دخلت العلاقات السورية مع تركيا أقرب حلفاء دمشق في المنطقة مرحلة جديدة سمتها التوتر على خلفية مواقف رئيس الوزراء "رجب طيب اردوغان" من الاحتجاجات المطالبة بالحرية والديمقراطية التي تفجرت في الشارع السوري، ومطالبته نظام الرئيس "بشار الاسد" بعدم إطلاق الرصاص على شعبه، لا بل وصل الأمر باردوغان إلى تكذيب الرواية الرسمية السورية للأحداث.
لكن محللين سوريين يرون أن أزمة العلاقات بين البلدين ستكون عابرة، وستعود العلاقات بينهما إلى ما كانت عليه وربما أقوى، على اعتبار أن مجريات الأمور تشير إلى أن النظام السوري سيستطيع تجاوز هذه الأزمة مع التزامه بإجراء إصلاحات يطالب بها الشارع السوري.
وارجع المحللون مواقف اردوغان الى مخاوف تركيا من وصول الاضطرابات إليها، ولدواعي انتخابية باعتبار ان الانتخابات البرلمانية في البلاد من المقرر أن تجري بعد اقل من شهرين.
وتفجرت الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية والديمقراطية في عدد من المدن السورية منذ شهرين. ومع وقوع المزيد من القتلى من المحتجين ارتفع سقف المطالبات إلى "إسقاط النظام".
وتقول منظمات حقوقية أن نحو ۸۵۰ شخصا من المحتجين قتلوا برصاص قوات الأمن التي اعتقلت ايضا الآلاف من المحتجين والناشطين.
في المقابل تقول الرواية الرسمية السورية أن الجيش والسلطات الأمنية تلاحق ما تسميه "مجموعات إرهابية مسلحة" استغلت خروج الاحتجاجات لزعزعة الامن الاستقرار في البلاد بدفع خارجي من خلال إطلاق النار على المحتجين وعناصر الأمن والجيش.
وتقوم وحدات من الجيش والقوى الأمنية بملاحقة تلك المجموعات في محافظة "درعا" (جنوب البلاد) التي انطلقت منها الاحتجاجات، ومحافظة "حمص" وسط البلاد، ومدينة "بانياس" الساحلية، وعدد من ضواحي محافظة ريف دمشق.
ويعرض التلفزيون الرسمي على دوام جنازات يقول انها لعناصر من الجيش والقوى الامنية قتلوا في مواجهات مع "مجموعات ارهابية مسلحة".
واتصل رئيس الوزراء التركي عدة مرات مع الرئيس الاسد منذ اندلاع الاحتجاجات في الخامس عشر من آذار/ مارس الماضي وبحث معه الاوضاع في البلاد.
واعتمد الاتحاد الأوروبي رسميا عقوبات ضد ۱۳ مسؤولا سوريًّا، وفرض حظرا على بيع الأسلحة لسوريا، ودخلت الإجراء حيز التنفيذ.
من جهتها أعلنت وزيرة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون أنها لا تستبعد توسيع نطاق العقوبات على سوريا لتشمل الرئيس السوري.
وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون: ان واشنطن وحلفاءها يبحثون زيادة الضغوط على دمشق للموافقة على إجراء إصلاحات ديمقراطية.
وصعد اردوغان من لهجته اتجاه النظام السوري في الثالث من ايار/الجاري عندما قال في مقابلة مع الفضائية التركية "شو تي.في": أنهم "لا يريدون ان تتكرر مأساة مذابح حمص وحماه"، التي راح ضحيتها آلاف المدنيين عام ۱۹۸۲، محذرا من أن ذلك "سيرغم المجتمع الدولي وتركيا على اتخاذ موقف حاسم ضد سوريا.
وأضاف:" إن وقعت سوريا في مطب القمع والعنف فإنها لن تنهض مرة أخرى".
بعد ذلك قال أردوغان -في حديث للقناة السابعة الإخبارية التركية- إن "من الخطأ أن يقوم نظام بإطلاق الرصاص على أبناء شعبه"، مبديا "قلقه من تجاوز عدد القتلى في سوريا الألف".
وأضاف: أنه "لا يريد أن يرى تكرار أعمال العنف التي وقعت في (محافظة) "حماة" (وسط سوريا) سنة ۱۹۸۲م، أو قتل الأكراد العراقيين بالغاز في حلبجة عام ۱۹۸۸ عندما لقي ۵۰۰۰ شخص حتفهم".
وفي تصريحات اخرى لقناة (سي بي أس) دعا أردوغان نظام الرئيس الأسد إلى القبول بمطالب شعبه في السلام والديمقراطية وإلى اتخاذ إجراءات فورية، مؤكدا أن بلاده قلقة إزاء الأوضاع في سوريا، وخاصة مع بدء تدفق لاجئين سوريين إلى الحدود التركية هربا من الأوضاع الأمنية المتدهورة.
وقال: إنه "لا يمكن للأسد أن يرفض مطالب شعبه الضرورية بالحرية والديمقراطية، وإن عليه اتخاذ إجراءات ديمقراطية فورية".
وأضاف: أن "زخم الديمقراطية في الشرق الأوسط لا يمكن الرجوع عنه"، معتبرا أن الممارسات غير الديمقراطية لما وصفها بالأنظمة الاستبدادية تسببت بثورة الشعوب العربية.
و یعتقد المحللون "عادة العلاقات بين الدول تحكمها المصالح قبل كل شيء، فلا توجد صداقات دائمة ولا عداءات دائمة...كانت العلاقات السورية التركية متوترة ثم صارت في أحسن أحوالها و الآن يبدو أنها (العلاقات) تدخل مرحلة جديدة ما يحركها الهاجس التركي من الأوضاع الداخلية السورية والخوف من انتقال مثل الأوضاع إلى تركيا وأن تجتاز الحدود الطويلة بين البلدين التي تصل إلى أكثر من ۸۰۰ كم.
و هناك ملفات مشتركة في البلدين يمكن أن تكون الشرارة للانتقال على جانبي الحدود، الملف الكردي من أخطر الملفات التي يواجهها النظام التركي وعدم الاستقرار في سورية يدفع بتركيا إلى القلق من إمكانية انتقال الأوضاع إلى الشارع التركي.
و "تركيا تخاف من أن تتدهور الأوضاع إلى درجة تدفع ربما إلى تدخل غربي، الأمر الذي يعني إذا نظرنا إلى الأوضاع في العراق زيادة آمال الأكراد في تحقيق حلمهم بتأسيس دولة كردية".
و"هذا الأمر سينعكس بشكل خطير على الأوضاع في تركيا وبالتالي تركيا تتحرك من هذا المنطلق بأنه إذا ما تم شيء في سورية فهي يجب أن تكون شريك في صنع هذه النتيجة، لا أن تكون متفرجا".
و تركيا "ربما تصعد لهجتها هذه الأيام ضد سورية على خلفية قناعتها بأن الاستجابة لمطالب الشارع أفضل بالنسبة لاستقرار سوريا الذي بات يعتبر مصلحة إستراتيجية كبيرة لتركيا".
ومن المقرر، أن تشهد تركيا في ۱۲ تموز /يونيو القادم انتخابات برلمانية أظهرت نتائج استطلاع للرأي أن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم بزعامة أردوغان سيفوز بالمرتبة الأولى بنسبة ۴۴ في المئة من أصوات الناخبين، بينما أشارت النتائج إلى أن حزب «الشعب الجمهوري» (يسار الوسط العلماني) المعارض بزعامة «كمال دار أوغلو» سيحل في المرتبة الثانية بنسبة ۲۴ في المئة.
وتصريحات اردوغان أيضا تحركها دوافع انتخابية" حیث ان حزب العدالة والتنمية يقوم على خلفية إسلامية، ومعظم مؤيديه من الشارع الإسلامي، وهذا الشارع يتفاعل ويتحمس ويتحرك ويتعاطف، مع موجة من التحركات الشعبية ظهرت في الدولة العربية سواء في تونس أو في مصر أو حتى في سورية، وذلك بالترافق مع اعتقاد بان أحد المحركات الرئيسية لتلك التحركات هم التيارات الإسلامية".
"يبدو أيضا أن هناك خطط أو توجهات من قبل الولايات المتحدة لاستبدال الجمهوريات الثورية في المنطقة التي ظهرت بعد عهد الاستقلال بجمهوريات إسلامية، وتركيا تتعاطف ربما مع هذا التوجه، وربما تكون هي التي تدفع باتجاه هذا التوجه"، کما ان "احتضان تركيا لاجتماعات للمعارضة السورية بقيادة جماعة "الإخوان المسلمين السورية" (محظورة) ربما يصب في هذا الإطار".
وهذه التخوفات التركية مرتبطة بشكل أساسي بالموقف السوري وبقدرة النظام في سوريا على تجاوز الأزمة.
ووصل الأمر برئيس الوزراء التركي إلى تكذيب الرواية السورية الرسمية للأحداث بوجود ما تسميه السلطات "مجموعات ارهابية مسلحة" تندس بين المتظاهرين و تطلق النار على المحتجين وعناصر الجيش والأمن عندما قال في أحد تصريحاته: انه "لدينا معلومات أكيدة بأنه لا يوجد مسلحين في الشارع السوري".
واستدعت الخارجية السورية السفير التركي في دمشق وسلمته رسالة احتجاج على تصريحات اردوغان.
وأقرت القيادة السورية حزمة من الإصلاحات السياسية لاحتواء الأزمة من بينها إلغاء حالة الطوارئ المعمول بها منذ العام ۱۹۶۳م في البلاد، وإلغاء محكمة امن الدولة العليا، واعطاء المواطنين الأكراد المكتومين الجنسية، وتشكيل لجنة لإعداد مسودة لقانون الانتخابات العامة، ووعدت بإصدار قانون عصري للأحزاب، وآخر للإعلام.
وزار دمشق خلال الأزمة وفد من الخبراء الأتراك لتقديم المساعدة للحكومة السورية في وضع الآليات الأفضل لتطبيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية في البلاد.
وكشف أردوغان، أن حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه عرض تدريب حكومة الأسد على العمل الديمقراطي قبل بدء المظاهرات في سوريا، وأضاف أنه "قال له أرسلوا لنا طواقمكم، يمكننا أن ندربهم ونريهم حزبنا، وتعليمهم كيف ينظم حزب سياسي وكيفية إنشاء العلاقات مع الشعب".
من جانب آخر، "السوريين لم ينكروا بأنهم سيستفيدوا من التجربة التركية والوفود التركية التي جاءت إلى سوريا تم الإعلان عنها من دمشق بداية، واستقبلهم رئيس الوزراء (عادل سفر) ... واستقبلهم رئيس الجمهورية ومازالت الاجتماعات أو الاتصالات بشكل من الأشكال مستمرة وان كان على مستوى التنسيق الأمني كحد أدنى".
و استخدم اردوغان مثل هذه العبارات ربما لدوافع انتخابية شديدة لان حزبه سيكون هو الحزب الوحيد في تركيا الذي يعود إلى السلطة للمرة الثالثة على التوالي إذا ما نجح في الانتخابات وبالتالي هو مضطر لان يلامس مشاعر الشارع التركي الذي بالتأكيد يتأثر بالتغطية الإعلامية الموجهة للأحداث في سوريا باتجاه معين. لکن
المهم في النتيجة... إن هم جاؤوا ليعملوا السوريون.. أم جاؤوا لينقلوا الخبرة التركية للسوريين المهم النتيجة. إذا كانت هذه النتيجة تواتي القيادة في سوريا سوف تأخذ بها وإذا كانت لم تكن تواتيها ولديها نظرتها الخاصة للتعامل مع هذه الأحداث فسوف تستمع ولن تأخذ بها".
وتلك المواقف ربما تؤثر على العلاقات لفترة محدودة. "إذا ما استطاعت دمشق تجاوز الأزمة فكل هذه المواقف سوف تتغير... السياسة السورية هي سياسة براغماتية عموما" و "ربما يؤثر ذلك (مواقف اردوغان) على طبيعة العلاقات لفترة محدودة ولكن دمشق ستتجاوز هذه التصريحات وتعود العلاقات كما كانت وربما أقوى على اعتبار أن الدولتين قامتا ببناء سياسة إقليمية وحتى سياسة ما بعد إقليمية بناء على تشاركات بينهما فيما يتعلق والربط بين البحار الخمسة وتحويل المنطقة إلى مركز تجاري واقتصادي عالمي في مواجهة التكتلات الدولية".
و بما أن الأمور في دمشق تظهر حتى الآن أن النظام سيستطيع أن يتجاوز هذه الأزمة مع التزامه بإجراء إصلاحات يطالب بها الشارع السوري فان الأزمة السورية التركية ستكون عبارة ولن تصل إلى درجة ما حصل بين ليبيا وتركيا من تدخل صريح و إرسال قوات وما إلى ذلك".
وقال وزير الاعلام السوري "عدنان محمود" الاسبوع الماضي: أن "بلاده ستجري حوارا وطنيا في أنحاء البلاد خلال الأيام القادمة".
وكشفت تقارير صحفية عن، أن القيادة السورية شكلت لجنة عليا من كبار السياسيين في القيادة للحوار مع المعارضة، تضم نائب الرئيس "فاروق الشرع" ونائبه للشؤون الثقافية السيدة "نجاح العطار" والمستشارة السياسية والاعلامية في القصر الرئاسي "بثينة شعبان" ومعاون نائب رئيس الجمهورية اللواء "محمد ناصيف".