يشارك المغربي عالي خيري في تنظيم معرض للصناعات التقليدية بمنطقة آسا جهة كلميم واد نون وسط المغرب. حيث يعرض عشرات الصناع التقليديين بالمنطقة ونواحيها إبداعاتهم التي تعكس التراث الصحراوي ضمن فعاليات الموسم الديني لزاوية آسا المُقام سنويا بالتزامن مع ذكرى المولد النبوي الشريف.
شارک :
ويعمل المواطن في ورشة عائلية حيث توارث الأبناء فن صياغة الفضة والذهب أبا عن جد، يصنعون الحلي المحلية والأواني المنزلية، وبخاصة أواني الشاي مثل "البراد المشكَر" أي المزخرف، وفرن الفحم، واللتين يعتبر وجودهما ضروريا في جلسات الشاي بالمجتمع الصحراوي.
يقول عالي، عضو غرفة الصناعة التقليدية بالجهة، إن موسم زاوية آسا ملتقى ديني وتجاري يميز المنطقة منذ قرون، وتراث تركه الأجداد ويصونه الأحفاد، ويعملون على تطويره والمحافظة عليه.
مع حلول شهر ربيع الأول، تتوافد القبائل الصحراوية على زاوية آسا أقدم الزوايا بالمنطقة، لإحياء تقليد سنوي متجذر منذ 7 قرون.
ويقول الباحث البشير البونوحي في دراسة ميدانية عنوانها "التراث اللامادي بالمغرب: زاوية آسا نموذجا" إن هذه الزاوية اقترنت بالمولد النبوي الشريف.
وأوضح أن الزوايا كان لها في تاريخ المغرب دور مهم وحيوي، بفضل ما كانت تقوم به، في جميع النواحي الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى السياسية، لتقوم بتثبيت نفوذها داخل المجتمع المغربي.
وشكل هذا الموسم الديني -الذي يقام حول أضرحة تجمع رفات 366 من صلحاء وأولياء آسا أو "المدينة المقدسة" كما يطلق عليها- فضاء لاجتماع المتصوفين وطلبة العلم والشعراء وملتقى للتجار والحرفيين ومناسبة للتواصل بين القبائل الصحراوية.
تأسست هذه الزاوية نهاية القرن 13 على يد فقيه صالح يدعى إعزا ويهدي، كان له صيت واسع في منطقة الصحراء، لما عرف عنه من سعة العلم والتفاني في نشر دعوة الإسلام وإصلاح العقيدة.
ولد الشيخ ويهدي سنة 646 هجرية في دار الأمير يعقوب المنصور الموحدي بمراكش، حسب ما جاء في كتاب "المعسول" للعلامة المختار السوسي.
وحسب نفس المصدر، فإن وفاته كانت في زاوية آسا حيث دفن مكان خلوته وعمره 82 عاما، وقد توفي غرة ربيع الأول 720 هجرية، واتخذ الفقراء والمريدون من يوم وفاته موسما دينيا يستمر إلى اليوم 12 من ربيع الأول ذكرى المولد النبوي.
يقول بوجمعة لغلا رئيس مؤسسة آسا الزاك للتنمية والفكر والثقافة، المشرفة على تنظيم هذا الملتقى الديني، إن مؤسس الزاوية كان رجل ربانيا حافظا لكتاب الله متمكنا من العلم الشرعي ومن رواد الزاوية الناصرية.
ويضيف -أنه جاء إلى المنطقة قادما من الجنوب الشرقي واستقر في آسا حيث احتضنته قبيلة "آيت وسى" وصار له مريدون وتلاميذ يأتون إليه من كل مكان لدراسة العلوم الشرعية.
تزامن الموسم الديني للزاوية مع ذكرى المولد النبوي، وازدهر بشكل خاص في العهد المريني حيث اتخذ الاحتفال بهذه المناسبة طابعا رسميا، إذ كان السلاطين أنفسهم يرأسون احتفالات المولد ليلة 12 من ربيع الأول، كما أصدر السلطان أبو يعقوب يوسف المريني أمرا باعتبار المولد النبوي عيدا رسميا كعيدي الفطر والأضحى.
يقول لغلا إن قبائل الصحراء تكن محبة خاصة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لذلك يحرصون على حضور هذا الاحتفال السنوي وعدم تفويته.
ويضيف "شكلت مناسبة المولد النبوي موسما تلتقي فيه مختلف قبائل الصحراء للتلاقي وصلة الرحم وتبادل الود والمحبة ولحل الخلافات القبلية وبناء التحالفات".
وتحرص كل قبيلة على إحضار هدايا للزاوية عبارة عن أجود وأفضل ما توفر لها من جمال ونوق. وكان المريدون وطلبة العلم وأعيان القبائل في زاوية آسا يجتمعون ليلة المولد النبوي ويؤدون صلاة المغرب جماعة ثم يشرعون في الذكر إلى وقت متأخر من الليل، وينهون احتفالهم يوم المولد النبوي بعادة "النحيرة".
ويتم خلالها ذبح جمل أو ناقة بشكل متناوب بين القبائل، وهي العادة التي استمرت منذ القرن 14 إلى اليوم.
يقول لغلا "الهدف من النحيرة التعبير عن محبة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، والفرحة بيوم مولده، وكذلك إطعام الفقراء والمساكين وكل من أتى لزيارة الزاوية".
صُنف الموسم الديني لزاوية آسا في يوليو/تموز الماضي ضمن قائمة التراث اللامادي للإيسيسكو، بعد تصنيفه سنة 2017 تراثا لاماديا وطنيا.
وسنة 2016 أصبح يطلق عليه "ملكَى الصّالحين" بلهجة أهل الصحراء أي ملتقى الصالحين بعد إنشاء مؤسسة تسهر على تنظيمه والمحافظة عليه، ومنحه إشعاعا يتجاوز حدود الصحراء.
ويوجد هذا التراث على لائحة الانتظار للتصنيف ضمن قائمة اليونسكو للتراث اللامادي العالمي الإنساني منذ سنة 2018. وتوسعت فعاليات هذه الاحتفالية، لتشمل أنشطة دينية وروحية وثقافية وفنية، وحسب لغلا فإن نسخة هذا العام تستمر 6 أيام.
وتنظم خلالها ليالي الذكر والمديح، ويحييها طلبة الزاوية والمدارس العتيقة المجاورة، إلى جانب مواعظ ومحاضرات وندوات في سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ومسابقات في حفظ القرآن الكريم وتجويده، والسيرة النبوية، في رحاب زاوية آسا.
وتشارك فيه فرق محلية بعرض التراث الفني المحلي الحساني والأمازيغي، وينظم معرض للصناعات التقليدية والمنتجات المحلية مثل اللباس التقليدي الصحراوي، والزرابي الآساوية، والمصنوعات النباتية والجلدية، وصناعة الخيام من الوبر، وغيرها.
وقد نصبت خيام تقليدية يتم فيها عرض العادات والتقاليد الصحراوية والأمازيغية في الطبخ والزينة، والطب الشعبي.
وبالموازاة مع ذلك، تقام عروض التبوريدة "الفروسية" وسباقات الهجن، ويتنافس مربو الإبل لتقديم وعرض أفضل أنواع إبلهم على الزوار.
ويمضي المشرفون على هذا الموسم الديني السنوي في طريق تطويره وتحديثه، مع الحفاظ على روحه المستمدة من الخصوصية الصحراوية، ومنحت اعترافات المؤسسات الوطنية والدولية به دفعة قوية للحفاظ على هذا الموروث الصحراوي المحلي والعادات الأصيلة المرتبطة به باعتبارها جزءا من ذاكرة المنطقة ورابطا بين الماضي والحاضر.