خلاصةٌ نشرها قسمُ الأرشيف في وزارة الخارجية الأمريكية، في مقدمة مجموعة الوثائق المتعلقة بأفغانستان والتوظيف الأمريكي للحركات الجهادية ضد الاتّحاد السوفيتي، وذلك لتوضيح الخلفيات الإجرائية والقانونية لعمليات توظيف الجهاديين.
المصدر: وثائق وزارة الخارجية الأمريكية
وثائق للخارجية الأمريكية تكشف صناعة واشنطن لـ “القاعدة” في كابول.. أمريكا أُمُّ “الإرهاب”
تنا
2 Feb 2021 ساعة 18:00
خلاصةٌ نشرها قسمُ الأرشيف في وزارة الخارجية الأمريكية، في مقدمة مجموعة الوثائق المتعلقة بأفغانستان والتوظيف الأمريكي للحركات الجهادية ضد الاتّحاد السوفيتي، وذلك لتوضيح الخلفيات الإجرائية والقانونية لعمليات توظيف الجهاديين.
خلاصةٌ نشرها قسمُ الأرشيف في وزارة الخارجية الأمريكية، في مقدمة مجموعة الوثائق المتعلقة بأفغانستان والتوظيف الأمريكي للحركات الجهادية ضد الاتّحاد السوفيتي، وذلك لتوضيح الخلفيات الإجرائية والقانونية لعمليات توظيف الجهاديين.
المقدمة:
صبيحةَ يوم 27 ديسمبر كانون الأول 1979، انعقد مجلس الأمن القومي الأمريكي في “مبنى إيزنهاور” المقابل للبيت الأبيض. ضم الاجتماع كلاً من الرئيس كارتر، ونائبه والتر موندل، ومستشار الأمن القومي بريجنسكي، ووزير الخارجية سايروس فانس، ووزير الدفاع هارولد براون، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال ديفيد جونز، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية ستانسفيلد تيرنر، وبعض المستشارين المتخصصين المرافقين لأعضاء المجلس. دام ذلك الاجتماعُ أربعَ ساعات.
واتفق فيه على جُملةٍ من القرارات تصب في خدمة هدفين اثنين هما:
1- يجب على الولايات المتحدة أن تردعَ الاتّحاد السوفياتي بكل وسائلها؛ كي لا يطمع قادته أَو يفكروا فيما وراء أفغانستان.
2- بعد التأكّـد من تحقّق الهدف الأول، يجب إلى الولايات المتحدة أن تعملَ لدحر السوفيات في أفغانستان نفسها، حتى يخرجوا منها مهزومين غير منتصرين.
وفي ما يخص الهدف الأمريكي الأول، يكون على واشنطن أن تنبه السوفيات بالوسائل الدبلوماسية/ السياسية بدايةً، ثم بفرض العقوبات الاقتصادية/ المالية عليهم تالياً، ثم بتفعيل الاتّفاقيات الأمنية/ العسكرية السرية المبرمة مع ملوك ورؤساء وأمراء البلدان الحليفة في الشرق الأوسط.
وفي هذا الصدد، يكون على السفراء الأمريكيين المعتمدين في العواصم الخليجية (وفي القاهرة وعمّان) أن يطلبوا من السلطات المحلية تنفيذ تفاهمات واتّفاقات سرية أبرمت مع الولايات المتحدة سابقًا، وبما في ذلك حق أمريكا في استخدام القواعد العسكرية في بلدانهم للأغراض الحربية. ويفضَّلُ أن تمر تلك الإجراءات بهدوء، ومن غير صخب إعلامي.
وأما في ما يخص الهدف الأمريكي الثاني، فَـإنَّ واشنطن يجب أن تنالَ غايتها من دون أن تتدخل عسكريًّا أَو علنياً ضد السوفيات في أفغانستان، وذلك لثلاثة أسباب:
أولاً: لأَنَّها ترتبطُ قانونياً مع حكومة كابول بأي اتّفاق دفاعي مشترك، على عكس غريمها السوفياتي الذي وقع منذ عام، مع الرئيس الأفغاني السابق نور محـمد تراقي “معاهدة الصداقة والتعاون وحُسن الجوار” التي تصبح تتيح لموسكو إمْكَان التدخل العسكري لمساعدة النظام الحليف لها في أفغانستان، وبذلك تنزع تلك الاتّفاقية، قانونياً، عن “العملية السوفياتية” صِبغةَ الاحتلال.
ثانياً: لأَنَّ حمايةَ أفغانستان نفسها ليست هدفاً أمريكياً مغرياً. فما يهم واشنطن أَسَاساً هو حماية مصالحها الاستراتيجية التي تحيط بأفغانستان (في إيران وباكستان والدول الخليجية)؛ ولذلك فَـإنَّ دخولَ أمريكا في صدام عسكري مباشر مع الاتّحاد السوفياتي؛ مِن أجلِ أفغانستان –بقطع النظر عن مسوغاته القانونية– هو أمرٌ غيرُ مرغوب، فضلاً عن أنه مكلَّف.
ثالثاً: لأَنَّه باستطاعةِ أمريكا تحقيق غايتها، وإخراج السوفيات من أفغانستان منكسرين، من دون أن تخسر هي جندياً واحداً من جنودها، أَو تحَرّك طائرة واحدة من طائراتها.. وذلك لأَنَّ بلاد الأفغان يمكنها أن تكون فخاً أمريكياً مثالياً للروس!
وأثناءَ نقاشات مجلس الأمن القومي الأمريكي (المذكور)، عرض ستانسفيلد تيرنر مدير CIA كيف نجحت وكالته، مع حلفائها الباكستانيين، في اختراق قيادات من القبائل الأفغانية (خُصُوصاً من قبائل الباشتون ذات الارتباطات الإثنية مع باكستان).
وكيف جَنّدت ميليشيات من رجال القبائل للقيام بحرب عصابات ضد الحكومة الأفغانية، وضد الجنود والمستشارين السوفيات الداعمين لها، في إطار معاهدة التعاون العسكري. وذكر تيرنر كيف عملت CIA فعلاً على مضاعَفة دعمها لما سموه آنذاك “للجهاديين”، بعد أن أصدر لها الرئيسُ كارتر في الثالث من تموز 1979م توجيهاً رئاسياً لزيادة تمويلهم وتسليحهم، وتحفيزهم معنوياً تحت شعارات “الجهاد ضد الشيوعيين الملحدين الذي يريدون شراً بالإسلام في أفغانستان”.
وبالفعل فقد قامت هذه المليشياتُ بجُهدٍ مميزٍ في حربها ضد حكومة كابول، ما اضطر الاتّحاد السوفياتي، في نهاية المطاف، إلى التدخل بنفسه في أفغانستان لينقذَ نظاماً جاراً وحليفاً له من التهاوي تحت ضربات “الجهاديين المدعومين أمريكياً” وتحديداً ممولين من وكالة الاستخبارات الأمريكية. وكان من رأي مجلس الأمن القومي في اجتماعه المذكور، أن أمريكا أن تزيد جرعات دعمها لمليشيات واشنطن، وأن تحفزها دينياً “للجهاد- أكثر فأكثر- ضد الملحدين الذين يريدون شراً بالإسلام”. ذلك أن “جهاد المجاهدين” إذَا وفرت له أمريكا مساعدةً إقليمياً وإسلامية وغطاءً من الدعاية الإعلامية ومدداً من المتطوعين وَرُزَماً من المال وترسانات من السلاح، فهو حينئذٍ لا بد أن يؤتى أكله، عاجلاً أَو آجلاً.. ولقد أثمر ذلك الانخراط في صفوف المدعومين من واشنطن نتائج رائعة لمصلحة أمريكا، فيستنزف السوفيات، من دون أن تخسر هي شيئاً يُذكَر!.
ولأجل تحقّق هذه الأهداف، قرّر الرئيسُ الأمريكي إيفادَ مستشارِه للأمن القومي في “جولة مكوكية” إلى الشرق الأوسط لإقناع الحلفاء بمحاسن “الجهاد الإسلامي”، وبأهميّة تمويل “الجهاديين” وتسليحهم، وبضرورة الوقوف كالبنيان المرصوص ضد دولة الاحتلال، وضد الكفار والملحدين الذين يريدون شراً بالإسلام وأهله!.
إليكم وثائق سرية تكشف عن الأحداث التي حصلت عام 1977-1978م والتي مهّدت الطريقَ أمام الأمريكي لتحريك ودعمِ “الإرهابيين” في أفغانستان.
برقية من السفارة في أفغانستان إلى وزارة الخارجية (17 أغسطُس 1977، كابول):
قال رئيسُ أفغانستان داوود إنه يشعر بقلق بالغ إزاء الكميات الكبيرة من مطبوعات الدعاية الشيوعية التي يتم إدخَالُها إلى أفغانستان عبر البريد وبصورة غير قانونية من أُورُوبا الغربية والولايات المتحدة. وقد ربط هذا الوابل الدعائي بقلقه بشأن الغزوات التي يرى أن الشيوعيين يصنعونها في بلدان مثل تايلاند وإثيوبيا.
بخصوصِ الدعاية الشيوعية، أخبرت داوود أنه إذَا كان هناك أيةُ أمثلة محدّدة يود مني التحقّق فيها، فسأحاول القيامَ بذلك. اتفق معي في أن معظمها ممل جِـدًّا لدرجة أنه ليس لها تأثير كبير، لكنه قال إنه مع ذلك، يقرأها الناس.
ولفت لداوود إلى أن جهودَنا السياسيةَ في جنوب إفريقيا والشرق الأوسط ستؤدي، على أمل، إلى خلقِ ظروفٍ في تلك المناطق ستحد من الفرص للسوفييت.
مذكرة من المساعد الخاص للرئيس الشؤون الصحية (بورن) إلى الرئيس كارتر (19 أغسطُس1977 واشنطن)
إن قدرتَنا الاستخباراتية الحالية في أفغانستان ضئيلةٌ مقارنةً بالمنطقة المنتجة ذات الحجم المماثل في “المثلث الذهبي”. اقتصرت مهمةُ وكالة الاستخبارات المركزية في أفغانستان بشكل أَسَاسي على الأنشطة المتعلقة بالاتّحاد السوفيتي.
القرار الأهم يجب اتِّخاذه لدعم جهودنا في أفغانستان هو اختيار سفيرنا القادم في كابول، لكي نتمكّن من متابعة استراتيجيتنا الموضوعة، بالإضافة إلى المعرفة المباشرة بأفغانستان وقيودها السياسية، أن يكون سفيرنا القادم له علاقةٌ مع قادة أفغانستان على المستوى الوزاري.
مذكرة استخباراتية معدة في وكالة المخابرات المركزية (واشنطن)
قدم السوفييت لكابول مساعدةً بشروط سهلة بشكل غير عادي لضمان علاقة سوفيتية أفغانية خَاصَّة تعتقد موسكو أنها مهمةٌ لمصالحها الأمنية، لطالما كانت هذه المساعدة أكثرَ تساهليةً بكثير، وتضمنت منح مساعدات أكثر من مساعدات موسكو لعملائها الآخرين. ووافقت موسكو أَيْـضاً على إعادة جدولة متكرّرة لديوان كابول، وغطت معظمَ تكاليف المشاريع المحلية في أفغانستان، وهو تنازل نادر. سمحت العقودُ العسكرية السوفيتية عُمُـومًا بخصم 75 % من أسعار القائمة ويتم دفعها على مدى 15 إلى 25 عاماً بفائدة 2 %. سمحت الاعتمادات الاقتصادية الكبيرة بما يصل إلى 25 عاماً للإطفاء، بعد فترة سماح تصل إلى 25 عاماً، معا فائدة بنسبة 2 – 2,5 %. تقارن هذه مع الشروط السوفيتية المعتادة لسداد 10 سنوات بنسبة 2 % للعقود العسكرية و12 سنة بنسبة 2,5 % للمساعدات الاقتصادية.
أدى النزاع الحدودي بين أفغانستان وباكستان عم 1956م إلى توقيع اتّفاقية أسلحة بقيمة 100مليون دولار مع الاتّحاد السوفيتي، وهي الأولى من سلسلة الاتّفاقات التي جعلت موسكو مسؤولة عن جميع الأسلحة الحديثة في قوائم جرد كابول. لقد ساهمت الشحنات السوفيتية التي تجاوزت 600 مليون دولار من المعدات العسكرية منذ عام 1956م في توفير أكثر من 95 % من إجمالي الإيرادات العسكرية لأفغانستان. وشملت عمليات التسليم طائرة مقاتلة من طراز MIG وَSukhoi ودبابات متوسطة وصواريخ أرض جو وطائرات هيلوكوبتر ومركبات مدرعة. على الرغم من أن اتّحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية لم يوقع أسلحة رئيسية جديدة مع أفغانستان منذ عام 1975م إلا أن عمليات التسليم مستمرة في ظل 50 مليون دولار من المتطلبات التي لا تزال معلقة. حتى الآن في عام 1977م استقبلت أفغانستان طائرات AN-26 وSA-3 وSA-7 الصواريخ وكذلك المدفعية الميدانية والرادار والمعدات الأرضية.
كما تتحمل موسكو أَيْـضاً المسؤوليةَ الوحيدةَ تقريبًا عن دعم وصيانة أنظمة الأسلحة الأفغانية. على الرغم من أكثر من 20 عاماً من المساعدة التقنية السوفيتية، لا تزال كابول تعتمد على المستشارين السوفييت والتدريب. اختلف عدد الكوادر الفنية السوفيتية في أفغانستان باختلاف تدفق الأسلحة. في عام 1967م، بلغ عددُهم ذروتَه عند 525، وفي عام 1977م كان هناك حوالي 350 عسكريًّا سوفيتياً موجودين. بحلول نهاية عام 1977م كان الاتّحاد السوفياتي قد درب 3700 عسكري أفغاني في الاتّحاد السوفيتي، منهم 650 ما زالوا في التدريب. نتوقع عدد الفنيين والمتدربين السوفيات في الاتّحاد السوفياتي زيادة العام المقبل لخدمة وتوجيه الجيش الأفغاني بالمعدات الجديدة الأكثر تقدماً من الناحية الفنية التي يتم تسليمها الآن.
على الرغم من المساعدة الأمريكية التي تبلغ حوالي نصف مليار دولار ونجاح أفغانستان الأخير في جذب ما يقارب من 900 مليون دولار من تعهدات أوبك (تم صرف 65 مليون دولار فقط منها)، فَـإنَّ الاتّحاد السوفيتي تواصل كونها أهم مصدر للمساعدات الاقتصادية لأفغانستان وشريكها التجاري الرئيسي. يمثل الائتمان 425 مليون دولار، الذي تم تمديده ي عام 1975م لخطة كابول الحالية ذات السبع سنوات (21 مارس 1976-20 مارس1983م) ثلث إجمالي التزم موسكو البالغ 1.3 مليار دولار تجاه كابول وهو أكبر التزام سوفيتي فردي تجاه أفغانستان حتى الآن. إذَا تم تنفيذ الخطة الخامسة الطموحة بالفعل، فمن المحتمل أن تلجأ إلى موسكو للحصل على مساعدات إضافية. في غضون ذلك، ستستمر عمليات التسليم السوفيتية بأقل من 600 مليون دولار من الائتمان التي لا تزال معلقة.
البرنامج السوفيتي – الذي قدمت موسكو من خلاله مساعدات بقيمة 700 مليون دولار- قدم حوالي نصف مكون النقد الأجنبي للمشاريع في إطار الخطط الخمسية الأربع لأفغانستان. وبهذه المساعدة، تم توفير ثلثي الطرق في أفغانستان ونصفها، وتم بناء قدرة الطاقة الكهربائية. في اتّحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية شيدت المطارات الرئيسية، وضعت شبكة نقل الطاقة الكهربائية واسعة، ووضع بعض 100.000 فدان من الأراضي للزراعة. قامت موسكو أَيْـضاً ببناء العديد من المصانع الصغيرة وتطوير صناعة الغاز في أفغانستان، والتي توفر الآن لاتّحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ما يقرب من 3مليارات مكعب من الغاز سنوياً عبر خط أنابيب مبني من الاتّحاد السوفيتي.
لا نرى أيَّ تضاؤُلٍ في الوجود الاقتصادي السوفيتي على المدى القريب. يعمل 1000 فني سوفيتي حَـاليًّا في التنقيب عن المعادن والنفط والغاز وإنتاج الأسمدة ومشاريع الطاقة والري والنقل. من المحتمل أن يتم طلب موظفين تقنيين إضافيين مع تقدم العمل في مشروعين للطاقة ومجمع لصهير النحاس بقيمة 600 مليون دولار، والآن على لوحات الرسم.
ورقةٌ معدة في وزارة الخارجية (واشنطن، 29 إبريل 1978م)
تقييمُنا الأولي لانقلاب أفغانستان هو أن قادةَ الانقلاب كانوا مدفوعين بشكل أَسَاسي بالرغبة في الاستيلاء على السلطة من عشيرة عائلة محمـد زاي، التي هيمنت على أفغانستان لمدة 150 عاماً، يبدو أن القادة ومعظمهم من ضباط الجيش، هم من الشباب واليساريين والقوميين. ترتبط بعض عناصر الحرب الشيوعي الأفغاني بقادة الانقلاب، وبحسب ما ورد تم تعيين أحد أعضاء الحزب وزيراً للمالية. ومع ذلك، لا توجد مؤشرات على التواطؤ السوفياتي في الانقلاب. يبدو أن الانقلاب قد تم التخطيط له على عجل، وربما تم إبلاغُ السوفييت به في اللحظة الأخيرة. لقد تصرف السوفييت تقليدياً بضبط النفس تجاه أفغانستان. على الرغم من أنهم ربما أُصيبوا بخيبة أمل إلى حَــدٍّ ما من الرئيس داوود، لا نعتقد أنهم كانوا سيحاولون الاستيلاء على هذا البلد المهم غير المنحاز. على الرغم من أن السوفييت ربما لم يكونوا مستائين من الأحداث، إلا أنهم قد يكونون حذرين بشان ممارسة نفوذ علي وواضح حتى لا يثيروا قلقَ جيران أفغانستان بشكل غير ملائم.
مهما كانت الحقائقُ، سيتعين علينا التعامل مع التصورات المحتملة للإيرانيين والباكستانيين، وكذلك الصحافة الأمريكية والجمهور، بأن النظام الجديد ليس أكثر من وكيل سوفياتي. ستعشر باكستان بالقلق وسيزداد إحساسها الحاد بانعدام الأمن إذَا اعتقدت أنها محاطة فعلياً بأنظمة ذات ميول سوفيتية في الهند وأفغانستان. وسيرى الشاه هذا تأكيداً لـ “سيناريو الحالة الأسوأ” محاصرة الشيوعيين لإيران. وقدمت الصحافة الأمريكية والجمهور الوضع على أنه “القرن الإفريقي” الجديد. ومن الجدير بالذكر أن أحداثَ كابول سوف تجتذب أكثر من اهتمام عادي في العالم الثالث.
تتمثلُ إحدى المهام العاجلة في مشاركة معلوماتنا وتقييماتنا مع الباكستانيين والإيرانيين ومحاولة رجع أي تحَرّكات متسرعة من جانبهم. التقييمات الأولية لسفاراتنا هي أنه لن يتحَرّك أيٌّ منهما في ظل الظروف الحالية. مثل هذه التحَرّكات قد تؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل في المنطقة. كما سنراقب عن كثب الحدود الأفغانية/السوفيتية بحثاً عن علامات على تحَرّكات القوات السوفيتية.
في الأيّام القليلة سيتعين علينا اتِّخاذُ قرارات بشأن الأمور التالية:
الاعترافُ الدبلوماسي:
عادة ما نعترفُ بالأنظمة الجديدة إذَا كانت تسيطرُ على آلية الحكومة، وَإذَا وافقت على احترام الالتزامات الدولية التي تعهد بها النظام السابق. لا يزال من السابق لأوانه معرفة ما إذَا كانت الحكومة الجديدة في السيطرة الكاملة أم لا. إذَا كانت هناك تصورات عامة بأن النظام الجديد شيوعي، فقد تكون هناك ضغوط سياسية لحجب الاعتراف به. قد يمد السوفييت الاعتراف قريباً جِـدًّا.
سلامة الأمريكيين: هناك حوالي 1000 أمريكي في كابول. ولم ترد أنباء عن سقوط ضحايا أمريكيين ولم يتم تهديد الجالية الأجنبية في كابول. إذَا استؤنف القتال العنيف، فسيتعين علينا التفكير فيما إذَا كنا سنحاول الإخلاء أم لا.
الزاوية السوفيتية:
كانت هناك بالفعل تقارير صحيفة تكهنية تصف هذا بأنه “انقلاب شيوعي” كما ذكرنا أعلاه. ليس علينا أي دليل على تورط سوفيتي، على الرغم من أن القيادة الجديدة قد تشمل اليساريين. ومع ذلك، قد ينظر الجمهور والكونغرس إلى هذا على أنه نصرٌ سوفيتي آخر وقد تكون هناك ضغوطٌ لفعل شيء حيال ذلك.
برقية من السفارة في أفغانستان إلى وزارتي الخارجية والدفاع ووكالة الأمن القومي وقيادة الولايات المتحدة في المحيط الهادئ (كابول 30 إبريل 1978م).
في 30 نيسان/إبريل، أعلنت إذاعةُ أفغانستان الساعة 17:00 بالتوقيت المحلي عن تعيين زعيم حزب خلق الشيوعي الموالي للسوفيات نور محمـد تراقي رئيساً لمجلس جمهورية أفغانستان الديمقراطي ورئيساً للوزراء (تم نقل نفس المعلومات رسميًّا إلى السفارة في 1825 في إشعار دائري، سلمه عضو في إدارة المراسم بوزارة الخارجية). عندما يصبح أكبر شيوعي أفغاني رئيساً للدولة ورئيساً للحكومة، فَـإنَّ الطابع السياسي لقيادة الانقلاب أصبح الآن واضحًا للجميع.
فوجئ العديدُ من المراقبين الأفغان والأجانب في كابول بأن الشيوعيين استولوا على السلطة الكاملة بشكل علني، وتخلَّصوا في وقت مبكر جِـدًّا من اللعبة من حجابهم الأولي المتمثل في “القومية الإسلامية”. ومع ذلك، قد يمثل هذا سوء تقدير خطير من جانبهم. يبدو أن الغالبيةَ التقليدية المتدينة في هذا المجتمع على استعداد لقبول قيادة ما هو، نسبياً، نخبة شيوعية صغيرة. يمكن أن يشمل ردة الفعل هذا أَيْـضاً عناصر القوات المسلحة المتمردة الذين اعتقدوا أنهم يقاتلون؛ مِن أجلِ أهداف قومية وتقدمية أوسع. بالإضافة إلى إن التداعيات الأمنية الإقليمية ستكون بلا شك واضحة للحكومتين الإيرانية والباكستانية. بالإشارة إلى الأخير، نلاحظ أن التعاوُنَ الطويلَ بين القادة الشيوعيين الأفغان والقوميين البشتونستان يبدو أنه مستمر في حقبة الانقلاب. لا يزال علم بوشتونستان الأحمر والأسود والأبيض يرفرف حتى اليوم فوقَ ميدان بشتونستان في وسط كابول. خلال الأيّام القادمة سنكون قادرين على تقديم تحليل أكثر شمولاً لهذه الأحداث بينما نرى النظام الشيوعي الجديد قد تأسس.
ورقةٌ تحليلية معدة في مكتب الاستخبارات والبحث (واشنطن، 2 مايو 1978م)
لا يوجدُ دليل قاطع على أن السوفييت كان لديهم علمٌ مسبقٌ بالانقلاب، لكن يبدو أنهم كانوا على اتصال بقادة الانقلاب بعد فترة وجيزة من بدء الانقلاب. لاحظ مسؤول أمريكي في كابول اجتماعاً بين ضباط في السفارة السوفيتية وزعيم انقلاب خارج السفارة السوفيتية ليلة الخميس الماضي، وبحسب ما ورد كان السوفييت يبحثون عن الأفغان المؤثرين يوم الجمعة الماضي بشأن استصواب تعيين تراقي رئيساً للوزراء. ولم تؤكّـد موسكو بعد روايةَ إذاعة كابول عن لقاء الأحد، بين تراقي السفير السوفياتي الذي ورد فيه الاعتراف السوفييتي بالحكومة الجديدة. ومع ذلك فَـإنَّ إعادة تاس في الأول من مايو لبيان “جمهورية أفغانستان الديمقراطية” في عيد العمال يعني بالتأكيد الاعتراف السوفييتي.
مذكرةٌ للتسجيل من قبل توماس ثورنتون من موظفي مجلس الأمن القومي (واشنطن 3 مايو 1978م)
لم يكن هناك حماسٌ كبيرٌ للعمل السري، لا سِـيَّـما من جانب وكالة المخابرات المركزية التي شعرت أنه سيكون بلا جدوى. كان تقدير “بلي” غير الرسمي هو أن أكبرَ فترة ضعف ستأتي في غضون 6 إلى 12 شهراً؛ بسَببِ تدهور الأوضاع الاقتصادية. لقد ناقشنا هذا الأمر بإسهاب وخلافاً لإرادته، فقد طلبت منه إعداد ورقة تبحث في إمْكَانية القيام بأعمال سرية على المدى القصير.
كان هناك اجتماع عام على أن هذا النظام سيكون خبراً سيئاً بالنسبة لنا، ولكن لا ينبغي لنا أن نأخذَ زمامَ المبادرة في قطع العلاقات. قرّرنا أنه لا ينبغي سحبُ الموظفين من كابول وفقاً لجدول زمني سريع كما اقترحه السفير. الاستثناء الوحيد كان رئيسَ المركز الذي اعتبرت حياته في خطر. كان الإجماع العام هو أن الحكومة الجديدة يحب أن تتخذ أولَ إجراء علني. ستتغير توصياتُنا في هذا الصدد بالطبع إذَا توصلنا إلى استنتاج مفادُه أنه يمكن وينبغي اتِّخاذ إجراءات فعالة على المدى القصير ضد النظام. كما قرّرنا مقاومةَ فيلق السلام الذين طلبوا على ما يبدو الإذن الآن لزيادة وجودِهم في أفغانستان؛ نتيجةً للوضع الجديد.
تم توزيع المهام التالية:
ورقةٌ عن الاعتراف التي يمكن إرسالها إذَا لزم الأمرُ إلى الرئيس. إذَا كان الإيرانيون مستعدين للتحَرُّك بسرعة نحو الاعتراف، فلن تكون هذه الورقة ضرورية وسنتمشى معهم.
يجبُ على الدولة التأكّـدُ من أن جميع الوكالات المعنية لديها التوجيهات الحالية بشأن موقفنا من النظام الجديد.
على الدولة أن تجري اتصالاتٍ دبلوماسيةً أكثر نشاطاً، ولا سيما مع جمهورية ألمانيا الاتّحادية والصين.
ستعد وكالة المخابرات المركزية ورقةً حول آفاق العلاقات الأفغانية السوفيتية.
ستعد وكالةُ المخابرات المركزية ورقةً تبحث في آفاق العمل السري الناجح وفائدة الدعاية السوداء.
ستضمنُ وزارةُ الدفاع إجراءَ بعض اتصالات مع المتدربين العسكريين الأفغان في الولايات المتحدة لن نشجعَهم عل الانشقاق، ولكننا بحاجة إلى إظهار بعضِ الاهتمام برفاههم في بعض الحالات. ربما لا يَكون قادتُهم على علم بالمشكلة.
سيقوم مجتمعُ الاستخبارات بمراجعة قائمة أهدافه الاستخباراتية ذات الأولوية في أفغانستان. وسيولى اهتماماً خاصاً للمعلومات المتعلقة بالتخطيط لانقلابٍ محتملٍ في الجيش.
ستعدُّ وكالةُ المخابرات المركزية قائمةً بالمؤشرات التي يجبُ أن نبحَثَ عنها لتحديد توجّـه النظام (على سبيل المثال دعوة الألمان الشرقيين لإدارة العمليات الأمنية).
المصدر: وثائق وزارة الخارجية الأمريكية
صحيفة المسيرة: ترجمة مركز الاتّحاد للأبحاث والتطوير
رقم: 491377