هي أميركا، التي ارتبط اسمها بأفغانستان، لمدة عشرين عامًا، لم يذق خلالها الشعب الأفغاني طعم الأمن والأمان سواء بوجودها كقوة غازية محتلة أو حتى بعد رحيلها، وهي تجرّ أذيال الفشل.
د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي
تركة الأسلحة الأميركية في أفغانستان(1).. بالارقام: الطائرات الهجومية هل تشغّلها "طالبان"؟
تنا
9 Oct 2021 ساعة 17:59
هي أميركا، التي ارتبط اسمها بأفغانستان، لمدة عشرين عامًا، لم يذق خلالها الشعب الأفغاني طعم الأمن والأمان سواء بوجودها كقوة غازية محتلة أو حتى بعد رحيلها، وهي تجرّ أذيال الفشل.
د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي
هي أميركا، التي ارتبط اسمها بأفغانستان، لمدة عشرين عامًا، لم يذق خلالها الشعب الأفغاني طعم الأمن والأمان سواء بوجودها كقوة غازية محتلة أو حتى بعد رحيلها، وهي تجرّ أذيال الفشل. كأنه لم تكف الأفغان لعنة "طالبان" التي حولت حياتهم الى جحيم لا يطاق، حتى وجدوا أنفسهم أمام رعب جديد، ألا وهو السلاح الأميركي الذي وقع بيد حركة "طالبان".
الشعور بالخطر هنا، لم يقتصر على الحيز الجغرافي لأفغانستان فقط، بل تسرب أيضًا إلى بلدان أخرى بما فيها الولايات نفسها. فمقاطع الفيديو التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي لقوات "طالبان" مع مجموعة من الأسلحة ومركبات أميركية الصنع، استولت عليها الحركة، بعد انهيار الجيش الأفغاني والانسحاب الأميركي من هذا البلد، أثارت مخاوف وهواجس عدد من السياسيين الأميركيين ودول الجوار المحيطة بأفغانستان ـ خصوصًا أولئك اللاعبين الرئيسيين فيها ـ من إمكانية وصول هذه الأسلحة إلى تنظيمات ارهابية مثل "داعش"، أو استخدامها ضد المواطنين الأفغان لا سيما المعارضين لحكم "طالبان"، من الأقليات والاثنيات الأخرى.
قبل أفغانستان، خبر العالم والأميركيون عن كثب، تجربة "داعش" مع السلاح الأميركي، غداة اجتياحها للموصل، ووضعها اليد آنذاك على أسلحة الجيش العراقي الأميركية الصنع، واستغلالها في ارتكاب المذابح والمجازر ضد المدنيين العراقيين العُزّل، فضلًا عن تهديد الدول العراقية نفسها، وجيرانها.
واذا ما رجعنا الى عقود خلت، نجد أن المخاوف من وقوع الأسلحة الأميركية بأيدي "الجماعات الاسلامية الارهابية المتطرفة"، وتحديدًا في أفغانستان، ليس وليد لحظة استيلاء "طالبان" على أفغانستان، بل تعود إلى تاريخ تدخل واشنطن في هذا البلد لطرد السوفييت منها، حيث كانت ارتفعت أصوات عدد من السياسيين الاميركيين الذي نبهوا ادارتهم حينها، من ارتداد هذا السلاح عليهم في المستقبل، لكن لم يجدوا اذانا صاغية حينها، من قبل اي احد من القادة العسكريين والاستخبارات.
في 30 نيسان 1986، كتب السناتور الأمريكي الديمقراطي دينيس ديكونسيني مقال رأي في صحيفة "نيويورك تايمز"، حذر فيه من تهديد صواريخ ستينغر أرض-جو الأمريكية الصنع، قائلا "في يد حرب عصابات مناهضة لأمريكا... يمكن لصاروخ ستينغر أن يحول طائرة أميركية إلى جحيم برتقالي لامع".
غني عن التعريف أنه في منتصف الثمانينيات بدأت وكالة المخابرات المركزية بتزويد "المجاهدين" بصواريخ ستينغر. قدرت الولايات المتحدة أن صواريخ ستينغر - التي تعمل وفق مبدأ التتبع الحراري لأهدافها - أسقطت حوالي 270 طائرة ومروحية سوفييتية، وهذا ما جعل منه أحد أهم الأسلحة في قتال "المجاهدين" لإخراج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان.
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، عاد الهلع من صواريخ ستينغر المتبقية في أفغانستان، إلى الظهور مرة أخرى. قيل إن الإرهابيين بامكانهم الحصول على صواريخ ستينغر لمهاجمة الطائرات العسكرية والمدنية.
ومنذ بداية آب الماضي، تم الإعراب عن مخاوف مماثلة بشأن الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة للجيش الوطني الأفغاني والقوات الجوية في العقدين الماضيين.
وبعيدًا عن التكهنات والتأويلات، وللوقوف على حقيقة ونوعية الأسلحة التي زوّد بها البنتاغون الجيش الأفغاني خلال سنوات الاحتلال الأميركي لأفغانستان ـ أصبح قسم كبير منها بحوزة "طالبان" بعد الانسحاب ـ وحجم الإنفاق المالي الأميركي على الجيش الأميركي طوال فترة وجودها في أفغانستان، إضافة إلى مدى واقعية المخاوف أعلاه، فلنقرأ تقارير الوكالات الرقابية الرسمية الأميركية.
بلغة الأرقام، ووفقًا للمفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان (SIGAR)، وهي وكالة رقابة أميركية، فقد أنفقت واشنطن حوالي 83 مليار دولار لتحديث وتدريب وتجهيز قوات الأمن الأفغانية في العقدين الماضيين.
تم تشكيل مكتب المفتش العام "SIGAR" عام 2008 للتدقيق والإشراف على جهود إعادة الإعمار والمساعدة الأمريكية في أفغانستان، كما قام بمراقبة حالة الجيش الأفغاني على نطاق واسع. وفيما يلي أنواع الأسلحة التي سلّمتها أميركا للجيش والحكومة والشرطة الافغانية:
أولًا- العتاد الجوي: استنادًا الى تقرير SIGAR ربع السنوي إلى الكونجرس الأميركي في تموز 2021، كان لدى القوات الجوية الأفغانية قوة إجمالية قدرها 167 طائرة قابلة للاستخدام، من إجمالي مخزون يبلغ 211 طائرة. بلغ عدد الطائرات الصالحة: 43 طائرة هليكوبتر هجومية خفيفة من طراز MD-530، و33 مروحية نقل من طراز UH-60 Black Hawk و23 طائرة هجومية خفيفة من طراز Super Tucano.
أشار مكتب المفتش العام SIGAR، إلى أن القوات الجوية الأفغانية، كانت تقوم بالتخلص التدريجي من أسطولها المكون من أكثر من 30 طائرة هليكوبتر للنقل، روسية الأصل من طراز Mi-17، وذلك كجزء من الجهود الأميركية للحد من انتشار المعدات الروسية الأصل في الجيش الأفغاني. كما دفعت الولايات المتحدة الجيش الأفغاني للتخلي عن اعتماده على مروحيات هجومية روسية من طراز Mi-24 Hind.
ثانيًا- الأسلحة النارية: في تقرير عام 2017، قال مكتب محاسبة الحكومة الأمريكية (GAO) إنه من عام 2004 إلى عام 2016، قدمت الولايات المتحدة حوالي 600 ألف سلاح أرضي لقوات الأمن الأفغانية، ما يقرب 81 بالمائة منها عبارة عن بنادق ومسدسات. وشملت هذه الأسلحة أيضًا: 358530 بندقية من طراز M-16 وM-4 وAK-47 وDragunov، إضافة الى 126295 مسدسًا، و64363 رشاشًا، و25327 قاذفة قنابل يدوية.
ثالثًا- المركبات: من عام 2003 إلى عام 2016 ، زودت الولايات المتحدة الجيش الأفغاني بحوالي 76000 مركبة أرضية. من بين هذه الاليات، كانت غالبيتها - 42604 - عبارة عن "مركبات تكتيكية" خفيفة، معظمها شاحنات بيك آب، من طراز "فورد". بالإضافة إلى ذلك، تم تسليم 22174 ناقلة جنود من طراز "همفي"، التي تحمل عادةً دروعًا خفيفة تسمح لها بمقاومة نيران "الأسلحة الصغيرة" مثل البنادق.
من بين أكثر المركبات الهائلة والحديثة التي قدمتها الولايات المتحدة للجيش الأفغاني 928 مركبة، مقاومة ومضادة للألغام (MRAP)، وهي تزن أكثر من 10 أطنان ويمكنها نقل القوات إلى مناطق القتال بأمان.
كما زودت الولايات المتحدة أفغانستان، بمعدات دعم مؤلفة من 16000 منظار للرؤية الليلية، إضافة الى أجهزة اتصال آمنة للقوات، والطيارين، للتواصل مع القادة والوحدات الأخرى.
رابعًا- الطائرات من دون طيار: منذ عام 2015، زودت الولايات المتحدة أفغانستان بما لا يقل عن 105 طائرات من دون طيار من طراز ScanEagle، التي بنتها شركة Insitu، التابعة بدورها، لشركة بوينغ. تتميز ScanEagle بأنها طائرة صغيرة منخفضة التكلفة، تزن حوالي 22 كجم، ويمكنها تنفيذ مهام المراقبة لمدة تصل إلى 24 ساعة. ووفقا لـ"سيغار"، كلف برنامج ScanEagle في أفغانستان حوالي 174 مليون دولار أميركي.
لكن ماذا عن حالة الأسلحة الأمريكية الآن؟
إن استيلاء "طالبان" على العديد من أنظمة الأسلحة هذه، هو خبر قديم. لكن الجديد الذي يُسأل عنه هو ما مدى فعاليتها حاليًا؟
ذكر تقرير SIGAR إلى الكونجرس في تموز الماضي أن "مستوى استعداد القوات الجوية الأفغانية قد انخفض نتيجة لهجوم طالبان وانسحاب الأفراد العسكريين والمتعاقدين الأميركيين، الذين كانوا يساعدون في تدريب وتشغيل الطائرات الجديدة". كما تدنى معدل جاهزية أسطول بلاك هوك من 77 بالمائة، في شهري نيسان وأيار الفائتين الى 39 بالمائة، في حزيران الماضي.
علاوة على ذلك، أظهرت صور الأقمار الصناعية أن عدة مروحيات أفغانية وطائرات "سوبر توكانو" طارت الى أوزبكستان حيث فر الطيارون من البلاد التي مزقتها الحرب خوفًا من اعدامهم من قبل حركة "طالبان".
هنا، وعلى الفور، يتبادر الى ذهن المرء السؤال التالي: هل سيكون هناك ما يكفي من الميكانيكيين والمهندسين والطيارين والمشغلين لإعادة تشغيل المركبات والطائرات في جيش أفغاني تديره "طالبان"؟ وحفاظًا على الواقعية، فلنأخذ الجواب من المسؤولين الأميركيين أنفسهم.
مع استكمال الولايات المتحدة انسحابها من أفغانستان، كشف قائد القيادة المركزية الجنرال كينيث ماكنزي أن "القوات الأميركية عطّلت الطائرات والمركبات لجعلها غير صالحة للاستعمال"، وقال إن 73 طائرة في مطار كابول "منزوعة السلاح" من قبل الولايات المتحدة، بينما تم تعطيل 70 مركبة MRAP و27 عربة همفي.
إضافة الى ذلك، من المرجح أن يؤدي نقص الدعم من المصنعين الأميركيين إلى جعل العديد من المروحيات والطائرات غير صالحة للعمل، بسبب نقص قطع الغيار.
ولجعل الصورة أكثر وضوحًا فيما يتعلق بحالة هذه الطائرات، وبإمكانية "طالبان" العمل على إصلاحها واستخدامها مجددًا، لا بد من عرض شهادة أحد أفراد القوات الجوية الأميركية أثناء الاحتلال، وهو الطيار السابق في الجيش الأميركي برادلي بومان الذي كان قد خدم كقائد لمروحية من طراز "بلاك هوك"، ويتولى هذه الأيام منصب المدير الأول لمركز القوة العسكرية والسياسية في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات".
شكّك بومان، في شهادته، بقدرة "طالبان" على جعل طائرات الهليكوبتر من طراز بلاك هوك تحلق من جديد". أخبر بومان "الاذاعة الوطنية العامة الاميركية" في وقت سابق من شهر ايلول الماضي أنه "ليس شيئًا يمكنك القيام به (الطيران بطائرة Black Hawk بفعالية) في غضون أسبوع أو شهر. يمكن لشخص ما أن يدخل هناك، وربما يجد بعض كتيبات التشغيل ومعرفة كيفية بدء ادارة المحرك، وتشغيل المراوح في الهواء، لكن من المحتمل أن يعرضوا أنفسهم الى خطر كبير نتيجة قيامهم بهذا الامر". ومع ذلك اقرّ بومان "بأن طالبان والقاعدة سيحاولان إبقاء أسطول بلاك هوك في حالة تشغيل".
وبناء على ذلك، وبعد اطلاعنا على كمية ونوعية الأسلحة الأميركية التي اصبحت في قبضة "طالبان"، لا سيما الصالح للاستخدام منها، لا بد من معرفة إذا ما كانت تشكل تهديدًا للدول الأخرى.
هنا، من الضروري الغوص في شرح وجهة الاستخدام. كانت الغالبية العظمى من أنظمة الأسلحة المذكورة أعلاه، مخصصة أساسًا لأدوار "مكافحة التمرد" وفق التوصيف الاميركي، بدلاً من العمليات القتالية الكاملة ضد الدول الأخرى.
فعلى سبيل المثال، أكثر الطائرات "تقدمًا" في ترسانة أفغانستان الجوية هي سوبر توكانو Super Tucano، وهي طائرة تعمل بمروحة خفيفة. تم تصميم Super Tucano لعمليات المراقبة الجوية ولديها القدرة على الضربات الخفيفة، حيث إنها قادرة على إطلاق القنابل والصواريخ. صممت سوبر توكانو، في الأصل، من قبل "شركة امبراير البرازيلية" ولكنها بنيت بموجب ترخيص في الولايات المتحدة، وليست مؤهلة للتعامل مع المقاتلات الأسرع من الصوت.
غير أن ذلك، لا يلغي الاحتمال الأكثر واقعية وهو استخدام "طالبان" للمركبات والطائرات (المتاحة) والأسلحة النارية الجديدة لمواصلة بسط سيطرتها في جميع أنحاء البلاد، إذ يتزايد هذا الترجيح في ضوء الوضع الجيوسياسي المتغير في المنطقة.
ورغم تطمينات القادة العسكريين، إلا أن العديد من المسؤولين الأميركيين أعربوا عن مخاوفهم، من قيام "طالبان" بتسليم بعض المعدات الأميركية إلى الصين. لكن هذا الاحتمال لا يعتبر ذا أهمية تذكر عند القادة العسكريين الأميركيين أنفسهم، انطلاقًا من المعطيات التالية: الأسلحة الأميركية التي تُركت في أفغانستان، تُصنّف على أنها أنظمة "منخفضة التقنية"، وقد طورت الصين مثلها كثيرًا. فعلى سبيل المثال، يُعتقد أن مروحية النقل الصينية Z-20، التي تدخل الخدمة الآن، مشتقة من طراز Black Hawk الذي باعته الولايات المتحدة إلى بكين في الثمانينيات.
فضلًا عن ذلك، من المتوقع على نطاق واسع أن تصبح الصين، مع إخراج واشنطن من أفغانستان، متبرعًا لـ"طالبان"، مما يترك الباب مفتوحا أمام إمكانية بيع بكين للأسلحة إلى أفغانستان في المستقبل، ويشمل ذلك تقديم الخدمات والدعم لمعدات مثل طائرة Mi-17، التي يديرها الجيش الصيني أيضا.
لكن هل يمكن أن تستفيد الجماعات الارهابية من ترسانة "طالبان" الجديدة من الأسلحة الأميركية في أفغانستان، وتتحول بالتالي الى مصدر تهديد لبقية دول العالم؟
في الواقع، من غير المستعبد أن تعمد الجماعات الإرهابية إلى شراء بعض أنواع هذه الأسلحة، وهو ما يعترف به حتى الخبراء الصينيون. وفي هذا الإطار، قال الباحث العسكري الصيني تشو تشينمينغ مؤخرًا لـصحيفة South China Morning Post الصادرة باللغة الانكليزية إن "هناك مخاوف من وصول أسلحة أميركية إلى "الجماعات الإسلامية المتطرفة" العاملة في مقاطعة شينجيانغ المضطربة".
ومن هذه المعدات، مناظير الرؤية الليلية الأميركية التي تعطي ميزة كبيرة للجماعات الإرهابية في تنفيذ هجمات الكمائن، كون هذه المعدات صغيرة ويسهل تهريبها.
أما بالنسبة لمخاطر "الدرونز"، فلم يتم تصميم أسطول الطائرات من دون طيار ScanEagle الذي خلّفه الجيش الأميركي في أفغانستان لحمل الأسلحة، لكنها يمكن أن تكون بمثابة كنز للجماعات التي تتطلع إليها على أنها طائرات من دون طيار "انتحارية"، تنفجر في أهدافها. وقد تم "تحويل" ScanEagle للقيام بمثل هذا الدور من قبل، إذ تشير الولايات المتحدة الى أن ايران من الدول التي استفادت من هذه الطائرة، ففي العام 2014، كشفت إيران النقاب عن طائرة من دون طيار من طراز "رعد" وهي مشتقة من طائرات ScanEagle من دون طيار التي كانت استولت عليها طهران. وتتمتع ScanEagle بالقدرة على التحمل وبسرعة أكبر من الطائرات من دون طيار المتاحة تجاريًا، والتي استخدمتها بعض الجماعات الإرهابية في السنوات الأخيرة".
في النهاية، وحدهم المدنيون سيكونون ضحية هذه الأسلحة في أفغانستان وخارجها، سواء كانت بيد "طالبان"، أو الجماعات الإرهابية الأخرى. ففي الحروب والنزاعات، وحتى حالات الثأر والانتقام وتصفية الحسابات بين الدول أو الجماعات الحاكمة وخصومها ومعارضيها، لا مكان للعقلانية، فكلمة الفصل تكون لحركة الضغط على الزناد.
/110
رقم: 521940