بات الوضع المصري بالنسبة للكيان الصهيوني بمثابة آلة قياس لقوة الزلزال الذي يضرب العالم العربي تحت مسمى الربيع العربي، ومدى اثار ارتداداته على اسرائيل بعد ان حاول القادة الصهاينة ببالغ الجهد اعادة الامور الى نصابها مع مصر المجلس العسكري اثر سقوط نظام حسني مبارك وبناء شبكة علاقات متشعبة مع القيادة العسكرية على امل ان تتمكن هذه القيادة من ضبط وتيرة الثورة ومنعها من الاتجاه نحو قطع الصلة مع الكيان العدو خصوصا بعد اقتحام الجماهير المصرية الغفيرة لمبنى السفارة الصهيونية في القاهرة التي فر السفير الصهيوني وافراد طاقمها تحت جنح الليل عائدين الى الكيان الصهيوني.
الهدوء بات يسود الخطوط ما بين القاهرة وتل ابيب بفعل جهود اميركية واسرائيلية والذي برز من خلال عدة محطات منها الرعاية المصرية لعملية التبادل بين اسرائيل وحركة حماس والتبادل الذي جرى بين القاهرة وتل ابيب عبر اطلاق سراح جاسوس اسرائيلي مقابل مجموعة من المعتقلين المصريين، الا ان اندلاع المواجهة في ميدان التحرير بين المجلس العسكري وقوى الثورة دفع بالموجات الارتدادية للثورة المصرية مجددا نحو كيان العدو، واثار المخاوف الاسرائيلية من الآتي خصوصا اذا سُمح للشعب المصري ان يعبر عن توجهاته بشكل مطلق من خلال صناديق الاقتراع التي ستوصل الى سدة الحكم اطرافا ستكون بالضرورة بنظر الاسرائيليين اطرافا لا تحمل اي ود لاسرائيل في افضل الحالات، وربما تصل بها الامور الى حد قطع العلاقات مع تل ابيب والانسحاب من اتفاقية كامب ديفيد مع كل ما يعني ذلك من ابعاد استراتيجية على اسرائيل اهمها العودة الى مواجهة جبهة معادية لها على الحدود الجنوبية لفلسطين المحتلة.
مسوؤلون صهاينة حذروا من مواقف وسياسات اسرائيلية قد تُفسر بشكل سلبي لدى المصريين، ورأى الوزير وعضو الكنيست السابق "اوفير بينس" ان من يستمع المواقف التي طرحت امام لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست مؤخرا حول تطورات الاحداث في مصر لا يمكن الا ان يشعر برياح الحرب التي هبت من مناقشات اللجنة وان اسرائيل ومصر في الطريق نحو المواجهة المباشرة وفق ما قاله وزير الحرب السابق "بنيامين بن اليعازر" المعروف بالخبرة الكبيرة بالساحة المصرية والذي لم يتعافى بعد بحسب تعبير "بينس" من سقوط صديقه الشخصي وصديق اسرائيل حسني مبارك.
"بينس" الذي رأى انه لم يكن كل شيء ابيض في العهد المصري السابق وليس كل شيء اسود في العهد الحالي، فوضع العلاقات المصرية الاسرائيلية مثلما تنعكس في النشاط المثكف الذي حصل بين اسرائيل ومصر في الاشهر الاخيرة يدل على ان التعاون بين تل ابيب والقاهرة يتعمق اكثر فاكثر. فقد كانت مصر قبل اسابيع محورا مركزيا في اعادة الجندي الاسير غلعاد شاليط وفور ذلك اجريت صفقة اخرى اعادت الاسرائيلي ايلان غرابيل الى اسرائيل واوضح بينس ان هذين الامرين ما كانا ليتما لولا المساعدة التي قدمتها الحكومة المصرية ومن دون التنسيق الامني والسياسي مع السلطات في القاهرة.
"اوفرير بينس" يرى ان المشكلة في تنبؤات بين اليعازر غير مرتبطة بإذا ما كانت هذه التنبؤات صحيحة ام لا، انما المشكلة بأن تنبؤات من هذا النوع تكشف عن خط استراتيجي سلبي تنتهجه اسرائيل في السنوات الاخيرة فيما يتعلق بالاحداث في الشرق الاوسط، فاسرائيل بنظر بينس تتصرف كمحللة للتطورات وليس كصاحبة مواقف مركزية في بلورة العلاقات.
الوزير وعضو الكنيست الصهيوني السابق ركز على ما وصفه بالصراع القائم في مصر بين تيارين تيار علماني يريد مصر دولة ديمقراطية قريبة من الغرب، وتيار يريد اقامة دولة على اسس اسلامية، ليخلص الى ان مصلحة اسرائيل بأن تتحول مصر الى دولة ديمقراطية ذات توجهات غربية، لكن لا يكفي ان تنتظر اسرائيل الاحداث المستقبلية انما على القيادة الاسرائيلية ان تحاول التقرب من السلطة في مصر على اساس المصالح المشتركة.
بينس ابدى اسفه من الموقف الاسرائيلي التلقائي النابع من الخشية من المجهول في مصر فاسرئيل قامت بنظره في البداية باطلاق اشارات عن تهديد محتمل، وتحولت هذه الاشارات فيما بعد الى مصطلحات كلامية مثل "التهديد المصري"، فاسرائيل وفق هذا التوجه على وشك ان تقدّر مصر كتهديد استراتيجي على امنها، وهي بدأت في ادارة منظومة دولية من الضغوط على النظام المصري ما يحولها الى دولة تتدخل بشكل فظ بالشؤون الداخلية لجاراتها.
واقترح بينس في هذه المرحلة على الزعامة الاسرائيلية ان تغير الاتجاه وتسير في الاتجاه المعاكس، اذ عليها ان تقوم بتعزيز العلاقات مع السلطات المصرية والتعاطي معها كوسيط لتسوية سلمية في المنطقة، كما ان عليها بموازاة الخطوات التكتيكية لتعزيز اتفافية السلام مع مصر ان تبادر الى عملية جوهرية تدل على الاهمية الاستراتيجية للعلاقات مع مصر.
وفي توجه يعكس قلق المؤسسة العسكرية من تطورات الساحة المصرية حذر الكاتب والمراسل العسكري لصحيفة معاريف "عامير رابوبورت" من تأخير بلورة الخطط السنوية للجيش الاسرائيلي، معتبرا ان تأجيل الخطط الخمسية للجيش الاسرائيلي بحجج الضغوط الاقتصادية وحاجات الميزانية المختلفة سيكون احد اكبر الحماقات منذ نشوء اسرائيل، اذ اتضح ان الجيش الاسرائيلي يحتاج وفق رابوبورت الى خطط جديدة على ضوء انعدام الاستقرار في الشرق الاوسط، وبالاخص بعد سقوط نظام حسني مبارك في مصر، ورأى رابوبورت ان الايام الاخيرة تجسد ان الجبهة الجنوبية التي كانت هادئة على مدى اكثر من ثلاثين عاما يمكن ان تتحول الى تهديد جديد، فالانذار الاستراتيجي ازاء احتمال تيقظ هذه الجبهة اتى بعد الثورة في مصر، واوضح رابوبورت انه بدون ميزانية معروفة للسنوات الاتية فإن الجيش الاسرائيلي لا يستطيع العمل في بناء قوة اساسية تأخذ بالحسبان التغييرات الاقليمية.
وختم رابوبورات تحذيره بالقول ان وتيرة الاحداث في مصر والشرق الاوسط بأسره تظهر انه من المحظور التردد في اتخاذ القرارات الجوهرية، فالاستيقاظ في وقت متأخر افضل من عدم الاستيقاظ ابدا.
من جانب آخر قدم وزير الحرب الصهيوني السابق واحد كبار المنظرين الاستراتيجيين في اسرائيل "موشيه ارنز" رؤية سوداوية حيال الثورات العربية وكتب في صحيفة هآرتس بأن من اعتقد ان الربيع العربي سوف يصلح الخلل كان مخطئا فالربيع العربي بحسب زعمه سوف يأتي من بعده شتاء عربي طويل، متوقعا ان ترث الجهات الاسلامية وظيفة الدكتاتوريات.
وشدد ارنز على ان من قاد المظاهرات في كل من تونس ومصر كانت المجموعات العلمانية من الشبان المثقفين والخبراء باستخدام الانترنت والفايسبوك والتويتر، مذكرا بمشاركة الاقباط في الثورة المصرية ودور حلف الناتو في تمهيد الارضية امام الليبيين لاسقاط نظام معمر القذافي.
ارينز طرح السؤال من الذي سيفوز في الانتخابات في حال حصلت في كل من مصر وليبيا وسوريا، رابطا ذلك تلقائيا بنتائج الانتخابات التونسية في الدولة التي كانت اكثر علمانية واكثر قربا من الحضارة الغربية، حيث فازت حركة النهضة الاسلامية بالانتخابات فيما بقيت الاحزاب العلمانية بعيدا عن تحقيق نتائج مهمة، ورأى ارينز انه لا يوجد سبب لظهور نتائج مختلفة في دول الربيع العربي الاخرى، وهذا سيؤدي برأيه لحلول ديكتاتوريات اسلامية مكان الديكتاتوريات العلمانية.
ارنز ارجع سر اكتساح الاسلاميين لصناديق الاقتراع الى عامل الديمغرافيا حيت ازداد عدد جمهور الاسلاميين بوتيرة سريعة من تلك التي لدى جمهور العلمانيين فعدد النساء اللواتي تغطين وجوههن في الاماكن العامة في الدول العربية اكبر من عدد اللواتي تكشفن وجوههن فنتائج الانتخابات بحسب رأي ارينز معروفة قبل ان توضع الاوراق في صناديق الاقتراع.
ارنز استنتج ان المراقبين يمكن ان يقعوا في الوهم بأن الاحزاب الاسلامية في الدول العربية هي احزاب معتدلة لكن زعماءها ليس معتدلين، فالتوقع بأن يتم اصلاح التشوهات الجذرية التي تميز المجتمعات العربية على حد تعبيره تحت انظمة الاحزاب الاسلامية ليس سوى امل فارغ، فما سيحصل هو العكس تماما فحكم الشريعة هو الذي سيسود مع كل ما يحمل ذلك من مغزى.