برعاية أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ،افتتح "معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينيّة والفلسفيّة" أعمال مؤتمره الدوليّ الذي ينظّمه بعنوان "مؤتمر التجديد والاجتهاد الفكري عند الإمام الخامنئي – قراءة في المشروع النهضوي الإسلامي المعاصر" في بيروت . بحضور شخصيات روحية وسياسة وديبلوماسية .
بداية ألقى د.الشيخ شفيق جرادي كلمة باسم الجهة المنظمة قائلاً أنّ ما نريده من هذا المؤتمر هو أن ندخل ساحة فكر إسلامي جديد لمفكّر كبير نرصده لا بذهنيّة أنّه قائد وإمام بقدر ما أنّه فاتح للشأن العام بعقل اجتهاد ثاقب".وكذلك المواضيع التي شرّعها أمام النهوض الإسلامي المعاصر بعقل اجتهادي ثاقب، وعاين الوقائع والعلوم، واجترح لها الرؤى بحيث أهّلته امكاناته ليكون قائداً. مضيفاً "ندخل عصره لنتعلّم ونستهدي كيف يمارس المعلّم المزكّي الهادي رسم المنعطفات الجديدة في إبراز الوعي والفكر من حيثية التجربة والواقع الناهض بالأمة لملاقاة وحي السماء هداية ونظماً، قيادة وإعماراً وبناءً لأجيال لن تعرف عصر الهزيمة في معركة الرسالة الشاملة".
ولفت الى ان الهدف الثابت أن ندخل معه عهد حضارة طموحة رأت في الدين وفي الإسلام بُعداً عالميًّا يصلح ليقدّم نفسه كبديل عن كلّ القيم الحضارية السائدة اليوم والتي تشهد مرحلة شيخوخة تتحدّر فيها بإنسانيّة الإنسان لتجعل منها ارقاماً وأشياء في صراعات الحروب ونزيف الكرامة الدائم، حضارة تأبى إلا أن تستعيد للإنسان أصل الشر في وجوده من حيث المنشأ، وأن تنصب أمامه طريق صراط رسمتها استقامة تعاليم السماء وتدفع بإرادة الحرية فيه، وتشكّل عنوان المسؤولية عن إعمار الأرض وإصلاح العباد ربطاً بشرط موضوعي لذلك كلّه، مفاده أن تنضح الارادة والصراط وفطرة المنشأ تقيم التوحيد على نهج إمام رحل ليبقى روحاً منسوبة إلى الله ووجداناً يصدح بإسم محمد وعدالة علي وبإسم الأمل المنتظر الذي مذ عرفناه حقيقة أدركنا أنّ اليأس بضاعة المتخاذلين الراضخين لشيطنة الإنس والجن.
خاتماً بالقول " أنّا لم نتوقّع تقديم قراءة شاملة ومعمّقة لنهج الاقتدار الذي يمثّل الإمام الخامنئي، بقدر ما كانت الغاية عندنا أن نفتح خياراً جديداً ينطلق من التفكّر والتأمّل والتدقيق باتجاه إحداث تغيير فكري جديد ينقل الفكرة من عالم التذهّن. والتذهّن عند الإمام الخامنئي يساوي تسطّح الأفكار والحقائق إلى عالم ممتلئ بالحياة يضجّ بالمعنى لا يعرف الموت، لأنّ فكرةً هي توأم للحياة حكمها الوحيد الموت". ثم تلاه كلمة لراعي المؤتمر أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله .
وبعد الانتهاء من افتتاح المؤتمر بدأت أعمال الجلسة الأولى بعنوان "القيم الحضاريّة في فكر الإمام الخامنئي" وقد ترأسها محمود يونس، وتحدّث فيها رئيس الوزراء العراقي السابق إبراهيم الجعفري متناولاً "مسألة الدين والإنسان في فكر الإمام الخامنئي" فقال: "عن الإنسان وكيفية تناولنا لوصف حاله فقال: "إنّ بناء الإنسان على درجة من الأهمية مؤكداً على أهمية الإنسان في فكر الإمام الخامنئي وخاصة لجهة إيمانه وما يعطيه هذا الإيمان من قدرة على التحمّل على رفضه أيضاً للإستبداد والظلم".
وعن مفهوم الدولة قال: "في القرب شطرت ما بين شقّي الإنسان ما بين الروح ومادّة، وهذه قضية نشأت منها العلمانية وهو ما نشأ عنه مفهوم الدولة. أمّا الماركسية فتقول بأنّ المجتمع سينتهي إلى لا دولة".
وعن مفهوم الدولة في الإسلام قال: "إنّ الإسلام يركّز على إقامة الدولة وإشاعة العقل". ولفت "إلى احترام الدولة الأموية مع ملاحظاتنا عليها لحقوق اليهود والنصارى الدينية وممارستهم لهذا الحقل". ونقل عن الخامنئي قناعته "أنّ الدول لا تبنى من فوق". وقال "إنّ الفقيه يختلف عن العالم ببعض الوجوه الفقيه عنده علم معمّق، والفقه السياسي هو الأصعب، اليوم نعيش سياسة دولة، ولذلك عندما ننفتح على الفقهاء من الجانب السياسي سندرك أهمية ذلك. كلّ أنبياء الله كانوا سياسيّين بما فيهم النبيّ محمد (ص). فالسياسة فنّ المراعاة وفن الحكم".
ثمّ تحدّث د. ألستر كرووك رئيس منتدى النزاعات في بريطانيا عن "نظام القيم بين الإسلام والفكر الغربي فقال: "كما الأساطير القديمة، الماقبل سقراطيّة، فإنّ الأسطورة التي نحن بصددها متجذّرة في الملاحظة الحثيثة لهذا العالم. بيد أنّها، وبخلاف الأساطير القديمة، لم تُنشر إلا في أواخر العام الماضي. أمّا الكاتب فهو عالم نفس، وطبيب أمراض عصبيّة، وفيلسوف، يستعين بمعايناته العصبيّة الدقيقة، ويستعملها ليضع يده على مجازٍ، يُخبرنا من خلاله قصّةً عن أنفسنا، وعن العالم، وعن موقعنا الآن. وتشير القصّة إلى علّة إرجاع الوعي الغربيّ كلّ قيمةٍ عليا إلى القيمة الوحيدة التي يعرفها – المنفعة – ولماذا لا يستطيع (الوعي الغربيّ) أن يقوم بخلاف ذلك. وقد تغيّر، جرّاء ذلك، وبمرور الوقت، نحو الانتباه الذي نوليه العالمَ. وبالمقابل، فإنّ الوعي المتغيّر قد "خلق"، حرفيًّا، عالمنا المتغيّر. إنّها، بالطبع، قصّة عجرفةٍ فكريّة ونفسٍ ضئيلةٍ أيضًا. بل هي محنةٌ بدأ عددٌ من المفكّرين الغربيّين، في القرن التاسع عشر، بإدراك مضامينها ومفاعيلها.
توحي الأسطورة بتبلور جانبٍ واحد من جوانب اشتغالنا الذهنيّ – مع مرور الزمن – ليتطوّر إلى نظامٍ طاغٍ منغلقٍ على الذات، نظامٍ يقفل كلّ آليّات التفلّت الممكنة: لقد هندس الخادم إطاحة سيّده. إنّ تقليد المعافاة الفكريّة الذي جاء به الإمام الخميني يشكّل أهمّ مبادرةٍ، في خمسمائة سنة، لإعادة الخادم إلى علاقة متوازنة مع سيّده. وإذ يتابع الإمام الخامنئي سبيل الإمام الخميني، فإنّ مهمّة إيجاد دربٍ لإعادة التوازن الذهنيّ الجمعيّ – والذي يفتح مجالًا أوسع إلى القيم العليا في الإسلام – تقف في موقع ملائم للاستفادة من التوق العالميّ، المعبّر عنه بـ"الصحوة"، إلى ذلك الجوهر الإنسانيّ المفقود والمُهمَل".
وتطرق الشيخ محمدي عراقي عضو المجلس الأعلى للتقريب بين المذاهب الدين والإنسان في فكر الإمام الخامنئي وقال: "إنّ توسيع حركة الصحوة الإسلاميّة في العالم اليوم تحتاج إلى قراءة التجربة الإسلاميّة في إيران".
ونوّه بقيادة الإمام الخامنئي وأضاف: "إنّ دراسة تجربة الإمام الخامنئي سهلة وممتنعة في آن. إذ إنّ كلّ باحث يمكنه ملاحظتها، لكنّها تفتقد إلى قلّة المصادر حول الموضوع".
وعن رؤية السيد الخامنئي الحضارية قال: "كنت أتابع كتابات الفقهاء في قم ومنهم السيد الخامنئي مشيراً إلى كتاباته في مرحلة الستينات وما فيها من أمور ذات قيمة وخاصة الدراسات التحليلية".
ونقل عن قراءة الخامنئي للإسلام: "إنّ جوهر الحضاريّة الإسلاميّة نابعة من الداخل من دون ينكر التفاعل مع الآخرين".
كما نقل عنه شروحاته لحقبات حضاريّة مرّت بها الشعوب السابقة. وتوقف عراقي عند مفهوم الخامنئي للرؤية الحضاريّة لمراحل المجتمع الإسلاميّ الإيرانيّ فقال: "إنّ الخامنئي يقسّم حركة المجتمع الإسلاميّ في إيران إلى خمس مراحل.
وعن مرحلة إقامة الحضارة الإسلاميّة قال: "إنّ المشروع الإسلاميّ سيستهدف أن تصبح الأمّة قويّة ماديًّا ومعنويًّا للقيام بهذا الدور. إنّ الحضارة الماديّة ضيّقت الخناق على شعوب الأرض لجهة الظلم والحروب في تاريخنا المعاصر. إنّ مرحلة الصحوة الإسلاميّة ستعمّ العالم".
وعن رؤية الخامنئي في مسألة الحضارة الإسلاميّة منها: "تكريم الإنسان، استمرار الحياة بعد الموت، قدرة الإنسان على التكامل النهائي، وتوجّه العالم نحو حاكمية الحق والصلاح، وأيضاً في كرامة الإنسان".
ونقل عنه تأكيده على "أهمية التجديد والعدالة التي يراها على رأس هموم الدولة الإسلاميّة".
وانتهت الجلسة الأولى من أعمال المؤتمر في يومه الأول بحديث عضو مجلس الشورى الإيراني السابق رئيس المركز الإسلاميّ في لندن الشيخ محسن الأراكي عن "الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة وسقوط الإمبراطوريّة الشيوعيّة كحدثين عظيمين في نهاية القرن الماضي". وتحدث عن ولاية الفقيه المنبثقة عن الثورة الإسلاميّة في إيران. وأشار إلى انطلاق الثورات في العالم العربي بهدف التغيير.
وتطرّق إلى نظرية ولاية الفقيه في فكر الخامنئي فأوجزها في عشر نقاط، منها مصطلح ولاية الفقيه والتي لا تعني إلا تحمّل المسؤوليات في إدارة شرون الناس ولا تعني الاستعباد والاستبداد برقاب الناس.
إنّ هذا المصطلح هو تعبير قرآني أي إلهيّ وأنّ ولاية الفقيه تقف على نقيض الملكيّة، وأنّ معيار الولاية هو معيار معنوي وقيمي في التقوى والكفاءة والتواضع.
وأضاف: "أمّا العناوين الأخرى فهي مفهوم الفقيه، ومفهوم ولاية الفقيه، ومفهوم ولاية الفقيه المغلقة، وولاية الفقيه في الفقه الإسلامي وهي نظريّة ليست خاصة بفقه الإمام الخميني، وإنّما اتفق عليها فقهاء المسلمين من شافعيين وحنابلة وأيضاً ولاية الشعب على أساس ديني وإسلاميّ، وفي شرائط الفقيه الصالح للولاية ورقابة الخبراء على الوليّ الفقيه إذ لا بدّ من وجود رقابة تضمن استمراره على شرائط الولاية، وولاية الفقيه هي الركن الأساس للمجتمع المدني الإسلاميّ، وولاية الفقيه التي ليست بديلاً عن مؤسسات المجتمع المدني الإسلامي.
هذا ويتابع المؤتمر الدولي حول التجديد والاجتهاد الفكري عند الإمام الخامنئي – قراءة في المشروع النهضوي الإسلاميّ المعاصر أعماله غداً وستتوزع الى خمس جلسات تتناول الفكر السياسي والاصلاح الديني وولاية الفقيه والتجديد الإجتهادي والرؤية التنموية والمنظور الفكري للإمام الخامنئي.