قال مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال "عايد أبو قطيش" : إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي"، قتلت منذ بداية العام الجاري 31 طفلا في الضفة، و6 في قطاع غزة.
وأضاف "أبو قطيش"، ان "سلطات الاحتلال تواصل اعتقال 160 طفلا، بينهم 21 في الاعتقال الإداري"؛ لافتا الى "تصاعد عمليات القتل والاعتقال ضد الأطفال الفلسطينيين بشكل غير مسبوق".
وتابع مدير "برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال" : إن المجتمع الدولي لا يوفر حماية للأطفال الفلسطينيين، ولا يحاسب الاحتلال على جرائمه.
الأطفال الشهداء
لقد شكلت عمليات استهداف الأطفال الفلسطينيين وقتلهم، سياسة ثابتة اتبعتها القيادة السياسية والعسكرية "الإسرائيلية"، واعتُمدت على أعلى المستويات؛ ما يفسر ارتفاع عدد الشهداء الأطفال داخل الاراضي المحتلة.
وقد وثَّقت المؤسسات الحقوقية للدفاع عن الأطفال في فلسطين، استشهاد 2270 طفلاً على يد جيش الاحتلال "الإسرائيلي" منذ عام 2000م، أي مع بدء انتفاضة الأقصى وحتى الأول من أيار/حزيران 2023؛ منهم 546 طفلًا فلسطينيًا خلال عام 2014م؛ معظمهم ارتقوا خلال العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة، بما في ذلك جريمة إحراق وقتل الطفل المقدسي "الشهيد محمد أبو خضير"، بعد أن اختطفه المستوطنون، وجريمة إحراق عائلة "دوابشة" داخل منزلهم في قرية دوما جنوبب مدينة نابلس، فيما كانت آخر هذه الجرائم، استشهاد "الطفل محمد هيثم التميمي" (عامان ونصف) من قرية النبي صالح، شمال غرب رام الله، بعد أن استهدفه قناص من جنود الاحتلال أثناء وجوده ووالده بباحة منزلهما، وإصابة والده برصاصة بالكتف في حزيران 2023.
وتعج الذاكرة بآلاف الأطفال الذين قتلتهم قوات الاحتلال "الإسرائيلي"، مثل : قصف طائرة إسرائيلية دون طيار ثلاثة أطفال (خالد بسام محمود سعيد (13عاما)، وعبد الحميد محمد عبد العزيز أبو ظاهر(13عاما)، ومحمد إبراهيم عبد الله السطري (13عاما)، بصاروخ، شمال شرق مدينة خان يونس، ما أدى إلى استشهادهم). وهذا يعد جريمة حرب، يجب أن تعاقب عليها "إسرائيل"، والرضيعة إيمان حجو في قصف دبابات الاحتلال لخان يونس عشوائيا سنة 2001؛ ومحمد الدرة الذي استهدفه جنود الاحتلال وهو يحتمي بحضن والده في شارع صلاح الدين بالقطاع سنة 2000.
وفي عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في أيار 2021 "والذي استمر 11 يوماً" كان أطفال فلسطين في رأس قائمة بنك الأهداف الإسرائيلي، حيث ارتقى نحو 72 طفلاً جراء قصف الطائرات الحربية الإسرائيلية منازلهم بكل وحشية، لدرجة أن بعض العائلات أبيدت بكاملها رجالاً ونساء وأطفال كعائلة أبو حطب، وأبو عوف، واشكنتنا، وعائلة القولق.
وبشكل عام، تعود معظم حالات استشهاد الأطفال بشكل أساسي، إلى الأعمال العسكرية الإسرائيلية، ومخلفات الحروب والألغام، وخصوصًا في غزة؛ وإلى عنف جنود الاحتلال والمستوطنين في الضفة الغربية.
شرعنة استهداف الأطفال عند الكيان الصهيوني
وتعتقل سلطات الاحتلال في سجونها 165 طفلا، بينهم أطفال قُصر أعمارهم ما دون 14 عاما، حسب بيانات وزارة شؤون الأسرى والمحررين في غزة.
الاحتلال يعتقل الأطفال في ظروف صعبة، ويمارس ضدهم التعذيب بأنواعه المختلفة، وبالوسائل والآليات ذاتها التي يستخدمها مع المعتقلين الكبار.
ومثال على التعذيب والمحاكم المجحفة التي تفتقر لمعايير العدالة، حالة المعتقل المقدسي "أحمد مناصرة" الذي اعتقله الاحتلال بعمر أقل من 13 عاما، ولا يزال يقبع في السجن منذ عام 2015، وتجدد له محاكم الاحتلال العزل الانفرادي مرة بعد مرة، وهو ما أثر بشكل خطير على صحته الجسدية والعقلية والنفسية.
وتنطبق حالة مناصرة بشكل أو بآخر على الأطفال المعتقلين في سجون الاحتلال، الذين تضيع طفولتهم خلف القضبان، أو أولئك الذين يخضعون لما يسمى "الحبس المنزلي" في القدس المحتلة، وهم الذين يفرض عليهم الاحتلال البقاء في المنزل دون مغادرة بأي تهمة يراها ضد الاحتلال، ويتحول فيه الأهل بهذه الحالة إلى "سجانين" لطفلهم، خشية عليه من الأذى أو الغرامات المالية الباهظة التي تفرض عليهم، وفقا لعبده.
ومنذ احتلال الضفة والقطاع عام 1967، خاض أكثر من 50 ألف طفل فلسطيني من الجنسين، تجربة الاعتقال في السجون الإسرائيلية.
"إسرائيل" عمدت إلى إقرار قوانين تستهدف الأطفال الفلسطينيين، أخطرها : قانون يشرعن محاكمة الأطفال دون عمر الرابعة عشرة، وقانون آخر يتيح رفع الأحكام الصادرة بحق أطفال من راشقي الحجارة.
وحتى نهاية عام 2022، قدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني نسبة الأطفال الفلسطينيين في الفئة العمرية دون ال 15 عاما بنحو 38% من مجمل السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة (5.4 ملايين نسمة)، بواقع 36% في الضفة و41% في القطاع.
لا يزال النظام الصهيوني يستخدم أطفال الشعب الفلسطيني من الولادة وحتى الموت، كأدوات لبناء دولة "إسرائيل" المزعومة، واستئصال الجيل القادم من الفلسطينيين، ويتعامل مع الأطفال على أنهم لا يستحقون التمتع بحقوق الأطفال العالمية، وكأجساد خطيرة قابلة للقتل تحتاج إلى "الحبس والفناء".
وفي هذا السياق أعلنت وسائل إعلام فلسطينية، أن لجنة الشؤون التشريعية في الكنيست "الإسرائيلي" ستنظر في مشروع قانون بشأن الحكم على الأطفال الفلسطينيين دون سن 18 عاما بالسجن.
وحسب الوسائل الاعلامية ذاتها، فإن هذه الخطة اقترحها عضو الكنيست من حزب "القوة اليهودية"، ومن المفترض أن تشمل جميع الأطفال والمراهقين الفلسطينيين الذين يتخذون إجراءات ضد الكيان الصهيوني.
يقوم النظام الصهيوني حاليًا باعتقال وتعذيب وسجن المراهقين الفلسطينيين، لكن قانون هذا النظام يشمل المراهقين فوق سن 14 عامًا، ويسعى الصهاينة إلى تقصير هذا القانون بمقدار عامين لقمع أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين.
وقال يتسحاق كروزر، مقدم هذا القانون الجنائي ، لصحيفة "إسرائيل": "القانون هو خلق نوع من الردع ضد الموجة (الانتفاضة) الأخيرة للفلسطينيين ، لأننا نرى أن عمر القتال ضدنا منخفض للغاية، لإثبات أن الأطفال والمراهقين هم دون السن القانوني ولن ينجووا من عقوباتنا أيضًا.
معاناة الأطفال بالأرقام
بلغ عدد الفلسطينيين الذين تعرضوا للاعتقال من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 وحتى نهاية عام 2022 نحو مليون فلسطيني، أكثر من خمسين ألف حالة اعتقال سجلت في صفوف الأطفال الفلسطينيين (ما دون سن الـ 18 وفقًا للقوانين الدولية)؛ اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلى خلال العام 2022 نحو 882 طفلًا فلسطينيًا، منهم 654 طفلًا من القدس ويشكلون الغالبية العظمى ما نسبته 74,1% من إجمالي الأطفال الفلسطينيين الذين تعرضوا للاعتقال في العام 2022، وبلغ عدد الأسرى الأطفال والقاصرين رهن الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي حتى نهاية عام 2022 نحو 150 طفلًا وطفلة في معتقلات "مجدو"، و"عوفر"، و"الدامون"؛ إضافة إلى وجود عدد في مراكز التوقيف والتحقيق، فضلًا عن عدة أطفال من القدس تحتجزهم في مراكز اجتماعية وخاصة لأن أعمارهم تقل عن 14 عامًا؛ وذلك حسب تقارير مؤسسات الأسرى: (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطينيّ، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز وادي حلوة – القدس).
وهؤلاء الأطفال يتعرضون لما يتعرض له الكبار من قسوة التعذيب والمحاكمات الجائرة، والمعاملة غير الإنسانية، التي تنتهك حقوقهم الأساسية، وتهدد مستقبلهم بالضياع، بما يخالف قواعد القانون الدولي واتفاقية الطفل.
إن ما تقوم به سلطات الاحتلال، يشكل انتهاكاً لحقوق الأطفال الأسرى، ويخالف القانون الدولي، وخصوصاً اتفاقية الطفل المادة (16) التي تنص على: "لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة، أو أسرته أو منزله أو مراسلاته ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته" وتنص أيضاً على إن "للطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس". ولا يراعي الاحتلال حداثة سن الأطفال أثناء تقديمهم للمحاكمة، ولا تشكل لهم محاكم خاصة.
إضافة إلى أن الاحتلال يحدد سن الطفل بما دون ال16 عاماً، وذلك وفق الجهاز القضائي الإسرائيلي الذي يستند في استصدار الأحكام ضد الأسرى الأطفال للأمر العسكري رقم "132"، والذي حدد فيه سن الطفل، بمن هو دون السادسة عشر، وفي هذا مخالفة صريحة لنص المادة رقم "1" من اتفاقية الطفل والتي عرفت الطفل بأنه (كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر).
حرمان مطلق من الحقوق
تحرم سلطات الاحتلال الإسرائيلي الأطفال الأسرى من أبسط الحقوق التي تمنحها لهم المواثيق الدولية، هذه الحقوق الأساسية يستحقها المحرومون بغض النظر عن دينهم وقوميتهم وجنسهم وديانتهم، وتشتمل: الحق في عدم التعرض للاعتقال العشوائي، الحق في معرفة سبب الاعتقال، الحق في الحصول على محامٍ، حق الأسرة في معرفة سبب ومكان اعتقال الطفل، الحق في المثول أمام قاضٍ، الحق في الاعتراض على التهمة والطعن بها، الحق في الاتصال بالعالم الخارجي، الحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامة الطفل المعتقل.
اعتقال الأطفال الملاذ الأول
وعلى الرغم من أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وتحديداً اتفاقية حقوق الطفل، شددت على ضرورة توفير الحماية للأطفال ولحياتهم ولفرصهم في النمو والتطور، وقيّدت هذه المواثيق سلب الأطفال حريتهم، وجعلت منه "الملاذ الأخير ولأقصر فترة ممكنة"، إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي جعلت من قتل الأطفال الفلسطينيين واعتقالهم الملاذ الأول.
من جهة أخرى، فإن سلطات الاحتلال العسكري الإسرائيلي ضربت بعرض الحائط حقوق الأطفال المحرومين من حريتهم، وتعاملت معهم "كمشروع مخربين"، وأذاقتهم أصناف العذاب والمعاملة القاسية والمهينة، من ضرب وشبح، وحرمان من النوم ومن الطعام، وتهديد وشتائم وتحرش جنسي، وحرمان من الزيارة، واستخدمت معهم أبشع الوسائل النفسية والبدنية؛ لانتزاع الاعترافات والضغط عليهم لتجنيدهم للعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية.
أوامر عسكرية وتمييز عنصري
تنتهج حكومة "إسرائيل" سياسة التمييز العنصري ضد الأطفال الفلسطينيين؛ فهي تتعامل مع الأطفال الإسرائيليين من خلال نظام قضائي خاص بالأحداث، وتتوافر فيه ضمانات المحاكمة العادلة، وتعتبر الطفل "الإسرائيلي" هو كل شخص لم يتجاوز سن 18 عاماً، في حين تتعامل مع الطفل الفلسطيني بأنه كل شخص لم يتجاوز سن ال 16 عاماً.
وخلافاً لالتزاماتها بتوفير ضمانات قضائية مناسبة لاعتقال الأطفال ومحاكمتهم بموجب اتفاقية حقوق الطفل والقانون الدولي الإنساني، طبقت سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" أوامر عسكرية عنصرية على الأطفال الفلسطينيين الأسرى، وتعاملت معهم من خلال محاكم عسكرية تفتقر للحد الأدنى من معايير المحاكمات العادلة، وخصوصاً الأمر العسكري 132، الذي يسمح لسلطات الاحتلال باعتقال أطفال في سن 12 عاماً.
ظروف اعتقال قاسية
يعاني الأطفال الأسرى في السجون والمعتقلات "الاسرائيلية" من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، تفتقر للحد الأدنى من المعايير الدولية؛ فهم يعانون من نقص الطعام ورداءته، وانعدام النظافة، وانتشار الحشرات، والاكتظاظ، والاحتجاز في غرف لا تتوافر فيها تهوية وإنارة مناسبتين، والإهمال الطبي وانعدام الرعاية الصحية، ونقص الملابس، وعدم توافر وسائل اللعب والترفيه والتسلية، والانقطاع عن العالم الخارجي، والحرمان من زيارة الأهالي، وعدم توافر مرشدين واختصاصيين نفسيين، والاحتجاز مع البالغين، إضافة إلى الاحتجاز مع أطفال جنائيين، والإساءة اللفظية والضرب والعزل والعقوبات الجماعية، وتفشي الأمراض، كما أن الأطفال محرومون من حقهم في التعلم.
والمضحك المبكي في هذا العالم الظالم، أن الإجراءات "الإسرائيلية" بحق أطفال فلسطين يضعها المجتمع الدولي تحت بند "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، وهذا ينطوي على ظلم كبير، ويتناقض مع القانون الدولي، والاتفاقيات الدولية وشريعة الأمم المتحدة نفسها، إلى جانب توجيه اللوم للإسرائيليين والفلسطينيين بالقدر نفسه واتهامهما معًا بارتكاب جرائم حرب يخرج عن أي مفهوم للعدل.
كما أن استناد جنود الاحتلال والمستوطنين على القوانين والأوامر العسكرية وفتاوى الحاخامات الصهيونية في قتلهم لأطفال فلسطين الأبرياء يعتبر الشكل الأكثر قبحًا لمعنى الإرهاب، ولا يمكن استمرار هذا الوضع إلى أجل غير مسمى.
نهاية التقرير