اعتقالات وضغوطات وفصل.. هل تحولت الجامعات الأمريكية لساحة قمع؟
تتواصل وبأشكال متعددة حملات التضامن مع القضية الفلسطينية والمطالبات بوقف العدوان الصهيوني النازي على غزة، داخل المجتمع الأمريكي، بما يشير إلى وجود حالة تذمر شعبي في المؤسسات الأكاديمية والمجتمعية من جرائم الإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في ظل صمت مطبق للمجتمع الدولي ومؤسساته، جاءت آخر الأصوات الداعمة للحق وأصحابه من داخل الجامعات الأمريكية التي تحولت في يوم وليلة من مؤسسات تعليمية إلى مؤسسات قمعية ليكون مصير كل من يدافع عن القضية، الاعتقال والفصل من الجامعة!
هذا الامر عرّض القطاع الأكاديمي في الولايات المتحدة لسلسلة من الاستقالات والتوقيفات بسبب الأحداث في قطاع غزة، ما أثار نقاشاً معقداً حول دور الجامعات في حماية طلابها أمام التمييز وخطاب الكراهية، وبما يثير أسئلة جدية حول قدرة المؤسسات التعليمية على توفير بيئة آمنة للطلاب تسمح لهم بالتعبير عن آرائهم السياسية من دون التعرض للأذى.
اعتقالات جامعة كاليفورنيا
اعتقلت شرطة نيويورك 108 من المتظاهرين المتضامنين مع فلسطين في جامعة كولومبيا كانوا يحتجون على الحرب الإسرائيلية الدموية على قطاع غزة المدمر، بعدما أقاموا مخيماً احتجاجياً وهتفوا «كولومبيا، كولومبيا، سترين، فلسطين ستكون حرة وطلبت رئيس جامعة كولومبيا مينوش شفيق من إدارة شرطة مدينة نيويورك يوم الخميس إخراج الطلاب، قائلة إن معسكر المتظاهرين يشكل “خطرًا واضحًا وقائمًا على الأداء الجوهري للجامعة”.
وقال متظاهرون إن جامعة كولومبيا عاملتهم بشكل غير عادل، بما في ذلك تعليق عضوية المجموعات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين، وأكد المتظاهرون أن الجامعات تقمع حقوقهم في التعبير بسبب تعبيرهم عن غضبهم من تصرفات كيان الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
في المقابل قالت رئيسة الجامعة مينوش شفيق، وهي من أصول مصرية، للمشرعين إن الجامعة لم تكن مستعدة لمواجهة العاصفة النارية الناجمة عما وصفته بهجوم حماس على كيان الاحتلال الإسرائيلي في الخريف الماضي، لكن الجامعة كانت تفعل كل ما في وسعها لمواجهة معاداة السامية في الحرم الجامعي، وقالت شفيق إن الأساتذة الذين عبروا عن وجهات نظر معادية للسامية لن يتم تعيينهم تحت إدارتها.
من جهة أخرى، دعا ائتلاف مؤيد للفلسطينيين من أعضاء هيئة التدريس والموظفين في كليات كولومبيا وبارنارد والمعلمين أعضاء الهيئة إلى مقاطعة التخرج والمناسبات الأكاديمية، حتى تتراجع الجامعة عن قرار إيقاف الطلاب عن الدراسة وتسحب الدعم المالي من كيان الاحتلال الإسرائيلي، من بين مطالب أخرى.
وما حدث في «كولومبيا» تكرّر بطرق متفاوتة في عدد من الجامعات الأمريكية الكبرى بعدما انخرطت أعداد متزايدة من الطلاب في احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين ومناهضة للإبادة التي تنفذها قوّات الاحتلال، بتواطؤ أمريكي، ضدهم، وتجرأت بعض المؤسسات الأكاديمية الأكثر شهرة في البلاد، بوصفها معاقل عالمية لليبرالية، على تطبيق إجراءات تعسفية صارمة ضد المحتجين، فقد اتخذ «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» وجامعات «نيويورك» و«براون» و«ميتشيغان»، أخيراً، قرارات بطرد عشرات الطلاب، فيما استدعيت الشرطة للقيام باعتقالات، ولكن الاحتجاجات لم تتوقف، ما قد يفتح الباب أمام تدحرج الأمور نحو موجة ثوريّة طلابية واسعة تستدعي أجواء الصدامات الحادة حول حرب فيتنام.
استسلام للخوف
في خطوة أظهرت الخوف الصهيوامريكي من كلمة الحق، منعت جامعة جنوب كاليفورنيا أسنا تبسّم، التي حصلت على جائزة “الطالبة المتفوقة” من إلقاء خطاب التخرج بسبب منشورات تضامنية مع فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي ما أثار الكثير من الجدل بشأن حرية التعبير في الجامعات الأمريكية، وجاء قرار رئيس الجامعة بمنع الطالبة من إلقاء خطاب التخرج بعد هجمات من الجماعات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.
فيما قالت تبسّم في بيان إن الجامعة استسلمت للخوف وتكافئ الكراهية، ووصف مجلس العلاقات الإسلامية- الأمريكية القرار بأنه “خطوة جبانة” كما وصفت النائبة التقدمية "إلهان عمر"، القرار بأنه “خطوة مخزية”.
انتقام سياسي!!
بالعودة إلى جامعة كاليفورنيا واعتقال ابنة النائبة "إلهان عمر"، لا بد من قراءة ما حصل في اليوم السابق لاعتقال "هيرسي"، حيث كانت والدتها قد استجوبت مسؤولي جامعة كولومبيا خلال جلسة استماع بالكونغرس، وقد دقت النائبة الديمقراطية ناقوس الخطر بشأن ما وصفته بـ"هجوم" بمادة كيميائية سامة على مظاهرة مناهضة لـ"إسرائيل" في جامعة كولومبيا.
من جانبه أشار النائب جمال بومان، ديمقراطي من ولاية نيويورك، إلى أن حرمان هيرسي من الدراسة كان انتقاماً من أسئلة والدتها في الكونغرس، وكتب بومان في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: "في اليوم التالي مباشرة لأسئلة النائبة "إلهان عمر" حول التزام قيادة جامعة كولومبيا بحرية التعبير الأكاديمي، منعت الجامعة ابنتها من الدراسة، من الواضح ما يحدث هنا، لا ينبغي لمؤسساتنا التعليمية أن تنخرط في أعمال الانتقام السياسي".
ضغوطات اللوبي الصهيوني
يبذل اليوم اللوبي الصهيوني جهوداً جبارة في محاولات إسكات صوت الحقيقة والقضاء على أي مظهر من مظاهر دعم القضية الفلسطينية، فبعد جدل حادّ حول حرية التعبير ومعاداة السامية وضغوطات اللوبي الصهيوني، استقالت إليزابيت ماجيل رئيسة جامعة بنسلفانيا، وجاء هذا القرار بعد اتهامات لها وللجامعة من قِبل مجموعات مناصرة لكيان الاحتلال الاسرائيلي، ادّعت فيها أن الجامعة فشلت في حماية الطلبة اليهود وسط تصاعد معاداة السامية على خلفية الأحداث في القطاع.
ولكي نفهم القصة يجب أن نرجع قليلاً إلى الوراء، إذ تعرضت ماجيل وجامعة بنسلفانيا لهجوم قوي من اللوبي الإسرائيلي بعد استضافة احتفالية "فلسطين تكتب" (Palestine Writes) للأدب، التي جمعت أكثر من 1500 مشارك من جميع أنحاء العالم والولايات المتحدة.
بالتزامن مع الفعالية طافت مجموعة عصبة مكافحة التشهير المعروفة بعدائها للفلسطينيين حول الاحتفالية بسيارات ولوحات ضوئية تتهم بعض المشاركين -مثل المغني الشهير روجر ووترز- بالعداء للسامية، هذه الضغوط دفعت رئيسة الجامعة إلى النأي عن الاحتفالية والقول إن الجامعة لا ترعاها وإنما جرى تنظيمها بالتعاون مع بعض الأقسام والطلاب في الجامعة.
حتى أطفال المدارس!!
في سياق متصل صُدم طفل في الثالثة عشر من عمره عندما وصفته زميلة له بمدرسة تقع بولاية كاليفورنيا بأنه “إرهابي” ليجيب “فلسطين حرة” ولكن إدارة المدرسة لم يعجبها هذا الرد، وعلى الفور قررت إيقاف الطفل لمدة 3 أيام.
وقالت عمة الطفل إن مدير المدرسة أبلغ الطفل بأن عبارة “فلسطين حرة” تعني الموت لجميع اليهود ولا ينبغي ان تقال أبداً، وأمرت إدارة المدرسة الطفل، الذي لا يزال في الصف الثامن، بعدم دخول المدرسة، خلال ساعات الدراسة أو خارج الدوام قطعياً من الفترة الـ13 من نوفمبر إلى الـ 16 من نوفمبر، كما تم منع الطفل من المشاركة في النشاطات المدرسية خلال هذه الفترة، وأثارت هذا الحادثة المزيد من النقاش عن حرية التعبير داخل النظام التعليمي في الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بفلسطين والعدوان الإسرائيلي.
انتهى