لا نقصد من التقريب الوحدة الحقيقية بين المذاهب، فلا نتصور إمكانية أن يتخلى مذهب عن معتقداته الخاصة وينضوي تحت لواء مذهب آخر، فان ذلك من المحالات وان أمكن التوحيد الفكري في بعض المسائل، ولكن الهدف من التقريب هو تنبيه المذاهب بالمشتركات الكثيرة في العقائد والفقه والأخلاق، وهي مشتركات يمكن أن تشكل حلقة اتصال وثيقة بين المسلمين.
لا نقصد من التقريب الوحدة الحقيقية بين المذاهب، فلا نتصور إمكانية أن يتخلى مذهب عن معتقداته الخاصة وينضوي تحت لواء مذهب آخر، فان ذلك من المحالات وان أمكن التوحيد الفكري في بعض المسائل، ولكن الهدف من التقريب هو تنبيه المذاهب بالمشتركات الكثيرة في العقائد والفقه والأخلاق، وهي مشتركات يمكن أن تشكل حلقة اتصال وثيقة بين المسلمين.
ولكن تبقى الوحدة الإسلامية أطروحة تعبر عن هدف أيديولوجي مقدس، وعلى الرغم من أنها أطروحة شاملة ذات أبعاد متعددة، إلا أن الملابسات التاريخية والاجتماعية الخاصة أضفت عليها نوعاً من التحديد فصارت عبارة يفهم منها البعد المذهبي والعلاقات المذهبية .
ويعني هذا المصطلح تقريب شقة الخلاف بين المسلمين، والحد من تأثير العوامل المفرقة التي كان من أهمها وأقواها جهل بعض المذاهب بأسس وركائز البعض الآخر مما ترك المجال مفتوحاً أمام تسرب الدعوات المغرضة في تشويه مفاهيم بعضهم والتقول عليهم بما لا يؤمنون به.
لقد كان الشهيد اية الله الحكيم من ابرز الشخصيات التي تبنت هذا المشروع الكبير وطرح آلياته وبين الأسس التي تقوم عليها عملية التقريب بين المسلمين ، لابد من الاهتمام بالبحث عن الحقائق لكل مذهب من المذاهب الإسلامية، فكل مذهب له متبنيات خاصة، سواء في الجانب العقائدي أو الفقهي أو في حقل تفسير التاريخ وفهم التاريخ، ولكن حقائق كل مذهب قد اختلطت مع الأسف باتهامات ونسب باطلة.
-الأخذ بمتبنيات وآراء كل مذهب من لسان أصحابه وآرائهم ومن الآراء الصحيحة والمعروفة لدى ذلك المذهب، وهذا أساس هام من أسس التقريب لفرز الصحيح عن المفتعل والمفترى أو المشتبه أو الشاذ في كل مذهب.
- هو التمييز بين الرأي السائد والرأي الشاذ داخل كل مذهب، فآراء رجال المذاهب بعضها يمثل الرأي العام السائد، وبعضها شاذ يختلف عن متبنيات علماء المذاهب السائدة، والباحث الذي يسند رأيا إلى مذهب معين لابد أن يأخذ بنظر الاعتبار الرأي السائد فيه ولا يتثبت بالآراء الشاذة.
و يمكن أن ينقل هذه الآراء الشاذة وينسبها إلى أفرادها لا إلى المذهب بشكل عام.
قضية احترام الرأي الآخر، وهي مسألة أخلاقية وسلوكية ولابد أن تسود الحالة العلمية في المواقف والحوار بين العلماء، نعم الإختلاف طبيعي والدفاع عن الرأي والاستدلال على صحته حق لكل عالم، وردّ الرأي الآخر باستدلال علمي – أيضاً – حق لكل باحث عن الحقيقة.
ولكن يكون الرد تارةً بروح الاتهام والتحامل والهجوم، وتارةً أخرى يكون بروح احترام الطرف الآخر وأفكاره.
وعليه، يجب أن يكون تبادل الأفكار والآراء والمناقشات بين علماء المذاهب كما هو الحال بين علماء العلوم التجريبية والفكرية والثقافية الأخرى، أو بين المختلفين في المذهب الواحد، حيث يكون ردّ العالم على العالم الآخر يحمل روح الاحترام للرأي الآخر باعتبار أنه يرد على جهة علمية بذلت جهوداً حتى توصلت إلى هذا الرأي، وبنفس هذا الأسلوب من الاحترام المتبادل يجب أن يسير الحوار بين علماء المذاهب إذا شاءوا التقريب بينهم.
- و لابد – في هذا المجال – من الاتفاق على مرجع التحكيم بين هذه الآراء والمذاهب، والمسلمون متفقون نظرياً على هذا المرجع، ولكنهم لا يلتزمون بهذا الجانب النظري (بعضهم على الأقل) وهذا المرجع هو الكتاب الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهم متفقون جميعاً على القرآن ويعتبرونه وحياً نازلاً على الرسول الكريم بنصه دون زيادة أو نقيصة، ولا قيمة طبعاً لما ينسب إلى الشيعة من القول بتحريف القرآن فهي نسبة باطلة وغير صحيحة، وهكذا بالنسبة للسنة النبوية، كل المسلمين يعتقدون بحجية ما جاء عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
- إن ما يمكن أن يشكل أساساً من أسس التقريب هو الاهتمام بإبراز النقاط المشتركة بين المذاهب الإسلامية، صحيح أن هناك اختلافاً بين المذاهب الإسلامية في مختلف المجالات، ولكن الاشتراك بينها هو أكثر وأهم مما بينها من اختلاف، وكما هو معلوم فان نقاط الاتفاق بين مذاهب المسلمين مهمة جداً، تعبر عن وحدة الأمة الإسلامية وعن هويتها وشخصيتها، فهم يعتقدون بالأمة الواحدة وبالرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والكتاب الواحد ويودون أهل البيت، كما أنهم يحجون جميعاً حجاً واحداً ويقفون على صعيد مشاعر واحدة، وهذه نعمة كبيرة من نعم الله على الأمة الإسلامية، وهكذا الصلوات الخمسة قد اتفق عليها المسلمون في شكلها ومواقيتها وصوم شهر رمضان والزكاة والخمس والجهاد وغيرها الكثير من المسائل الرئيسة المتفق عليها بين المسلمين وإن كانوا يختلفون في بعض تفاصيلها.
- إن الاختلاف في الأفكار والآراء يجب أن لا ينعكس على موقف المسلمين من القضايا الإسلامية العالمية، فالاختلاف الفكري بين علماء أمة كبيرة لها تأريخ طويل وعلماء كثيرون طبيعي جداً، كما أن الاختلاف الفكري سنة من سنن الله تعالى ينتج الحركة والتلاحم والنمو والثراء، لكن موقف المسلمين من القضايا الكبرى يجب أن يكون موحداً لأن الاختلاف هنا يعني ضعف الأمة وتمزيقها وهيمنة أعدائها عليها.
- أن تكون هناك أوليات في الحركة الاجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية وسائر المجالات الأخرى، ولابد من أجل التقريب بين المسلمين من وضع القضايا المهمة في رأس قائمة الاهتمامات والمناقشات، وسيكون ذلك عاملاً على التقريب بل على الوحدة، لان القضايا كلما كبرت فان الاتفاق بشأنها يكبر – أيضاً – وكلما دخلنا في التفاصيل والجزئيات أكثر اتجهنا إلى الهامش والى الاختلاف .
وهكذا نجد الشهيداية الله الحكيم قائداً داعياً لوحدة الجماعة حين يقول: «من الضروري جداً لنا أن نتحد في هذه المرحلة، ربما نختلف في الرأي والتحليل، ولكن المهم أن لا يؤدي هذا التنازع والتصارع مع بعضنا البعض ليضعف بعضنا بعضاً».
ويضرب لذلك مثالاً فيقول: «أن المنهج الوهابي في الوحدة بين المسلمين لا يقبل لأحد أن يصلي خلاف ما يرونه في طريقة الصلاة التي يتبعها، وإنما يجب أن يتكتف الجميع ويقرؤون قراءة واحدة، أما أن نجتمع ونصلي وفينا من يسبل فهذا غير مقبول في دعوتهم للوحدة».
فالوحدة الإسلامية في مفهوم السيد الشهيد اية الله الحكيم (رض) ليست مجرد شعار يطرحه المسلمون لتحقق غاية نبيلة، وخلاص من الأضرار المترتبة على الاختلاف، وإنما تمثل الوحدة من خلال هذه الرؤية هدفا إسلاميا وإنسانياً يرتبط بمجمل الأهداف الأساسية للدين وللرسالة الإسلامية؛ لأن هذه الوحدة لا يمكن أن تتحقق من دون هذه الأسباب والعوامل والأسس والمناهج، فهي تعبير عن المجتمع الإنساني الفاضل الذي دعا إليه الإسلام، وعمل من أجله الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وجميع السلف الصالح من المسلمين.
يرى السيد شهيد اية الله الحكيم (قدس سره) أن وحدة المجتمع الإسلامي لا يمكن الحفاظ عليها إلاّ ببنية المجتمع الإسلامي، ونمو الروابط الاجتماعية القوية بين المسلمين، كعلاقات الحب، والود، والاحترام المتبادل، مع بقية المسلمين بالشكل الذي يحفظ وحدة المجتمع الإسلامي، ويحقق الوحدة والتلاحم بين أبناء الأمة الإسلامية.
وهذا مستخلص عند الشهيد الحكيم (رض) من الروايات التي وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) التي تؤكد على أتباعهم الاهتمام بهذا الجانب في عموم حركتهم السياسية والاجتماعية، وقد حددها في الأمور الآتية:
" إن الجماعة الصالحة يجب عليها أن تتعايش وتندمج مع بقية أجزاء الأمة الإسلامية في وحدة عامة متكاملة."
" قضية الالتزام بآداب العشرة والعلاقات الاجتماعية الإسلامية العامة التي سعى الإسلام من خلالها إلى ترسيخ دعائم المجتمع وتقوية الأواصر بين أطرافه."
" الالتزام بالعهود والمواثيق والعقود التجارية تجاه بقية أطراف المجتمع، حيث تكوّن هذه الالتزامات القاعدة الأخلاقية والقانونية القوية التي ترتكز عليها هذه العلاقات، وتضع لها قوادها وضوابطها."
" الالتزام بالسلوك العالي الفردي والاجتماعي بين الناس، بحيث يكون قدوة لهؤلاء الناس، ويكون له أثر التأثير عليهم في الهداية والانسجام".
لما كانت الوحدة في مفهوم الشهيد اية الله الحكيم كيانا قائما له شخصيته الاعتبارية، فهي مستهدفة أستهدافا واسعا وكبيرا من أعداء الإسلام الذين يحاولون ضعضعتها، سواء وحدة الشعب العراقي، فيطرحون الصراع بين الشيعة والسنة، وكأنهم ليسوا إخوة في الإسلام وفي العراق وفي الهموم والقضايا المشتركة، أم وحدة أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فيحاولون إيجاد الصراع بينهم؛ لأنهم وجدوا فيهم الصبر والصمود والإستقامة والاستعداد للتضحية والفداء والالتزام بالقيم والمبادئ…
ولاسيما بعد أن برزت ـ بعد طول الآلام والمحن ـ في صف واحد متماسك في مسيرة كربلاء، وهم يهتفون هتافا واحدا للحسين، وللإصلاح، والنهي عن المنكر، ومقاومة الذل والأستبداد، مما جعل الأعداء ينصبون العداء أكثر فأكثر لهؤلاء .
و في ختام التقرير يؤكد سماحة اية الله الشهيد السيد محمد باقر الحكيم (رحمه الله) : إن الحق يعلو لا محالة، وأن الباطل زاهق لا محالة. وقضية تقريب المذاهب ووحدة المسلمين هي قضية حقة، ولابد أن تنتصر في حركة السنن التاريخية والكونية التي تحكم حركة الانسان وحركة المجتمع الانساني. إنها مسألة غيبية نؤمن بها، وركز عليها القرآن في مواضع كثيرة منها قوله سبحانه: قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، ومنها قوله سبحانه: فأما الزبد فيذه جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
"و السلام عليك يوم ولدت و استشدت و يوم تبعث حيا" .
اعداد وتدوين
علي اكبر بامشاد