سعدي الشيرازي.. شاعر الإنسانية والقيم الأخلاقية الذي يعتلي قمم الثقافة العالمية
وقد اختارت منظمة اليونسكو الدولية، يوم 21 أبريل/نيسان، باعتباره اليوم العالمي لإحياء ذكرى الشاعر العالمي "سعدي الشيرازي"، أحد أعمدة الشعر الفارسي اعترافاً وتقديراً لدوره وقصائده التي عززت أواصر المودة والإخاء بين إيران والعالم و جاوز آفاق وطنه، إلى مواطن الحضارة العربية والإسلامية وبلغت شهرته العالم بأسره.
اسمه "مشرف الدین بن مصلح الدین السعدي"، ولد في مدینة شیراز (جنوب ايارن) حوالی عام580 هـ وتوفى عام691هـ (القرن السابع الهجري) والسعدي هو الاسم الذي اشتهر به نسبة الی سعد بن زنکي حاکم شیراز.
سعدي الشيرازي (القرن السابع الهجري) هو شاعر ومتصوف فارسي، تميزت كتاباته بأسلوبها الجزل الواضح وقيم أخلاقية رفيعة، مما جعله أكثر كُتاب الفرس شعبية، فتخطت سمعته حدود البلدان الناطقة بالفارسية إلى عدد من مناطق وأقاليم العالم الإسلامي، وبلغت الغرب أيضاً.
لقد نظم سعدي الشعر بالفارسية والعربية، ومن أشهر آثاره : «كلستان سعدي» و«البوستان» وكان من شدة تأثر سعدي باللغة العربية أن اعتبره بعض النقاد الأدبيين أحد أبرز المؤثرين بالقصيدة العربية من ناحية ما أدخلته أشعاره من نظم موسيقية جديدة عبر اقتباس النظم العروضية الفارسية.
أما غزليات الشاعر سعدي الشيرازي، فيمكن القول بانه ابدع فيها، وقد تضمنت اثاره الغزلية أبدع الاحاسيس والمشاعر في روح صوفية، لم يبلغ شاعر آخر ما ناله. ومع أنه يتضح من حكايات السعدي، وحكمه أنه اندمج في زمرة رجال الصوفية، لكن لم يكن من أولئك الذين نقضوا أيديهم من شؤون الحياة ولا من الذين لجأوا إلى الاعتزال، بل كان له لطافة أفكارهم وإشراق نفوسهم، في حياة معتدلة وعمل متزن.
وقدم سعدي نماذج رائعة للوحدة الحضاریة بین الایرانیین والعرب، وما هوالا رمز من رموز وحدتنا الحضاریة ، فمزجه بین اللغتین العربیة والفارسیة هو من مظاهر اهتمامه بهذه الوحدة، وفضلا عن خطابه الذي یتجاوز حدود الزمان والمکان واستطاع ان یقدم النموذج الرائع للامتزاج الحضاري بین هاتین الامتین.
في إحدى الحقب الزمنية من حياته، سافر الشاعر الفارسي الى العديد من البلدان الإسلامية، بما في ذلك مدينة بلخ وغزنة كما ذهب إلى ولاية غوجارات في الهند وتعرف على تجربة البراهمة الهندية وتعلم اللغة الهندية في دلهي؛ وخلال هذه الفترة ايضا سافرة سعدي الشيرازي إلى اليمن والحبشة عن طريق البحر، ثم إلى الدول العربية وبعد زيارة الكعبة لفترة ، استقر في دمشق وبعلبك ولبنان والقدس.
وبعد رحلات عديدة عاد الشاعر الايراني إلى مسقط راسه شيراز، ودوّن تجاربه في عام 655 هـ، حيث كتب سعدي أجمل وأرق قصائده في كتاب "بوستان" من عشرة فصول وفيها ركز على أهم القضايا الأخلاقية والإنسانية كالعدالة واللطف والمحبة والتواضع والرضا والامتنان والتوبة.
وفي عام 656 هـ، كتب الشاعر سعدي ديوانا فريدا اخر، يعرف بـ "کلستان" وهو مزيج من الشعر والنثر ومجموعة من القصص التي عاشها الشاعر أو ابتكرها في ذهنه. بالإضافة إلى كل الصفات التي أُعطيت للسعدي باعتباره شاعرًا إيرانيًا مشهورًا، يعرف كثير من الناس السعدي رسولًا للإنسانية.
ويعد الشاعر الايراني سعدي الشيرازي، سفير الإنسانية والتضامن والتعايش وقد أرسى أسس الحوار بين الثقافات والحضارات بقصائده الجميلة، لذلك كان سيد الكلام في أشعاره عالم الروحانيات والتصوف والفلسفة وعبر عن آلام ومشاكل الانسانية وقدم الحل.
وعليه فقد ذاع صيت الشاعر الايراني سعدي الشيرازي، ليس في شيراز وبلده فقط، بل في العالم أجمع، بحيث تكون قصيدته من بين عظماء الأدب هي الوحيدة المكتوبة على رأس مقر الأمم المتحدة في نيويورك ليكون رمز المحبة الإنسانية بأبياته الشهيرة:
بني آدم اعضـاي يكديگـرنـد كـه در آفرينش زيك گوهـرنـد
چـو عضوي بـدرد آورد روزگار دگـر عضـوها را نمـاند قـرار
تـو گر محنت ديگران بي غمـي نشايد كـه نامت نهند آدمـي
الترجمة :
بنو البشر مثل اعضاء الجسد .. خلقوا من جوهر واحد
إذا اشتكى من هذا الجسد عضو.. تداعى له سائر الجسد بالسّهر
لو كنت لا تبالي الى محن الاخرين .. فلا يمكن ان تسمى انسانا
ومما لا شك فيه أن السعدي هو أحد الشعراء الخمسة الأوائل للغة الفارسية ومن أعظم شعراء إيران. غزلیات سعدي عن الأخلاق والتصوف جميلة جدا وجذابة وحتى الآن لم يستطع أحد أن يكتب مثل هذا الغزال الجميل. تمت ترجمة كتب هذا الشاعر العظيم إلى اللغات الأوروبية بقدر ما يعتقد البعض ، فإن أوروبا اعترفت بالأدب الفارسي بقصائد السعدي.
علما ان مقام الشعر الايراني الشهير "الشيخ مشرف الدين بن مصلح الدين" (سعدي الشيرازي) يقع على بعد ٤ كيلومترات الى الشمال الشرقي من مدينة شيراز عاصمة محافظة فارس الايرانية.
انتهى