قالت وثیقة بریطانیة سریة حدیثة العهد: إن السیناتور الجمهوری الأمیرکی "جون ماکین"، کبیر الأعضاء الجمهوریین فی لجنة القوات المسلحة بالکونغرس الأمیرکی والمرشح الرئاسی السابق، اتصل بمعارضین سوریین مقیمین فی الولایات المتحدة وأوربا والأردن وترکیا ومصر لبحث إمکانیة إنشاء "حکومة ظل" تأخذ على عاتقها تأسیس "بؤرة مسلحة" فی المنطقة الشرقیة من سوریة، وبشکل خاص محافظة دیر الزور، تکون بمثابة رأس جسر على غرار مدینة بنغازی اللیبیة من أجل استدراج تدخل دولی فی سوریة.
وأفادت الوثیقة إن الاتصالات جرت عبر مندوبین من مکتب جون ماکین، ولیس من قبله مباشرة، وشملت معارضین من أطیاف سیاسیة سوریة مختلفة معظمها منضو فی ائتلاف "إعلان دمشق"، لکنها تتقاسم فکرة ضرورة التدخل الخارجی لإسقاط النظام السوری عبر تصعید الأوضاع فی سوریة، واللجوء إلى السلاح إذا اقتضى الأمر، من أجل استدراج تدخل خارجی على الطریقة اللیبیة.
وحسب للوثیقة الواقعة فی تسع صفحات ، فإن الاتصالات شملت أعضاء فی "حرکة العدالة والبناء" التی تمولها وکالة المخابرات المرکزیة الأمیرکیة وتتخذ من لندن مقرا لها ، والمعارض السوری الذی یحمل الجنسیة الأمیرکیة فرید الغادری، الذی زار إسرائیل علنا ویقیم علاقات وثیقة بجهاز الموساد الإسرائیلی من خلال ضابط الموساد الاحتیاط " نیر بومس " والدکتور "وائل الحافظ " رئیس الحرکة الشعبیة من أجل التغییر ، الذی تصفه الوثیقة بأنه "طبیب سوری من مدینة دیر الزور السوریة (على الحدود العراقیة) وأحد أبرز أعضاء محطة المخابرات العراقیة فی فرنسا حتى سقوط نظام صدام حسین".
وقالت الوثیقة، وهی عبارة عن تقریر خاص یحمل تاریخ السادس من الشهر الجاری، إن ممثلین للسیناتور ماکین، مرتبطین بالاستخبارات العسکریة الأمیرکیة ، التقوا معارضین سوریین فی واشنطن ولندن وباریس وعمّان واستانبول وجدّة على مدار الشهر الماضی بصفة" باحثین"، حیث ترکزت لقاءاتهم على استطلاع آراء هذه الشخصیات والقوى السیاسیة التی یمثلونها بشأن تکوین "مجلس وطنی انتقالی سوری"على غرار "المجلس الوطنی الانتقالی اللیبی" الذی وقف جون مکین وراء إنشائه فی بنغازی، یکون بمثابة "حکومة ظل" لإدارة الشؤون السوریة فی مرحلة انتقالیة تعقب سقوط نظام الرئیس السوری بشار الأسد.وطبقا لما أورده التقریر، فإن الاتصالات التی أجراها مندوبو ماکین أسفرت عن الاتفاق على برنامج تحرک عاجل یتضمن النقاط التالیة :
ـ تکلیف "حرکة العدالة والبناء" وأعضاء محددین آخرین فی "إعلان دمشق" فی الخارج والداخل بتنسیق الاتصالات من أجل ذلک، على أن یتولى أسامة المنجد ورضوان زیادة " سکرتاریة" هذه الاتصالات.
ویصف التقریر هذین الشخصین بأنهما "على علاقة وثیقة بموظفین فی البنتاغون والدوائر الإسرائیلیة المقربة منه ، وبأحد أعضاء البرلمان (مجلس الشعب) السوری السابقین الذی کان مسؤولا عن إرسال زیادة إلى واشنطن قبل بضع سنوات لتأمین اتصال دائم مع الدوائر الأمیرکیة بعیدا عن أعین المخابرات السوریة.
ـ إعداد "رسالة استشاریة " وتوزیعها على أکبر عدد ممکن من السوریین تطلب منهم ترشیح من یرونه مناسبا لعضویة " المجلس الانتقالی" بهدف إظهار الأمر کما لو أنه مبادرة وطنیة ذاتیة.
ـ الإعلان عن "مجلس وطنی انتقالی" فی المنفى یکون له امتداد سری داخل سوریة.ـ إنشاء بؤرة مسلحة شرقی سوریة، وبشکل خاص فی محافظة دیر الزور ، اعتمادا على العشائر التی لها امتداد فی العراق ، وبشکل خاص عشیرة "البقارة" التی ینتمی لها النائب السابق وعضو قیادة " إعلان دمشق" نواف البشیر، وعشیرة "الجبور" التی یصفها التقریر بأنها إحدى أکبر العشائر المتوزعة فی شرق سوریة وغرب العراق.ویشیر التقریر بهذا الخصوص إلى أن وضع الحدود العراقیة ـ السوریة مناسب الآن بالنظر لانشغال الجیش والأجهزة الأمنیة السوریة بضبط الوضع الداخلی وقمع المظاهرات.
کما ویشیر إلى أن الولایات المتحدة" معنیة بحرکة من هذا القبیل داخل سوریة قبل دخول انسحابها من العراق تاریخ استحقاقه نهایة هذا العام وفقا للاتفاقیة الأمنیة المبرمة مع الحکومة العراقیة".ویقدّر التقریر ـ استنادا إلى ما جرى فی تلک الاتصالات ـ حاجة "البؤرة" إلى حوالی ألف مسلح تکون کافیة فی المرحلة الأولى لإخراج أی تواجد أمنی رسمی من المدینة وضواحیها.
ـ تزوید "البؤرة" بالسلاح عبر الوحدات العسکریة الأمیرکیة المرابطة فی قاعدة "عین الأسد" غربی العراق ، والتی یعتقد أن وحدة کوماندوز أمیرکیة وإسرائیلیة خاصة انطلقت منها فی العام ۲۰۰۷ لجمع معلومات عن "مفاعل دیر الزور" بمساعدة سکان محلیین قبل قصفه فی أیلول من العام نفسه.
ـ الإعلان عن" تحریر" مدینة دیر الزور من التواجد الأمنی للسلطة السوریة المرکزیة ، الأمر سیستدرج تدخلا عسکریا قویا وعنیفا من قبل الجیش السوری أو الحرس الجمهوری، وعندها یطلب "المجلس الوطنی الانتقالی" الحمایة الدولیة ، بینما تطلب قبائل وعشائر المنطقة مساعدة من إخوانها من العشائر نفسها فی العراق.
ویقول التقریر" إن نجاح جون ماکین فی بنغازی اللیبیة ، التی زارها الشهر الماضی، جعله مأخوذا إلى حد الهوس بإمکانیة تکرار التجربة فی سوریة، رغم اختلاف الظروف وأرجحیة استحالة تطبیقها على الواقع السوری".
إلا أنها ـ حتى فی حالة فشلها ـ ستوفر للتواجد الأمیرکی فی المنطقة "وضعا جدیدا من شأنه خلط الأوراق و توفیر مناخ أکثر مواتاة لاستمرار تواجد القوات الأمیرکیة فی العراق ، وإعطاء واشنطن أوراق ضغط على النظام السوری لیست موجودة بحوزته حتى الآن".إلا أن ما یلفت الانتباه فی التقریر هو إشارته لمشارکة أکادیمیین غیر سوریین فی مناقشة فکرة "البؤرة المسلحة" ، وبشکل خاص الدکتور ولید فارس ، مستشار الکونغرس الأمیرکی لشؤون الإرهاب ، وضابط الارتباط السابق بین "حزب الکتائب" اللبنانی وإسرائیل مطلع الثمانینیات الماضیة.
وکان " فارس " هرب من لبنان العام الماضی بعد أن أبلغ بأن مخابرات الجیش اللبنانی على وشک اعتقاله فی سیاق تفکیک " شبکات التجسس الإسرائیلیة".
ویعزو التقریر فکرة"البؤرة المسلحة" إلى فارس نفسه ، لکنه یرجح أن یکون جوشوا مورافشیک الأمیرکی ـ الإسرائیلی وأحد أبرز مثقفی المحافظین الجدد ، أول من اقترح الفکرة وروجها فی أوساط المعارضین السوریین الذین یعیشون الولایات المتحدة ویرتبطون بأجهزة الاستخبارات الأمیرکیة والإسرائیلیة مثل رضوان زیادة وعمار عبد الحمید وفرید الغادری.
ویعتبر التقریر "مورافشیک" وزیر مالیة "الظل" للمعارضة السوریة ، والقناة الأساسیة التی تمر منها مساعدات الاستخبارات الأمیرکیة لـ"إعلان دمشق" خارج سوریة وداخلها بواسطة أسامة المنجد و رضوان زیادة.
یشار أخیرا إلى أن السیناتور جون ماکین ، وفق ما نقلت عنه صحیفة " النهار" اللبنانیة ، کان أعلن مؤخرا عن أسفه لعدم وجود "بؤرة عسکریة" فی سوریة تتیح للولایات المتحدة التدخل فی سوریة کما فعلت فی لیبیا.