اشتهر الإمام الحسن (ع)بالكرم و بالحلم حتى لقب بـ(حليم أهل البيت) لكثرة حلمه، وعدم انفعاله، وقدرته العجيبة على ضبط النفس ضد مهيجات الغضب.وقد غير الإمام الحسن (ع) الحلم من صفة فردية أخلاقية حميدة إلى منهج اجتماعي عام، لتعزيز روح التسامح الاجتماعي، والقضاء على مولدات اللاتسامح والتشنج والانفعال التي تحدث بسبب اختلاف المصالح، وتضارب الآراء، وتنازع النفوذ، وتضارب المواقف.
تعتبر صفة الكرم و السخاء من أبرز الصفات التي تميَّز بها الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، فكان المال عنده غاية يسعى من خلالها إلى كسوة عريان ، أو إغاثة ملهوف ، أو وفاء دين غريم ، أو إشباع جوع جائع .....
هذا وعرف الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) بكريم أهل البيت ، فهو الذي قاسم الله أمواله ثلاث مرّات ، نصف يدفعه في سبيل الله و نصف يبقيه له ، بل وصل إلى أبعد من ذلك ، فقد أخرج ماله كلّه مرتين في سبيل الله ولا يبقي لنفسه شيء ، فهو كجدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعطي عطاء من لا يخاف الفقر ، وهو سليل الأسرة التي قال فيها ربّنا و تعالى : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ، ( الحشر : 9 ) .
وآية أخرى تحكي لسان حالهم :( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وأسيرا إنما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا ) ، ( الإنسان : 8 ـ 9 ) .
فهذا هو الأصل الكريم لإمامنا الحسن ( عليه السلام ) الزكي من الشجرة الطيّبة التي تؤتي أُكلها كل حين ، فمن كريم طبعه ( عليه السلام ) أنّه لا ينتظر السائل حتّى يسأله ، و يرى ذل المسألة في وجهه ، بل يبادر إليه قبل المسألة فيعطيه .
قال الامام الحسن (عليه السلام): (اني استحيي من ربي أن ألقاه ولم أمشِ إلى بيته)، وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: (لقد حجّ الحسن بن علي خمساً وعشرين حجة ماشياً وإن النجائب لتقاد معه).
وقد قَاسمَ الامام الحسن (عليه السلام) الله تعالى ماله ثلاث مرات.
وقدم رجل المدينة وكان يبغض علياً فقطع به فلم يكن له زاد ولا راحلة، فشكى ذلك الى بعض أهل المدينة فقال له: عليك بحسن بن علي، فقال له الرجل: ما لقيت هذا إلا في حسن وأبي حسن، فقيل له: فأنّك لا تجد خيراً إلا منه فأتاه فشكى اليه فأمر له بزادٍ وراحلة، فقال الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالاته).
فهذا هو ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستحيي من ربّه ان لم يمشِ حافياً إلى بيته الحرام، ولا يضمر في قلبه غلاً حتى لخصومه وخصوم أبيه علي (عليه السلام) بل يفضل عليهم ويجود.
وما أوردناه جزء يسير جداً من سيرته الفاضلة وكرم اخلاقه وفضله (سلام الله عليه).
ولد الامام الحسن عليه السلام في الخامس عشر من شهر رمضان في السنة الثالثة للهجرة على رواية الشيخ المفيد طاب ثراه.
هذا الامام العظيم المظلوم عاش في كنف النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وورث صفاته الخَلقية والخُلقية، وجميع الإمكانيات الروحية وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلقا وخُلقا ومنطقا وسؤدداً وهدياً.
روى أنس بن مالك: (لم يكن احد أشبه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحسن بن علي عليه السلام)
نشأ في ظل الاسرة النبوية، وتغذى بطباعها وأخلاقها.
وقال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله): (انه ريحانتي من الدنيا، اللهم اني أحبُه وأحبَّ من يحبه).
وعن أبي سعيد الخدري ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: آية التطهير (انّما يريدُ الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) نزلتْ فيَّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمة).
وعن ابن بريده الأسلمي عن أبيه (الصحابي الكبير) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة).
ومرة أطال النبي (صلى الله عليه وآله) السجود لما وثب ابنه الحسن (عليه السلام) على ظهره فقال (صلى الله عليه وآله) للمسلمين بعد الصلاة حين سألوه عن سبب إطالته السجود: (أن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجّله حتى يقضي حاجته).
فالرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) لم ينطلق في هذا الموضوع عاطفياً وانما ركّز على انّه ولده وانّه يحبّه الى هذه الدرجة، فهل فقه الناس سرّ ذلك لا سيما بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
ومرة حمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبطيه على ظهره ويقول لهما: (نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُقعد الحسن والحسين (عليهما السلام) على فخذه ويقول: (اللهم ارحمهما) ويخاطب أهل بيته ويقول (صلى الله عليه وآله): (أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم).
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (انا وعلي وفاطمة والحسن والحسين يوم القيامة في مكان واحد).
وفي فضل الحسن (عليه السلام) قال (صلى الله عليه وآله): (ألا انّ الحسن بن علي قد أعطي من الفضل ما لم يُعطَ أحد من ولد آدم).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أما حسن فله هيبتي وسؤددي وأما حسين فله جرأتي وجودي).
وقال (صلى الله عليه وآله) للحسن (عليه السلام): (ان ابني هذا سيد وإن الله تعالى سيصلح على يديه بين فئتين من المسلمين عظيمتين).
مضامين عالية من كلامه الشريف
عرض الامام الحسن (عليه السلام) أموراً كثيراً في العقيدة والسلوك والمثل العليا لا سيما في مجال تربية النفس والمجتمع ونحاول هنا ان نقتطف مختارات من كلامه الشريف لا سيما في مكارم الاخلاق ومساوئها:
التقوى: (وجعل التقوى منتهى رضاه، والتقوى باب كل توبة، ورأس كل حكمة، وشرف كل عمل).
طلب الرزق: (لا تجاهد الطلب جهاد الغالب، ولا تتكل على القدر اتكال المستسلم، فأن ابتغاء الفضل من السنة والاجمال في الطلب من العفة، وليست العفة بدافعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً، فان الرزق مقسوم واستعمال الحرص استعمال المآثم).
التزام المساجد: (من أدام الاختلاف الى المسجد أصاب ثمان خصال: آية محكمة، وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمة منتظرة، وكلمة تدلّ على هدى، أو تردعه عن ردىً، وترك الذنوب حياءً أو خشية).
محددات السياسة في رؤيته (عليه السلام): (هي أن ترعى حقوق الله وحقوق الأحياء وحقوق الاموات).
مكارم الاخلاق:
وقد ورد ذلك في إجاباته على أسئلة أبيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) منها:
السداد : دفع المنكر بالمعروف.
الشرف : اصطناع العشيرة وحمل الجريرة ( موافقة الإخوان).
المروءة : العفاف وإصلاح المرء ماله ( إصلاح الرجل أمر دينه، وحسن قيامه على ماله، وإفشاء السلام والتحبّب إلى الناس).
السماحة : البذل في العسر واليسر .
الإخاء : الوفاء في الشدّة والرخاء .
الغنيمة : الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا.
الحلم : كظم الغيظ وملك النفس .
الغنى : رضى النفس بما قسم الله وإن قلّ، فإنّما الغنى غنى النفس.
المنعة : شدّة البأس ومقارعة أشد الناس .
الصمت : ستر العيب وزين العرض، وفاعله في راحة، وجليسه آمن.
المجد : أن تعطي في الغرم، وأن تعفو عن الجرم .
العقل : حفظ القلب كلّ ما استرعيته (استوعيته) أو حفظ القلب لكلّ ما استتر فيه.
الثناء : إتيان الجميل وترك القبيح .
الحزم : طول الأناة والرفق بالولاة والاحتراس من الناس بسوء الناس.
الكرم : العطيّة قبل السؤال والتبرع بالمعروف والإطعام في المحلّ.
النجدة : الذبّ عن الجار والمحاماة في الكريهة والصبر عند الشدائد .
مساويء الاخلاق:
الدنيئة : النظر في اليسير ومنع الحقير .
اللؤم : احتراز المرء نفسه (ماله) وبذله عرسه (عرضه).
الشحّ : أن ترى ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً .
الجبن : الجرأة على الصديق والنكول عن العدوّ .
الفقر : شره النفس في كلّ شيء .
الجرأة : موافقة الأقران .
الكلفة : كلامك فيما لا يعنيك .
الخُرْق : معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك .
السفه : اتباع الدناة ومصاحبة الغواة .
الغفلة : تركك المسجد وطاعتك المُفسِد .
الحرمان : تركك حظّك وقد عرض عليك .
شرّ الناس : من لا يعيش في عيشه أحد .
الكبر : به هلاك الدين وبه لُعِن إبليس .
الحرص : عدو النفس وبه أُخرج آدم من الجنّة .
الحسد : رائد السوء وبه قتل هابيل قابيل.
على صَبرِ آلِ اللهِ جـئـتَ مُـطـهّـرا *** ومثلُـكَ إلاّ أنْ يـجيءَ مُطَهّرا
لأّنكَ والقرانَ أبـنـاءُ لـيـلـةٍ *** مـبـجـلـةٍ صـارتْ مـعـيناً إلى الورى
بـشـهـرٍ عـظـيمٍ، أيُّ كونٍ مشابهٍ *** يجودُ بهـذا النورِ مُذْ حَلَّ أسفرا
لـجـدٍّ خـتـامٍ لـلـنـبـواتِ، مـن أبٍ *** فـريــدٍ وأمٍ شـاءهـا اللهُ كـوثـرا
سلاماً على ميلادِكَ الطهرِ يا سنا *** تـفجَّرَ من بين العظيمِينَ أنهرا
فـأغـدقَ كـلَّ الـقـاحـلاتِ بفيضهِ *** وصارَ بما جادتْ سجاياهُ أبحرا
سلاماً عـلـى طـفـلٍ شـبـيهٍ بجدّهِ *** تـربّـعَ عرشـاً لـلإمـامـةِ مُـقمرا
وأُورِثَ بأساً من عليّ وصولةً ***إذا ما أُسـتفزا يجعلِ الكونَ أحمرا
ولـكـنـه لـم يـؤثرِ الـحـربَ مـرةً *** لـيفضحَ تأريخاً الى الآن مُغبرا
سلاماً على روحِ السلامِ وصَبرهِ على ترُجمانٍ ظلَّ في الجدبِ مثمرا
إلى الحسنِ الدرّيِّ في كلِّ لحظةٍ ***رجاءٌ فيا مولاي كُنْ لي مُطهِّرا
فقد ملأتْ قلبي ذنـوبٌ غليظةٌ **وليسَ سوى معناكَ في التيهِ أنْ يُرى
يـلـوّحُ لـلـسـاهـيـنَ غيمَ بصيرةٍ *** فيغسلُ وَسواساً بما زاغَ وافترى
ويـرسـمُ دربـاً للإيـابِ محبةً *** فلا نرتوي من أولِ الصحوِ للكرى
إسماعيل الصياح
سيرة عطرة حُفّتْ بالمكاره والتحديات، لكن الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) جسّد قيم السماء ورسم لمن بعده طريقاً شجاعاً سمحاً عفيفاً وعزيزاً ويندر ان تجتمع هذه السمات المتقابلة في منهج واحد، فما أحرانا نحن المسلمين اليوم ان نتأسى بهذا التراث الكبير الذي حافظ على القرآن الكريم والسنة المطهرة في كل مواقفه واحاديثه وخطابه في وقت طغى الابتذال والحقارة في الطرف الآخر (وما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر) وعلى منهج أبيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) سار الامام الحسن المجتبى الكلمة الطيبة.
(سلام الله عليه) يوم ولد ويوم جاهد وقاد ويوم استشهد ويوم يبعث بين يدي الجبار ليقتص من جلاديه.
اعداد وتدوين
علي اكبر بامشاد