برعاية وحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري ومشاركة المركز العالمي للعلوم والثقافة الإسلامية في قم والمستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية ومجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية والمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام) وجمعية الصادق (ع) لإحياء التراث العلمائي عقد المؤتمر الدولي الفكري الثاني وذلك تكريماً للعالمين الشهيدين الشيخ محمد بن مكي الجزيني والشيخ زين الدين الجبعي في بيروت . بحضور العديد من الشخصيات الدينية والعلمية والسياسية من مختلف البلدان العربية والإسلامية .
بداية ألقى أمين عام مجمع التقريب بين المذاهب آية الله الشيخ محمد علي التسخيري كلمة باسم الجهات الداعية للمؤتمر الدولي الفكري الثاني لتكريم الشهيدين الشيخ محمد بن مكي الجزيني والشيخ زين الدين الجبعي حيث أكد أن الإسلام عندما تتولاه الخطوب يعيد لنا انسانيتنا . متحدثاً عن الفلسفات والجدالات المريضة التي غزت العالم قبل الإسلام ومذ أطل هذا الإسلام ونزل هذا القرآن العظيم الذي وضع أسساً للعودة الى العقلانية والحوار والى الإجتهاد والحرية في هذا الإجتهاد . وكذلك العودة الى الوحدة في سير البشرية نحو أهدافها الكبرى . مضيفاً أن الإسلام أراد أن تلتقي القلوب وتتحد وتلتقي الأفكار وتتقارب بدل التناحر . وأكد على أن التقريب وجد مع ولادة الإسلام وفي أطر انسانية سامية . مستذكراً عهد الصحابة والتابعين والأئمة الذين وبالرغم من الإختلافات عاشوا في اطار من الأخوة والوحدة .
كذلك عاش هؤلاء الأئمة حياة راقية من الحوار السليم وامتدت الى العلماء الذين اتبعوهم ومدى التلاحم بين المذاهب الفقهية حتى بات توصف هذه المجموعة من العلماء بصاحبة المذهبين .
وقال الشيخ التسخيري أننا نعيش في حالة من الإنفصام والإبتعاد نتيجة ظروف وعوامل عدة .معتبراً ان إحياء ذكرى هذين العلمين هو إحياء لمسيرة التقريب وتمهيد للوحدة الإسلامية الكبرى التي أكد عليها القرآن . خاتماً بالقول لا نستطيع أن نحقق الأهداف القرآنية ما لم نحقق وحدتنا والا سنكون في ذيل التاريخ.
من ثمة أكد رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ حسن البغدادي ان انعقاد هذا المؤتمر هو لتكريم الشهيدين "عمدة المطلعين والالطاف الالهية" . وان الشهيد الشيخ محمد بن مكي الجزيني كان مجاهدا في العلم وفي الوحدة الاسلامية من خلال المنهج الفكري المقارن مضيفاً انه بعد ربع قرن اتي الشهيد لشيخ زين الدين الجبعي ليشرح المتون وسلوك الطريق عينها التي انتهجها الشهيد الاول . واصبحت العدالة عندهم تلامس عدالة المعصومين بمعنى التخلي عن الحب والبغض الخاص . قائلاً ان هذا المؤتمر هو حصيلة تراكم جهود متواصلة لتحقيق آثار الشهدين و الذي جمع لهما حوالي خمسين مجلدا.
بدوره لفت ممثل رئيس مجلس الشورى الاسلامي الايراني د. لاريجاني السفير الايراني في لبنان د. غضنفر ركن ابادي الى ان المؤتمر عقد لتكريم شهيدين لهما المساهمة في تدوين الفقه وتفعيل الحركة الوحدوية الاسلامية بعدما تجاوزا نظرية التقوقع القومي عبر تعزيز الوحدة والتآلف بين ابناء الدين الواحد . مؤكدا ان العالم اليوم يموج بوعي عارم تهدده مخاطر ومؤمرات وهنا ضرورة الوحدة والتقريب عبر تآلف القلوب والوقوف بوجه العدو .
من جهته ، أكد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان ممثلاً نائب رئيس المجلس الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان ان اصل الاحتفاء بهذين الشهيدين تم على اساس اختبار فقاهة المتون الشرعية وضبط تمكنها من قانون المعارف وسط ظروف وممالك وصراعات مذهبية وهي اشبه بيومنا الحاضر . واعتبر ان الشهيد الاول ترك بصمة لافتة فاسس لمفهوم الحيثية الحقوقية كمركز لنظام السلطات والاجراءات والثاني اسس لمقولة الشرعنة على قاعدة ان مركز المصالح الكونية والتشريعية هو الانسان . الذي هو علة شرعية السلطان ومبرر النظام والا تحول الحكم الى حديد واستبداد.
أما ممثل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني الشيخ محمود مسلماني فقد قال ان الفقه والعلم هامين لمعرفة الحلال من الحرام وحثنا المولى على طلبه . وان الكثير من العلماء امعنوا النظر في فهم الكتاب وآثار اصحابه واهل بيته . ولفت الى ان المذاهب الاسلامية قد تختلف لكن جميعها تخرج من قاعدة واحدة هي طلب اتباع النبي (ص) . مؤكدا انه لولا العلماء لكان الكثير من الناس في غفلة من التيه . وان ذكرى المحتفى بهما هي تأكيد لدور العلم والاعتدال خاصة في زمن الفتن والنوائب والتطرف والارهاب .
بدوره اعتبر ممثل بطريرك انطاكية وسائر المشرق مار بشارة بطرس الراعي مدير المركز الكاثوليكي الاب عبده ابو كسم
ان شهادة المؤمن تتبع من ايمانه الذي يلزمه في الدفاع عن القيم والتعاليم فيصبح الشهيد شهيد الله والوطن. وان مشروع الشهادة هو مشروع كل المؤمنين الذين يرفضون الباطل بغض النظر عن طائفتهم ودينهم . مضيفا ان تاريخ الشيعة متلازم مع مشروع الشهادة منذ استشهاد الامام الحسين (ع) .
كما أكد نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم ، أن دعاة الفتنة المذهبية موجودون في كل زمان وهي ترخي بظلالها وتترك آثاراً لها عندما يجتمع إثنان: حكم متهكم لا يعلم من الدين شيئاً ولا يهتم به وواعظ عند السلطان مملوء بالحقد والجهالة، هؤلاء صموا آذانهم عن نداء الله. وأشار الشيخ قاسم الى أننا "في لبنان لم نختلف مذهبياً مع أحد ولم تطرح قضايا عقائدية أو فقهية خلافية بل بالعكس أمامنا الآن القانون المدني للأحوال الشخصية يجتمع عليه جميع المسلمين للتأكيد على الأحوال الشخصية من الموقع الشرعي من دون الإلتفاف الى الخلافات السياسية وهذا دليل على عدم وجود خلاف ديني في هذا الأمر". وقال:" نعم إختلفنا سياسياً مع فريق آخر في البلد فيه من جميع المذاهب والطوائف كما فريقنا من جميع الطوائف، إختلفنا بأننا مع المقاومة وإستمراريتها بسبب إستمرار الاحتلال والخطر الإسرائيلي وهم لا يريدونها الآن بذرائع شتى مع أنها الشرف والعز ولولاها لما كان لبنان بهذه المكانة، ولولاها لما إرتفعت رؤوسنا عالياً نفخر بالمقاومة لنصدرها تعبويا وتربوياً لكل العالم الاسلامي ببركة عطاءات المجاهدين". ولفت الى أننا "إختلفنا سياسياً على رفض الوصاية الأميركية والبعض يسهل وجودها ويعمل وفق برنامجها". وإعتبر الشيخ قاسم أن الفتنة المذهبية هي إنحراف عن الدين ولا علاقة للخلافات السياسية بالدين ودعاتها لا يعنيهم الدين إلا كغطاء لتجميع الناس من حولهم بالعصبية وتسخيرهم لزعامتهم وإستبدادهم.
وقال أن الشهيدين أسسا لقيادة علمائية فريدة وجامعة تعبر عن استمرارية الحياة وان سلاحهما كان توحيد الكلمة ومن دعاة الوحدة الاسلامية ودفعا ثمناً باهظاً عبر الإغتيال . استشهدا لكن الاسلام بقي وبقي دعاة هذه الوحدة رغم وجود دعاة الفتنة المذهبية .
وختم المؤتمر بكلمة لراعي الحفل رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لفت الى اننا "نعيش اليوم في عصر معاصر يضغط دوليا علينا بمشروع الشرق الأوسط الجديد وسياسته "فرق تسد"، وعصر تحريض طائفي ومذهبي ونشر الكراهية والتعصب، ولكأننا نعيش استتباعات العصر المملوكي والاجتياح المغولي والآثار السلبية للغزوات الصليبية"، مشيرا الى أننا "نعيش في الزمن الاسرائيلي الذي يجري فيه صرف ثرواتنا على الحماية ونرى كيف يجري التحكم بالنظام العربي عن بعد وكيف تتم مخاطبة أنماط السلطات العربية المختلفة فيطلب من بعضهم الاعتزال ومن بعضهم الاعتدال ومن بعضهم الإصلاح ومن بعضهم التغيير ومن بعضهم الرحيل وإلا ستستكمل الفوضى حلقاتها ".
وأعرب رئيس المجلس النيابي عن "قلقه على الفرصة الراهنة للتغيير نحو المستقبل، ونلمس مساع لاحباط قوى الثورة والتلاعب بالوقت وتوفيره لعناصر ثورة مضادة لترتيب صفوفها واطالة الفترة الانتقالية لتوفير فرصة كافية للتدخل الأجنبي".
واشار بري الى اننا " نقدم الثورة الرسمية في لبنان بعنوان ثورة الأرز فهي أعادت لبنان ٦٠ عاما الى الوراء واستهلكت الأموال العامة وزادت الدين على المستقبل وأمنت المناخات للمزيد من التدخل الأجنبي بحاضره ومستقبله وهذا هو سبب فشلها وليس كما عبر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في الكونغرس الأميركي، وعلى الأقل بعض مجالسنا تصفق لرؤساء أوطانها ولكنها لا تقف ٢٥ مرة في ٣٩ دقيقة.
كما أشاد بعقد هذا المؤتمر الذي يأتي في لحظة اسلامية حاسمة يجري التصعيد لها لمحاولة نشر الفتنة الى كل بيت . قائلاً ان الشهيدين دأبا على نشر المعرفة واحتواء الضغوطات ونشر المعرفة كما أسسا لمشروع مقاومة دائم وكانت تضحيتهما بالذات هو التزام بالإسلام .
يذكر ان المؤتمر سيستكمل اعماله في الواحد والثلاثين من ايار - مايو والاول والثاني من حزيران حيث ستعقد ست جلسات تتوزع بين بيروت والجنوب والبقاع ويشارك فيها ابرز علماء الفقه والاجتماع من مختلف البلدان العربية والاسلامية .