاف الشيخ علي جابر لقد قدم لنا العلامة السيد رحمه الله موسوعة فريدة، تضمنت السيرة النبوية بتحقيق لانظير له في كتابات علماء الاسلام بعنوان " الصحيح في سيرة الرسول الاعظم(ص) " ثم حياة امير المؤمنين الامام علي "ع" ثم الامام الحسن "ع" ، ثم حياة الامام الحسين "ع" ، مضافا للحياة السياسية للامام الرضا "ع" والحياة السياسية للامام الجواد"ع"، ودراسة في علامات الظهور التي سأفردها بالتعليق ، وقضايا تاريخية اخرى.
افتخر بانني كنت من الطلاب اللبنانيين الذين استفادوا من علمه وخلقه وطريقة بحثه ، قال الشيخ علي جابر وكان له الفضل في اجتيازي باب البحث والكتابة ، وخصوصا كتاب البيعة ونظام الحكم في الاسلام
كيف يمكنني ان اتناول في دقائق محدودة ذروة من العلم والاخلاق لكن ما لايدرك كله لايترك جلّه بل بعضه.
دراسة في علامات الظهور:
جذب هذا العنوان الكثير من العلماء والباحثين لارتباطه بظهور الامام النتظر "عج" وبحثوا فيه من جهات شتّى ، وجاءت هذه الدراسة للعلامة السيد جعفر مرتضى رحمه الله موجزة لكنها مركّزة تناولت اساسيات قضية العلامات وكيفية تناولها وفهمها
واشير هنا الى أمرين اساسين في الدراسة وبايجاز نظرا للجديد فيهما قال الشيخ علي جابر:
الاساس الاول : هو تصنيف الاخبار ، قد كان التعامل معها على أنها جميعها غيبية ، بمعنى انها بالوحي عن رسول الله "ص" ، الا ان العلامة السيد رحمه الله صنغها الى قسمين:
اخبار التوقيف اي الغيبية الموقوفة على الوحي ولاسبيل الى معرفة مضامينها الا الوحي.
اخبار الخبرة والتي ترجع الى خبرة المعصوم "ع" بالحياة والناس واحاطته بالسنن الاجتماعية وتأثيرها بنفوس الناس واحوالها وسلوكياتها
ورد العلامه السيد "قد" على من توهم انها علما ذاتيا اذ لا احد من البشر يملك علما من ذاته، لكن الخبرة والاحاطة بالعلوم الصحيحة تقود الانسان الى توّقع احداثا او مواقفا او احوالا يصل اليها اليشر ، وهنا حاصل في مراتب ادنى اشير الى نماذج منها
الاساس الثاني : ان الاخبار حول علامات الظهور قد قُسمت الى قسمين رئيسيين . العلامات الموقوفة او غير المحتومة . والعلامات المحتومة كالسفياني
وقد سُئل الامام الصادق"ع" عن انه هل يجري فيه البلاء ، فاجاب والبداء في المحتوم.
والعلامة المجلسي فسّر البداء هنا في خصوصيات العلامة المحتومة
لكن العلّامه "قد" ذهب الى فهم آخر هو ان العلامات على اقسام
العلامات الموقوفة ( غير المحتومة ) وهي التي فيها المقتضي للحدث ، لكنها لاتبين الشرائط والموانع له فقد تحصل وفد لاتحصل،
العلامات المحتومة التي تحققت العلة التامة بجميع اجزائها ويصبح وجود المعلول حتميا ، عالم تتدخل العناية الالهية فتمامية العلة لايلغي قدرته تعالى وعدله وحكمته ورحمته ، وتدخل المشيئة الالهية هي البداء ، ومن هذه العلامات هي السفياني
العلامات المحتومة كالسابق الا انه الله تعالى لايتدخل فيها مع قدرته على ذلك لتنافيها مع صفاته الربوبية ، ومن هذه الوقائع قيام القائم "عج" لانه في الميعاد والله سبحانه لايخلف الميعاد.
اذا ذهبنا الى الفقه فالعلّامة السيد "قد" رغم انه اشتهر بالبحث التاريخي، ولايعرفه اهل العلم وعامة الناس الا كذلك لكنه ، قال الشيخ علي جابر:
وعن قرب اقول، إنه "فقيه " مرموق لو اسعفه الزمن والحال لأتى ما لم يات به الماضون، فنجده مدققا ويكثر في النقاش في المحتملات ، حيث يتقدم العقل اكثر خصوصا في المباحث التي يقل فيها النص كباب الاجتهاد والتبقليد واهل العلم بعرفون انه باب فقهي قد استهلك بحثا واجتهادا بحيث لايأتي احدهم بجديد ، لكنك تتفاجأ كيف ان العلامة السيد"قد" يجدّ ليأتي بدرة من هنا ودرة من هناك ، ولا ابالغ . ويمكن مراجعة كتابه ( الاعتماد في مسائل التقليد والاجتهاد) ، وهو آخر كتبه المطبوعة ويقع في اربعة مجلدات.
وله احاطة بالاقوال في المسألة المبحوثة من المتقدمين والمتأخرين وتقليب وجوه الاقوال ليدلي اخيرا برأيه.
: وختم الشيخ علي جابر كلمته قائلا
وللسيد مرتضى حداقة عقلية تتجلى في موارد عديدة ، منها مناقشته الوجدان الفطري الذي ذكره السيد المقدس آية الله السيد عبد الاعلى السبزواري في مسألة أنه يجب على كل مكلف ان يكون اما مجتهدا او مقلدا او محتاطا ، حيث قايس بينه وبين الوجوب في المسألة ليصل الى الفارق بين الوجوب الفطري والوجوب العقلي ، وان وجوب دفع الضرر من مدركات العقل وليس بأمر فطري على النحو الذي صوّره بعض الاعلام.
وله بحث مهم حول التفسير المنسوب الى الامام العسكري "ع" والحديث المعروف فيه ( واما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه فللعوام ان يقلّدوه) فبحث في الحديث فبحث في الحديث اولا ليس فقط اعتباره بل وعلّوه ثم انتقل الى الكتاب مناقشا ماذكره حوله من بحث جميل ليصل الى اعتبار الكتاب كسائر كتب الحديث ، غير انه يشتمل على الصحيح والضعيف وان ذلك يعرف بالقرائن ..... .
والعلامة السيد "قد" يبدي حرصا على تراث اهل البيت "ع" ولايقبل الطعن
بعيدا عن التدقيق وفق المنهج العلمي الصحيح لانه وصل الينا بثمن غال.
كذلك تحدث مدير حوزة الامام علي بن ابي طالب والتي أسسها العلامة الراحل السيد جعفر مرتضى ,سماحة السيد علي حجازي، من لبنان فقال :
برحيل العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي. سأتحدث عما هو غير مدرك بشكل واضح في شخصية السيد وبما له علاقة بتحقيقه التاريخي لحياة رسول الله. كيف أثر سماحته بتصحيح التاريخ أثر تاريخ النبي وآل البيت في شخصية السيد. أتحدث عن الشخصية العلمية- السلوكية- العصرية الحوزوية.
اضاف السيد علي حجازي السيد العالم المفكر المتكلم المؤرخ المفسر الفقيه الأديب، قد يقال إنه ليس مؤرخاً وانما هو متكلم في التاريخ. لا بد للتاريخ ولكي لا يشوه أو تشوه رجالاته وخاصة شخصية النبي الأعظم، أن يخضع للمتلكم والعقيدة الحقة. السيد المتكلم صحح التاريخ لأن الشخصية النبوية والولوية لا يصدر منها ما يخالف حقيقتها المعصومة وإلا فالتاريخ المكتوب يصور النبي كما صورته آيات شيطانية فالسيد المتكلم صوب التاريخ – والسيد المؤرخ سدد للمتكلم قضاياه- كم من قضيةٍ كلامية مبدؤها التاريخ وكم من عقيدة فاسدة مصدرها التاريخ المدوّن. لا بدّ لهذا التاريخ أن يصوّب كي تصوّب العقيدة. كان التاريخ طوع قلمه مسلطاً علمه بينما من كتب التاريخ كان التاريخ مسلطاً عليه.
وتابع السيد علي حجازي كلامه فقال:
مخطئ من يعتقد أن السيد العاملي هو هذه المؤلفات. هذه المؤلفات تشكل حيزاً من المقام العلمي لسماحته. ومخطئ من يرى أن السيد يقرأ فقط من خلال نتاجه المكتبي. فإذا كان الكثير من العلماء قد تحيّزوا بجهةٍ علميةٍ فقهيةٍ أصوليةٍ كلامية، وإذا كان الكثيرون مراجع في الفقه، فإن السيد مرجعٌ في الدين لا يشبهه أحدٌ ولا يشبّه بأحد.
قد يقال: إن السيد لم يبرز في الفلسفة أو لم يتعاطاها، لكنه كان فيلسوفاً للتاريخ وفيلسوفاً في الدفاع عن دين الحق. هنا السيد أثرى التاريخ المدوّن.
إن السيد من الذين جسدوا وحققوا المصداق الواضح لأخلاق أهل البيت (ع) في قضاء حوائج الناس ومساعدتهم والاحساس بهم يعيش همومهم ويسعى كي يفرج عنهم كرباتهم. في تواضعه في رحمته ومحبته وسعة صدره كان لا يشعر جليسه بالفارق لا بالفوقية بل ولا بالمساواة كان يحسس الآخر مهما كان مقامه أنه ذو مقام.
البعض يمنّ على الآخرين بالتواضع بينما سماحة السيد يشكر الآخرين على ملاقاته. انها الاخلاق المحمدية العلوية.
جاء قلمه بما جاء ولم يفتخر يوماً بتعداد المؤلفات بل كان يرى نفسه أنه قام بواجب عليه وان عليه الكثير.
وشدد السيد علي حجازي على ان العلامة المحقق مرتضى اختار طريق التحقيق التاريخي بمنهج الفقيه الاصولي وكان يدرك ان هذا الخيار لا يجعله في المراتب العليا والتي لم تخطر على باله قط. نعم ضحى بمقاماتٍ عليامن أجل إثبات الحق التاريخي. هنا أُثر التاريخ في السيد.
الشخصية العصرية الاجتماعية السيد الذي عاش التاريخ الذي سبقه من خلال تحقيقاته وتأليفه قد يُظنّ أنه مازال يعيش في الأزمنة الغابرة في فكر ومنطلقاته وتوجهاته- وهكذا قد يوصف انه تقليدي لم يعايش عصره. انه جهلٌ بالسيد، لقد كان منفتحاً على كل الناس وكل الافكار والتوجهات لم يتعصب عصبيةً عمياء لا لما عليه ولا على غيره.
يسمع الآخرويقبل الآخر ولا يرضى إلا بالدليل قال السيد علي حجازي.
لقد تجاوز سماحته في الانفتاح على الاخر الكثيرين الكثيرين ولكن بأصالة عميقةٍ ثابتة. ولكم نتفاجأ بطروحات لسماحته تتجاوز كل المشهور والمتجذر في الأذهان ولهذا قد ثبت تاريخاً قد لا ينسجم مع الطروحات الذهنية.
انها عقيدة العالم الحر المتسلح بقوة المنهج العلمي. وسماحة وقوة ما هو عليه من معتقد.
كان لا يرى التاريخ حدثاً جامداً بل هو حركةُ انسانية تجعل الباحث يبحر في احداثه يقرأ التاريخ بأهدافه وغاياته ويعبر المستقبل الى حاضر مزيّن بماضٍ مشرق منحياة النبي والآل.
كان يريد للمسيرة أن تستمر بنهجه واسلوبه وبعلمية صادقة وجادة جزم السيد علي حجازي ,فاهتمّ بالحوزة واهلها. قدم كل ما عنده وما تحت سلطانه لبناء حوزة علمية تحمي الدين واهله وتنشر تعاليمه عبر الاجيال. كان يعتبر الطالب الحوزوي ابناً يعطيه اهتمامه ويصونه ويقدر عنوانه وشخصيته.
اراد للحوزة أن تتبنى المنهج التحقيقي في مجالات القضايا العلمية عبّر السيد علي حجازي في كلامه وما كان يريدها حوزةً تقليدية كما هو معروف. كان يريدها أن تستفيد من منهجها العلمي في مسيرة التحقيق العلمي. واذا كان هناك شيء من تاريخ الاسلام لم تنله يد السيد بالتحقيق فعلى الحوزة ان تسعى ان تحقق هذا الهدف بانشاء رجالات ومراكز تحقيق لأجل هذه الغاية.
الصحيح من سيرة النبي الاعظم. رشحة من رشحات هذه الشخصية التي قد لا يجود الزمان بمثلها. مازالت شخصية السيد العلمية مجهولة بتفاصيلها وحقيقة بنيانها ولعل الاجيال تكتشف حقيقة السيد وتتعرف على حقيقة منهجه لتنهل منه ما يعمر حياتها ويبني حضارتها على أسس ثابتة قويمة.
وفي الختام قال السيد علي حجازي :السيد جعفر اسم لا يحتاج أن يتقدمه لقب أو وصف. هو عنوان تتشرف له كل الاوصاف والالقاب.
أما المدير السابق لديوان الوقف الشيعي في العراق السيد علاء الموسوي ,فقال:
عرفت العلّامة السيد جعفر مرتضى العاملي في قم المقدسة استاذاً ومحققاً ومدرّساً وكاتباً ، وكانت لنا معه لقاءات عديدة حتى انتقل الى لبنان، وايضا التقيت به في لبنان مرّات عديدة ، كنت بعضها ضيفا عنده لأيام عديدة قي بيروت ، ثم اخذتي الى قريتهم "عيتا الجبل" في الجنوب. من مجموع هذه العلاقة والمعرفة يمكن ان اشير الى بعض النقاط التي لمستها شخصيّاً في شخصية هذا العالم المحقق، أولها:
تدبنه وورعه ،إنه كان متدينا وورعاً ، شديد الاحتيلط لنفسه ، مقيّداً جداً في كلامه ، كان لايتجاوز الحدود الشرعية في الكلام، بل اكثر من ذلك كان محتاطاً جداً في كلامه ، وكان يتجنّب حتى المباحثات في الكلام.
واضاف السيد علي الموسوي "في الفترة التي تعرّفنا فيها عليه كانت هناك صراعات فكرية احتدمت في بعض الاحيان مع بعض ىالاشخاص. والصراع بطبيعته يجرّ الى مواقف قد تكون متشنجة من بعض الاطراف ، وقد يراعا بعض الاطراف جائزة ، لكنني لم ألحظ على سماحة السيد رحمه الله اي شئ من هذا القبيل، مع انه كان في مقدمة الصراع والمواجهة الفكرية والعقائدية، وكان يدافع عن أهل البيت عليهم السلام وعن أفكارهم وعن عقائد الاسلام ، لكنني لم اسمع منه انتقاصاً لأي طرف من الاطراف المقابلة ، ولم أسمع منه أي كلمة جارحة في حقّ احد، وهذا في الواقع لشدة ورعه واحتياطه، وهذا ملحوظ ايضا في شؤونه الاخرى ، في تأسيسه لحوزة الامام علي"ع" ، وفي انتقاله الى لبنان وممارسة النشاط العلمي".
وأردف السيد علي الموسوي قائلا هناك تفاصيل تدلّ على أن الرجل كان مقيّداً بالقضايا الشرعية وبالورع، بحيث يتجنب موارد الشبهة ويبتعد عنها.
كان يتحلّى ايضا بهدوء وسكينة وأخلاق عالية جداً ، إتّزن في التعامل مع الاخرين ، وكان ساكن الريح كما هو الموصوف في الروايات ، المؤمن يتحلّى بسكزن الريح.
كان هادئا جدا ، ويتعامل مع الاخرين باحترام عالي ، له ادب رفيع قي التعامل مع الناس والتحدّث عن الاخرين الذين لايحضرون مجلس الغائبين. وهذا امرٌ لايُعد صدفة، بل هو سليل اسرة كريمة وعلماء واجلّة توارثت العلم والاخلاق.
الامر الآخر الذي يُلاحظ في سماحة السيد جعفر رحمة الله عليه ، شدد السيد علي الموسوي الدّقة العلمية فيما يقول وفيما يكتب ، كان حريصاً على ان يكون دقيقاً فيما يقول وفيما يكتب، لانّه انسان مسؤول ، كان يشعر بالمسؤولية العلمية والمسؤولية الشرعية ، في مايصدر منه باعتباره عالما وفقيها ومؤرخا ومفكرّرا اسلاميا . لايمكن ان يصدر بدون تدقيق ومراجعة ودون ضبط للمعلومة، هذا امرٌ مُلاحظ فيه قد يغيب عن بعض المشاهير في هذا الزمان.
قد يُطلق الكلام عن عوائنه ، لكن السيد لايطلق الكلام على عوائنه ولايتحدّث بلا تحقيق وتدبّر ، بل يتكلّم بعلم وقناعة كاملة، واذا سُئِل عن المصدر المصادر جاهزة، واذا سُئِل عن المنشأ للفكرة يذكر منشأ الفكرة من رواية او آية أو غير ذلك.
هذه الصفة في الحقيقة من الصفات التي تُعتبر مَعلَماً من معالم علماءنا بشكل عام ، العلماء الرّبانيون ، علماء الحوزة ، فقهاء الحوزة بمراتبهم المختلفة ، من المراجع الى المراتب الادنى من الاساتذة
الجميع يتقيّد بهذه الصفة ، صفة الدّقة العلمية ، وانه لايتحدّث بشئ إلّا ان يكون قد ضبط هذا الشئ مصدراً ومدركً ودليلاً ، وان يكون قد حقق في تلك الفترة الفكرة قبل أن يطلقها أمام الملك وأمام الناس.
من الصفات المشهودة للسيد جعفر مرتضى العاملي رحمه الله ، إنّه كن يَتحلّى بغيرة شديدة على المذهب والدين والاسلام، وهذه صفة لعلّنا نجدها نادرة في اهل هذا الزمان ، الانسان قد يغار على نفسه وأهله وعائلته وعلى اسرته وعشيرته فينتفض اذا أُصيب بهم أذى وانتقاص، أما الغيرة على الدين في هذا الزمن تكاد تكون نادرة ، نجد ان الغيرة حاضرة في هذا السيد الجليل ، نجده ينتفض لقضايا الدين ن ويسهر لقضايا الدين، ويسهر لمّا يمس الاسلام بسوء، الاسلام واهل البيت عليهم السلام ، من أفكار ومقولات وغير ذلك.
لذلك جرّد نفسه ، جرّد قلمه، وسخّر كل إمكاناته العلمية في الدفاع عن الاسلام والمذهب.
والنقطة الثانية التي نذكرها هي: أنه لم يكن يكتفي بالالم فقفط ، نعم هناك اناس غيارى على الدين ، يتأذون ويتألمون ، وقد يتكلّم كلمتين او ثلاثة يُظهر بها غيرته على الدين، لكنّ السيد لم يكن يكتفي بذلك ، بل كان يعمل ويجاهد ويكتب ويحقق ويذهب الى المصادر التاريخية النادرة ويبحث فيها ليجد الجواب الشافي عن الشبهات التي تمسّ اسلامنا وديننا وأهل البيت عليهم السلام.
اذن الرجل لم يكن يكتفي بمجرد الانكار ومجرد التالّم القلبي، ختم السيد علي الموسوي كلامه "بل كان يعمل ويجاهد ويتصّدى لموضوع الرّد ، وقد كتب عشرات الكتب في هذا المجال ، فيما هو مشهود وموجود في سوق الكتب ، ففي المكتبة الاسلامية نجد كتب العلّامة السيد جعفر المرتضى العاملي تملأ الرفوف في كلّ المجالات الفكرية والعقائدية.
كان حسن العشرة، كما ذكرت في بداية حديثي بأنني ذهبت الى لبنان مرّة ونزلت ضيفا عليه في داره في بيروت، ثمّ أخذني الى عيتا الجبل في الجنوب، قضيت أياما واستمتعت بهذه الرفقة لهذا العالم الجليل ، إذ رأيت حالاته الخاصّة واستمعت الى أحاديثه المتنوعى بذلك الخُلق الحسن ورقّة الحاشية وحسن المعشر ، إستفدت منه كثيراً ، سجّلتها في بعض دفاتري ، لايسع الوقت لذكرها ".
بدوره سماحة السيد مرتضى مرتضى، شقيق السيد جعفر مرتضى شكر الدكتور عباس خامه يار لتنظيمه هذا البرنامج
وقال :اما بما يخص حديثي عن سماحة العلامة جعفر مرتضى ، استطيع ان اقول أنه كان اوسع من ايران واوسع من لبنان واوسع من كل الامكنة التي نعرفها ، كان له دور في افريقيا من خلال زيارته لمدة شهر واحد ، ترك فيها آثارا" تبقى الى الاجيال والعصور القادمة ، له من المحبين من الشباب المثقف من ابناء افريقيا ، ولايزالون يذكرونه ويتذكرون ... الثقافي والعقائدي الذي اوجده بينهم وقلب حياتهم رأسا على عقب.
وفي ختام كلمته جدد شكره لجميع الحاضرين والمشاركين لمن شاركهم في عزاء فقد هذا الرجل العظيم.
واختتمت الندوة بقراءة الفاتحة على ضريح السيد جعفر مرتضى ومجلس عزاء من وحي المناسبة، للخطيب الحسيني الشيخ علي بلوط.
/110