تقع آثار مدينة أفاميا الكلاسيكية في محافظة حماة وعلى بعد 68 كم إلى الشمال الغربي منها. كما أنها تشرف على حوض نهر العاصي (الغاب) و ترتفع حوالي 75 عنه. يقسم الموقع إلى قسمين، الأول هو التل الأثري الأهليليجي و توجد عليه قلعة من القرون الوسطى و تدعى قلعة المضيق، أما القسم الآخر هو الهضبة التي بنيت عليها المدينة في القرن الثالث ق.م و سميت أفاميا
الأهمية و التاريخ:
دلت اللقى الأثرية التي وجدها المنقبون في التل الأثري و على الهضبة الكبيرة التي تشرف على حوض العاصي إلى وجود إستيطان بشري منذ خمسون ألف سنة قبل الميلاد، كما وجد المنقبون من بلجيكا و من المديرية العامة للآثار و المتاحف لقى و آثار تعود إلى حقب تاريخية مختلفة من أهمها تلك التي تبدأ مع نشؤء المدينة في الفترة الكلاسيكية أي مع بداية القرن الثالث قبل الميلاد.
تعود أهمية أفاميا في فترة إزدهارها التي دامت من القرن الثالث ق.م إلى القرن الثالث عشر بعد الميلاد إلى موقعها الهام على تقاطع الطرق التجارية و العسكرية في وسط سورية و سيطرتها عليها من خلال الترسانة الحربية التي أمتلكتها في الفترة الرومانية و من بينها (ثلاثون ألف حصان و ۵۰۰ فيل حربي) كما تدل على ذلك الإسطبلات الضخمة التي كانت تابعة للمدينة.
يمكن إعتبار مدينة أفاميا أنها كانت العاصمة العسكرية لسورية في الفترة الكلاسيكة، بينما كانت أنطاكيا العاصمة الدينية المسيحية لسورية لا سيما في القرون الثلاثة الأولى بعد الميلاد .
كما ذكرنا وجد المنقبون آثار الإستيطان البشري في منقطة الغاب عموما و افاميا خصوصاً تعود إلى خمسون ألف عام مضت. أما الأهمية التاريخية للمكان فبدأت بعد قيام الأسكندر المقدوني بحملته على الشرق في العام ۳۳۳ ق.م. في تلك الأثناءكانت منطقة بلاد الشام واقعة تحت السيطرة الأخمينية لبلاد فارس. بعد وفاة الأسكندر في بابل أنقسمت السيطرة على لإمبراطوريته على ثلاثة من جنرالاته و هم سيلوقس و أنتيغونوس و بطليموس، حيث أسس سيلوقس أمبراطوريته على بلاد الشام وبلاد الرافدين (بعد فوزه على أنتيغونوس) و بطلموس على بلاد النيل.
حوالي ۳۰۰ ق.م قام سيلوقوس نيكاتور(اي المنتصر) بتأسيس بعض المدن في بلاد الشام و سميت هذه المدن بأسماء بعض أفراد عائلته. حملت المدينة الجديدة على نهر العاص أسم والده أنطونيوس فسميت أنطاكيا، و على هضبة مطلة على سهل الغاب تأسست مدينة سميت بأسم أفاميا على أسم زوجته الفارسية التي تزوجها في العام ۳۲۴ ق.م في العرس الجماعي بمدينة سوسة أيام الأسكندر. و على الساحل السوري سميت المدينة الجديدة بأسم لاوديسيا (اللاذقية ) أسم والدته، أما المدينة الأخيرة التي نالت أهمية كبيرة فكانت مدينة دورا أوروبوس على نهر الفرات الأوسط، حيث أن كلمة دورا تعني الحصن بالبابلية و أوروبوس هي مسقط رأس سيلوقس.
عانت المدينة عبر تاريخها الطويل من الزلازل المدمرة والتي كان أولها في العام ۱۱۵ م. أثناء حكم القيصر تراجان. فأعيد تأسيس المدينة و بنائها و في الفترة البيزنطية بدأ من القرن الرابع الميلادي أزدهرت المدينة حتى الفترة الإسلامية و لكن حروب الفرس مع البيزنطيين على الأراضي السورية و الكوارث الطبيعية أدت جميعها إلى فقدانها لأهميتها كمركز أستراتيجي و ديني مهم. مع غزو المغول لبلاد الشام ۱۲۵۸ لم تعد المدينة مأهولة وهجرها سكانها بإتجاه المدن الأخرى.
المدينة الأثرية
تعتبر أفاميا من أكبر المدن القديمة مساحة (۲۰۰ هكتار) و عدد سكانها وصل مع بداية القرن الثاني الميلادي إلى حوالي ۵۰۰ ألف نسمة. تتميز المدينة عن غيرها بطول شارع الأعمدة الذي يبلغ ۱۸۵۰ م (تدمر ۱۱۵۰ م)، هذا الشارع يتجه من الجنوب إلى الشمال و ينتهي عند بوابة ضخمة كانت تدعى بوابة أنطاكية. يبلغ عرض الشارع حوالي ۳۷.۵ م و كانت تقع على جانبيه الحوانيت و الأبنية الهامة كالسوق التجاري (الأغورا) و دار البلدية و الحمامات الصغيرة و غيرها.تتقاطع مع الشارع العديد من الشوارع الفرعية و بذلك يشابه مخطط المدينة مدن أخرى كلاوديسا و تدمر و غيرها. يسمى هذا التنظيم العمراني للمدن بالهيبودامي (نسبة للمهندس الإغريقي هيبوداموس (ق ۵ ق.م)،"مع العلم أن مثل هذا التنظيم العمراني للمدن كان موجودا في الشرق قبل الإغريق بقرون عديدة") يحيط بالمدينة سور دفاعي جدد عدة مرات يبلغ طوله حوالي ۷ كم. يوجد على السور العديد من الأبراج الدفاعية (مربعة و دائرية) على بعد واحد هو ۳۵ م
قامت مديرية الآثار بالتعاون مع جهات أجنبية و سورية خاصة بإعادة بناء العديد من الأعمدة و ترميم العديد منها. يرى الزائر اليوم القليل من الأبنية العامة و لكنه سينبهر من طول شارع الأعمدة و عظمة المنظر بين هذه الأحجار الضخمة.
وجد المنقبون العديد من اللوحات الفسيفسائية التي رصفت بها أروقة الشارع العام في الفترة البيزنطية و لازالت هنالك العديد من أجزاء المدينة الذي يحتاج إلى تنقيب. توجد معظم اللوحات الفسيفسائية في متحف أفاميا الموجود في القرية و هو عبارة عن خان إسلامي من القرن السابع عشر، جهز ليكون متحفاً محليا لأفاميا.
ربما يطرح السؤال عن سكان مدينة أفاميا و دياناتهم. كما ذكر سابقاً فأن تاريخ المدينة يعود إلى ما قبل الإسلام و المسيحية و هي الفترة التي شهدت إنتشار العديد من العبادات السورية و الرافدية و الفارسية و الإغريقية و الرومانية. لا شك أن سكان أفاميا هم من السريان و تكلموا بالإضافة إلى السريانية المحلية اللغة الإغريقية و كانت هنالك طبقة من كبار ملاكي الأراضي و شريحة واسعة من الفلاحين و العبيد. مع قدوم المسيحية حافظ بعض العبادات على أتباعها و أنتشرت بينهم المسيحية بشكل سري حتى بداية القرن الرابع الميلادي، أي الفترة البيزنطية. تم في هذه الفترة بناء العديد من الكنائس و الأديرة و أصبحت المدينة من أشهر مدن العالم القديم كونها أستقبلت و حوت العديد من الشخصيات الدينية و السياسية و التاريخية، فكان من زوار المدينة الملكة المصرية كليوبترا و العديد من القياصرة كسيبتيموس سفيروس و أبنه كراكلا و غيرهما. أزدهرت المدينة تحت حكم الأسرة الحمصية السيفيرية في القرن الثالث الميلادي و كانت تسيطر على كافة الخطوط التجارية التي كانت تمر بوسط سوريا. أما في الفترة البيزنطية فقد قدمت المدينية العديد من العلماء و الفلاسفة على مستوى العالم و كانت مركزاً للمسيحية التي تنادي بالطبيعة الواحدة للمسيح ( ۴۵۱ م أي عام إنعقاد مجمع خلقدونيا المسكوني و ما بعده).
إن الزائر اليوم لأفاميا لابد له من زيارة المتحف و بقايا الفيلا التي تعود للفترة الرومانية البيزنطية و يستمتع أيضا برؤية البحيرة التي تشكلت بعد الإنتهاء من بناء السد التجميعي بالقرب من الهضبة و على بعد مئات الأمتار إلى الشرق من الآثار
المصدر: موقع "سيرياستيبس" الالکترونی السوری، عابد عيسى